الخبر وما وراء الخبر

بندقية من سيف الإمام زيد

128

بقلم/ أنس القاضي


 

هّكذا بدَا خطابَ قائد الثورة في إحياء ذِكرى استشهاد الإمام زيد (ع)، ليس كمَن يَندبُ الماضيَ ويتحسّر على التأريخ، ولا كمَن يُريد أن يعيشَ القرون الأولى للهجرة في هذا العصر والأخذ بالثأر من بني أمية، كما قد يفهمُ القاصرون وعياً!.

وَالسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الذي ينتمي للقرن الحادي والعشرين ولثورات التحرر الوطني في وجه الاستعمار الامبريالي كان في خطابهِ مُعاصراً ينتمي لهذه المرحلة التأريخية لا ماضوياً واقعياً في مواجهة القنابل العنقودية، يصكُّ بندقيةً من نصل سيف الإمام زيد الذي رفعهُ بوجه الطاغية هشام بن عبدالملك، لنواجه بهِ اليوم الطغيان الاستعماري المُتمثل في العدوان الأمريكي الإسرائيلي وحلفه الرجعي العربي.

وَهكذا تحدث السيد، ذكَرَ أمريكا وإسرائيل أكثر من ذِكرِ الأمويين، وذكر الإمام زيداً بقدر ذِكر الجيش واللجان الشعبية، ما كان متحوصراً في سرديات الكتب القديمة، بل مُتحرّراً من عبئها من الجانب الرجعي في التراث، يستلهم منه الجانب المُشرق والتقدمي، هذا الجانب الذي تحدث عنهُ المفكر الماركسي الكبير حُسين مروه في كتاب النزعات المادية في الثقافة العربية-الإسلامية، والجانب الذي تحدث وَعنهُ الحزب الاشتراكي اليمني إذ يقول في نظامه الداخلي أنهُ وَ”يستمد من تعاليم ديننا الحنيف مضامين نضالهُ في نصرة المستضعفين وإحقاق الحق والمساواة ومواجهة الظلم والطغيان، انطلاقاً من كون الإسلام قوة للتقدم والإخاء والمساواة”. هذا هوَ الوجه المُشرق من التراث الإسْلَامي وَالذي يُعيد المُقاتل اليمني اليوم إشعال الجذوة فيه بما يكفي ليزيل ظلامَ هذا العصر وطغاتَه.

هي الحُرية مَتنُ كُلّ حَديثٍ للسيد، وفي مُعظم الكتابات في الفكر الإسلامي وقف الكثير من المفكرين باحثين عَن تأصيل إسلامي للحُرية ولَم يجدوه، حتى قال البعض بأن الإسلامَ أنكرها! وَتحدثوا عن جُزئية تحرير العبيد والرقيق، بينما يأتي السيد من عُمق هذا الفكر الإسلامي بثقافة قرآنية ليؤصل للحرية المُنافية لكل عبودية السلاطين، الحُرية التي تعترف بعبودية لإلهِ واحد غير مرئي ولا مُجسد كبشر، إنما متمثلٌ كقيم للثورة، هكذا تنتفي العبودية وتظل الحُرية المُرادفة للثورة سيفاً وبندقيةً مُعدةً لكل مَن يُريد التَجبر والاستبداد والعدوان والاستعمار والدِكتاتورية.

يعترفُ الكثيرون بأن قيادة أنصار الله تؤصل لهذه الحُرية وتنادي بها وتُنجزها عملياً كما في ثورة 21 سبتمبر بدك كل قوى النفوذ والتسلط، التي كانت صنعاء في ظلها مُربعات أمنية لا يجرؤ المواطن العادي الآن يمر في مربعٍ أمني إلا نهره وسبه وركلهُ مسلحو القائد فلان والشيخ فلان والفندم فُلان والتاجر علان، واليوم يمر المواطن مرفوع الرأس لا شارع في صنعاء مُغلق بوجِه البسطاء، ولا سلاطين.

هَذهِ الحُرية التي يناضل لأجلها أنصار الله عملياً، والتي يتأصل لها السيد فكرياً هي المَكسب الذي يتمسك بهِ الشعب في وجه كُلّ من سيأتي ليستبدَّ غداً ولو كان السيد نفسهُ كما يتخوف البعض فستدينهُ كل هذه الخطابات الثورية وكل الدماء التي تسيل في سبيل حرية الشعب والوطن، وبعد كُلّ هذا ليس من المنطق تخوّف البعضُ على حريتهم ومَن لا يثق بإنسانيته كالعبد الذي يفتح المظلة حين تمطر السماء حريةً، ومِثل هَذا ذنب نفسهِ أَن يُستبدَّ بهِ ويُظلم. يقول الإمام زيد «والله ما كره قومٌ قط حَرَّ السيوف إلا ذَّلوا».