الخبر وما وراء الخبر

مسرح الحرب: اتجاهات المعركة في مواجهة العدوان على اليمن

86

ذمار نيوز | المسيرة: علي نعمان المقطري 23 رجب 1439هـ الموافق 9 إبريل، 2018م

ها هي 3 أَعْــوَام من العُـدْوَان الكَوني على الوطن تمُرُّ، فما الذي أنجزوه، وما الخياراتُ القادمةُ؟ وإلى أين تتجهُ المعركة؟ أردنا هنا إعدادَ أشبه ما يكون بمسح عن مجريات مفصلية للفترة الماضية، محاولين أن نضعَ مشهداً عاماً لمسرح الحرب ككل.

إليكم أيها المجالدون في كُلِّ مترس عَلَّنا نساهِمُ معكم ولو بإنارة شمعة في ليلكم الطويل.. إلى روح الشهيد الكرار دوماً القائد الشاب “عباس” محمد جحّــاف.

الضعفُ البنيوي الموضوعي

لأنَّ العُـدْوَان من الأساس يعاني ضَعفاً بنيوياً شاملاً فقد كان مُحالاً عليه تحقيق انتصارات حقيقية على الأرض، وفلسفته العسكرية الراهنة تدور حول تعديل تلك الحقيقة الموضوعية وتعطيل مفاعيلها ونتائجها الحتمية على الأرض! بالأموال وبالمؤامرات والخيانات والإفساد، بأسلحة التصويب الدقيق والتقنيات الجوية الحديثة، باللجان الخَاصَّـة، بالتجويع والترويع والحصار الشامل والحرب المالية..

ولأنَّ العُـدْوَانَ قد دخل مرحلةً من التراجع والضَّعف الاستراتيجي والميداني –والعكس من ذلك بالنسبة لنا-، فهو يريد شراء ولاءات وانتصارات وهمية مزيّفة بأي ثمن يدفعه لمن يبيع قطعة هنا وأُخْـرَى هناك وموقع هنا وهناك!، وأنظروا إلى منجزاته طوال الأَعْــوَام الثلاثة الماضية رغم تريليونات الدولارات المنفقة، فلم يحقّق شيئاً إلا عبر شراء الذمم وبالخيانة واستغلال حالة من الغفلة لدينا يصعُبُ تكرارُها.

وكل إنجاز بالخيانة لا يبقى طويلاً، فيمكن استردادُه، ومثل هذه المنجزات لا تعد من أعمال الحرب الحقيقية ولا تبنى عليها نتائجُ حقيقية.

استنزافُ ورقة صالح.. ما الضرورة والحاجة؟

هناك سيناريو آخرُ يطرَحُ نفسَه لتفسير الظاهرة الغريبة التي رأيناها في ديسمبر الماضي، وهي: كيف لم يسر المُخَطّط الاستراتيجي العُـدْوَاني المعد له من عام سابق وأَكْثَــر في مسار واحد متعاضد كما خطّط وظهر صالح وحده في صنعاء عدا غطاء الطيران الذي توفر له؟!

المسألةُ أن الهجوماتِ العُـدْوَانيةَ التي كانت مُخَطّطةً أن تكونَ في حدودها القصوى في العاصمة ومن خارجها، خَاصَّـةً من محور نهم وكذلك في الساحل، قد وقعت في مأزق لم يدركه تحالف العُـدْوَان، فهم فعلاً أشبه بمن (أعمت الفرحة عيناه)..؛ لأنَّ عدوانَ مأرب نهم كان يتآكل كلما تقدم للأمام في محاولات إسقاط نقيل بن غيلان المنفتح على العاصمة عبر أرحب وصار محرقة هائلة للعدو، وفي الوقت نفسه كان الهجوم على الساحل قد غرق في مستنقعات الموت في موزع وشرق خالد وشمال يختل وأمام جبال كهبوب التي تمددت فيه قواتنا حتى صارت على بُعد 30 كيلومتراً من باب المندب.

ومِن الجِهة الأُخْـرَى، فإنَّ العمليات الخِيانية التي انطلقت في مناطق السيطرة الوطنية وقطعت الطرق إلى العاصمة، لم تحسبْ بجدية وذكاء أن هناك في العاصمة وحدَها القوات الكافية لحماية العاصمة بديناميكية عالية جداً، وفي تلك المناطق أيضاً، وقد أخذتهم نشوة الساعات الأولى حين اعتقدوا أنهم أنجزوا “عُنصر المفاجأة” وباغتوا قواتنا الوطنية، واحتسبوا ذلك نصراً، لا سيما حين كانت القيادة متأنيةً حريصةً على الصفّ تعطي الفرص للتعقل وتتيح المجال للعودة، واعتبروا ذلك ضعفاً، تماماً كما اعتبروا خطابَ السيد القائد (ومناشدةَ صالح) بأنها ضعفاً وانهزاماً.

كُلُّ ذلك يعني – إلى جانب مأزقهم البنيوي وعدم تقديرهم لقوتهم الحقيقية وإمْكَانياتهم-، أنهم استخفوا بقدرة الآخر وحجمه وقدراته وما الذي يستطيع فعله.. لقد وقعوا في فخ رسموه بأنفسهم ورأوا بأنفسهم كثرة أضيفت لهم قوات صالح الخيانية الكامنة في الداخل، والكثرة كانت أنهم تحالف دول لا أَكْثَــر، لكن ليسوا كذلك في الميدان ولا المعنويات والإرَادَة والصلابة والقدرات والاستبسال..

ومن جانب آخر، فذلك يكشفُ، أن هناك (تعميةً استراتيجيةً) وأمناً داخلياً قوياً ومتيناً استعصى أمام العدو واستخباراته الضخمة التي لم تتمكن من معرفة تفاصيل البنية الداخلية لقوى الثورة من انتشار إلى أعداد إلى تسليح إلى معلومات… إلخ، ووقعوا في (الخداع الاستراتيجي) التي وقع فيها التحالف بداية العُـدْوَان.

ما حدث في ديسمبر، هو العكس مما خطّط له العدو.. أراد الأخيرُ أن يقطعَ هو أوصال قواتنا الوطنية الثورية ويعزلها عن بعضها، فتقطعت أوصالُه هو ووقع في الأطواق التي أعدها، فبعد أن انتهت ساعةُ الذروة في هجومهم وانقلابهم وكمنوا في المواقع التي سيطروا عليها، خرجت القوة الأمنية والعسكرية رجال الرجال من حولهم ووسطهم وعكست التطويق.

الردعُ اليمنيُّ الاستراتيجي الفتاك

إبداع التكتيكات الصاروخية الجديدة

لا بُدَّ من الإشارة أولاً، إلى أن القوة الصاروخية اليمنية لا يمكن أن تحقّق إنجازاتها دون النجاح المعلوماتي الهائل في الجانب الاستخباراتي، وأهميّة اختيار التوقيت المناسب للضربات الصاروخية, وبالتأكيد فالجانبان كانا متلازمين يعملان بذات الفعالية والإنتاج والتأثير المواكبة..

ونتذكر كيف كانت الضربات الصاروخية تباغت العدو وتجمعاته الضخمة في فترة وجيزة من انطلاقه في زحوفات كبرى في أَكْثَــر من جبهة وتدمير هذه الزحوفات في مواقع احتشادها، مثل توشكا شِعب الجن ومعسكر ماس بمأرب وفي نهم وفي قاعدة خميس مشيط ساعة تجمع قياديات عسكرية سعوديّة مع صهيونية، وغير هذه الكثير..

منذ ظهور القوى الصاروخية الجديدة خلال العقود الأخيرة في المنطقة، لم تستخدم الصواريخُ العربية كسلاح ردع استراتيجي حاسم، كما هي الآن لدينا، في مُخَطّطات استراتيجية للدفاع والهجوم الوطني، كما لم تحقّق النتائج بهذه الضخامة التي نحقّقها نحن الآن، وليسَ في ذلك مبالغةٌ مطلقاً… وبالإمْكَان بسهولة القياس في ذلك من حيث زمن التصنيع ونوعيته وكثافته ودقته ونتائجه.. وهذا الأمر بالتأكيد لم يكن محسوباً لدى العدو وغير مستعد للتعامل معه.

وفعلياً، فما جرى هو اختراق للمعادلة الصاروخية الدفاعية والهجومية الأمريكية والغربية الأحدث في العالم. ومؤخراً تابعنا، كيف اتجهت الدول للحج نحو روسيا بحثاً عن قبب دفاعية عالمية، هي الأُخْـرَى لم تجدي نفعاً كما حدث مع منظومة (بانتسير) الأحدث في العالم.

ضرباتٌ صاروخية كبرى تأديباً على تطاول العدو

فالضربة الصاروخية الجوية المشتركة قاعدة العدو في المخاء المحتلة، لم تستهدف المنظومة وحسب، بل الإنزال البحري الذي كان معداً أن يجري حينها، وتجمع القوات العُـدْوَانية للتعزيز إلى الخوخة وحيس والاحتشاد لهجوم أوسع رأسه اختراق حيس الذي حضر له عفاش من فترة مبكرة ويقوده الآن الطفل المدلل الحديث لتحالف العُـدْوَان وهو طارق.

ولن ينسى العدوُّ هذه الضرباتِ الأليمة القاصمة لهم بمعنى الكلمة. لقد أربكتهم هذه الضربات بشكل هستيري وأخلتهم في دوامة غير قادرين على إيقافها.

بالمقابل من كُلّ ذلك، فنحن الذين توقع العالم أن يرانا منكسرين بغضون فترة وجيزة لاسيما في ظل وضعنا جينها، والتكالب الضخم علينا والحصار من كُلّ اتجاه والقصف الكثيف، كان تكتيكنا الوطني قائماً في البداية، على امتصاص ضربات وهجمات العدو وإيهامه بتحقيق الإنجازات. وبعد شهرين، كان العدو قد أعلن نجاح بنك أَهْـدَافه، إلا أن ذلك تبخر مع دخول منظومة صاروخية يمنية الصنع والتطوير إلى مسرح الحرب، وذلك عنى ولا يزال، أن بنك أَهْـدَاف العدو انتهى وتبخر، وبالمقابل لا يزال بنك أَهْـدَاف القوات اليمنية في بدايته، وكيف أن ذلك أحدث نكسة معنوية لدى الخصم مقابل زخات معنوية عالية. وكان الانتصار الحقيقي هو في الجانب المعنوي، أَوْ لنقل أن المعركة حسمت استراتيجياً لصالح اليمن، حيث دمرت معنوية القتال والاستمرار لدى العدو، وصار شعوره عميقا باللاجدوى من المعركة وإيقانه بهزيمته وهلاكه.

تكتيكات العدو الاستراتيجية

إخراج النمر من عرينه الجبلي لاصطياده بسهوله من الجو..

إنَّ هَذا ما نواجهُه الآن من تحديات، فالعدو يحاولُ أن يفرضَ علينا شكلاً للحرب يُلائمه، وهي من الجو، لكن مرتزقته على الأرض عاجزون عن الارتقاء إلى مستوى طموحاته. ثلاث سنوات وهو يحاول الإيقاع بقواتنا وسحبها إلى المناطق المكشوفة. بالمقابل، نحن نتمسك بالأرض ونجذبه إلى الهضاب والأحراش والمرتفعات حيث يكون أضعف ما يكون ونكون أقوى ما نكون.

وهو يرفُضُ التوغُّلَ خوفاً فيدفع إلينا أبناء جلدتنا من مرتزقته ويأتي هو من الجو ولن ينزل منه إلا بعد أن يقوم مرتزقته بالموت نيابة عنه. ومرتزقته يدركون ذلك ولا يريدون أن يموتوا مجاناً نيابة عنه، فتراهم يحجمون عن المغامرات والإقدام في العمليات الهجومية، وحين يرون الأباتشي والطيران الحربي بلا جدوى أَوْ يغادر المعركة فإنَّهم ينهرون تماما ويفرون سريعاً بأنفسهم هرباً من الموت. إنهم بلا قضية، مجرد مرتزقة ولصوص لم يأتوا للموت بل للارتزاق.

إذا، من يخسر الحرب؟ فالخاسر فيها فقط من يتراجع، والكاسب فيها من يصبر ويثبت.

إعادة التكيف الاستراتيجي والسياسي السعوديّ الراهن..

التخلخُلُ الداخلي للعدوان..

لقد أدت الضربات الموجعة الأخيرة إلى انهيارات وسط قيادات المرتزقة في مأرب والمنطقة الثالثة والقيادة العُـدْوَانية المركزية في نجران وخميس مشيط والرياض، وتفجرت النزاعات بين المرجعيات السعوديّة والمرجعيات الإماراتية وحول تبعية مأرب إلى الأولى أم إلى الثانية؟.

لقد أقرّت الدوائر العليا للعدوان أنها تابعة للإمارات استكمالاً لتسليمها ملف العُـدْوَان والاحتلال لليمن، وإدارة مشروع التقسيم والانسلاخ لليمن الجاري حالياً بريطانياً أمريكياً وبتنسيق مشترك مع السعوديّة.

إنَّ المحاولةَ هي أن تظهر الإمارات متصدرة للعدوان، بينما تظهر السعوديّة بمظهر المُعتدى عليه، المقصوفة بصواريخ إيران القادمة من اليمن! بل والاعتداء من الأرض بالتوغل في أراضيها!!

وهذا يتطابق مع ضرورات ومقتضيات نجاح الترتيبات التكتيكية الجديدة في الطور الجديد للعدوان السعوديّ الأمريكي الإسرائيلي الأطلسي. ويبدو أنه شرط أَوْ ضرورة للتدخلات الأجنبية الكبرى المباشرة عسكرياً إلى جانبها في الدفاع عن حدودها، ومجلس الأمن يقف عاجزاً عن اتخاذ القرارات التي يريدونها لتبرير التقسيم القادم لليمن المحتل وسلخه من الجنوب والشرق.

كما انعكست الصراعات على النفوذ في التعيينات الجديدة العسكرية التي وسعت انشقاقات داخل قواه ومنها التعيينات العفاشية كتعيين على صالح الأحمر (الأخ غير الشقيق لصالح) قائد قوات الاحتياط العام أي الحرس الجمهوري العفاشي المرتبط بعلي محسن والمخابرات السعوديّة –الاحتياط العام أطلق كمسمى بديل للحرس أثناء الهيكلة- وذلك على حساب طارق عفاش وأحمد علي عفاش المرتبطين بالمخابرات الإماراتية الأمريكية، وقد طرد طارق من مأرب وتم تحويله إلى عدن والساحل الغربي والمناطق الوسطى.

وهذا يجري بلا شك ضمن اللعب على المتناقضات من قبل الدوائر العليا، سواءً لتضمن تعدد الولاءات وتوظيف كُلّ الاتجاهات بجلب شخصيات كُلّ اتجاه. أيضاً، تابعنا ذهاب العرادة محافظ مأرب إلى الإمارات، وهو الذي كان تابعاً للسعوديّة، وهذا يؤكد انتقال الولاءات من الإخوان والسعوديّة إلى أبو ظبي، وأيضاً قد تكون الجمع بين الاثنين، وكلها في الأخير داخل مربع واحد، لكنه ضرورة للمناورات الإمبريالية الراهنة.

كل ذلك، مؤشرات على ما ينتظرنا من تغيرات وتطورات على الأقل في جبهة نهم – مأرب – الجوف.

يمكن تلخيص عدة نقاط عن الساسة الاستراتيجية الجديدة للسعوديّة في عدوانها على اليمن:

إعادة تصوير وتموضع السعوديّة في خلفية المشهد السياسي العسكري العُـدْوَاني بعد انتقالها من الهجوم وحالة المهاجم إلى حالة المهزوم المتراجع الذي تسلب منه أراضي جديدة كُلّ يوم، وتضرب قواعده ومدنه الصواريخ اليمنية، والمدعوة لدى العدو (إيرانية وروسية).

وبهذا التموضع الجديد تريد تحقيق أَهْـدَاف عديدة أهمُّها الآن الآتي:

1-         أن تظهر بمظهر المعتدى عليها والمحتلة أراضيها بشهادة لجنة دولية يقرها مجلس الأمن الدولي.

2-         أن تظهر في وضع الدفاع وليس الهجوم ولا العُـدْوَان.

3-         وبالتالي تطالب الجلوس إلى مفاوضات مباشرة مع اليمنيين لتوقيع اتفاقات سلم بين الطرفين بحماية المجلس لدولي وضماناته، وذلك بما يخص الحدود السعوديّة.

4-         الادعاء بأن مشاركتها عل رأس عاصفة الحزم قد أدت أغراضها قبل أَعْــوَام وانتهت في حينه وبأنها سلمت القيادة (للحلف العربي الأمريكي وللشرعية) بذاتها التي تسيطر على الأرض في مواجهة الجيش والأنصار.

5-         أن الحرب الراهنة هي “حرب أهلية يمنية – يمنية” والحل هو الحوار بين أطرافها المعروفين في الجنوب الشمال وتحت رعاية الدول المحيطة باليمن والراعية الدولية التي رعت (المبادرة الخليجية).

6-         إعداد مأرب عاصمة مؤقتة (للشرعية اليمنية الشمالية) والإعلان عن مشروعات وبناء مطارات كبيرة وقواعد عسكرية ولوجستية كبرى باسم المساعدات الإنْسَانية، وهو يردد الآن كثيراً. وهذه العاصمة تسهل الانفصال؛ لأنَّ عدن لم تعد عاصمة مؤقتة.

7-         الاعتراف بـ(المجلس الانتقالي) ممثلاً عن الجنوب، بينما (الشرعية) تمثل الشمال، وتعهد (الجنوب إلى الانتقالي طالما تلك رغبة الشعب الجنوبي وإعطاءه حق تقرير المصير وبموجب مواثيق الأمم المتحدة).

8-         يأتي التدخل الأمريكي الغربي العسكري المباشر انطلاقا من (الدعوة الشرعية لحماية الممرات الدولية وتأمين البحر الأحمر والأبيض والمندب وميون وسقطرى وصنافير وتيران وإيلات) كدول يهمها ذلك ومصالحها فيه.

9-         أن [تعرض السعوديّة والإمارات إلى هجمات عدوانية صاروخية يمنية إيرانية شيعية علوية واحتلال أراضيها هو ما يدفع أمريكا وحلفائها بالدفاع عنها أمام الهجمات والتوغلات اليمنية العُـدْوَانية الإمبريالية! ولأنها ملتزمة بالقانون تحرم من الغذاء والدواء وتغلق الموانئ والطرق أمامها ولذا وجب وقف المعتدي، الذي هو اليمن]!! وبلا شك أن مثل هذه الوقاحة والبجاحة في قلب الحقائق مسألة معهودة لدى المجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة، بل وأَكْثَــر من ذلك!

إن ما يجري الآن بالتأكيد، هو إعداد للنصوص المطلوبة لتبرير الحملة العُـدْوَانية القادمة من الإمبريالية العالمية تحت ذريعة (حماية الأمن والسلم الإقليمي والدولي والمصالح الدولية) التي ستصير اليمن هي المهددة لها! وليست بوارجهم وأساطيلهم الحربية التي تقصفنا من البحر وترسل إلى أرضنا مأجوري ومسوخ العالم وأكلة لحوم البشر الذي يصيرون الآن حماة الإنْسَانية والأديان والتعايش!

ولن يكفيَهم هذه الهجمةُ العالمية على اليمن المظلوم، بل يريدون أيضاً شن هجوم أوسع بقرار مجلس الأمن بدعوة دول العالم إلى (تصفية البؤرة الإرْهَـابية الكارثية اليمن).. ولسنا نشك، أن الإمبريالية الأمريكية التي سعرت الحروب الدامية في كُلّ ركن من العالم وأبادت مئات الملايين من البشر ونشرت الجوع والفقر والمرض والموت في كُلّ الأرض، كعادتها ستدّعي أنها داعية سلام وإنْسَانية في حربها على اليمن، تماماً كالمعتاد عنها.

لكن يبقى السؤال الهام، هو ما مدى مقدرة العالم على تحمل تبعات وتداعيات الإقدام على هكذا خطوات؟ مدى مقدرتهم على كسر كافة قواعد الاشتباك المتبقية وتفجيرهم الحرب في البحر؟! وبالأخير فإنَّ اليمن مستعد بكل تأكيد لكل عدوان.

استراتيجياتٌ جديدة.. حروبُ الأباتشيات

حين قررت أمريكا احتلال العراق، أراد بوش ورامسفيلد وزير دفاعه المجدد العسكري الشهير أن يتجاوزا جميع القواعد العسكرية الكلاسيكية الثابتة عن أن:

–           العدد الكبير يهزم العدد الصغير على الأرض.

–           وكل هجوم لابد أن يضاعف أعداده؛ لأنَّه يفقد قرابة ربع – ثلث قواته العددية في كُلّ هجوم على خصم متحصن في حال دفاع استراتيجي.. وهذه كسرناها نحن دوناً عن العالمين

ولذلك، اخترعا آليةَ هجوم جديدة، تقوم على الإكثار من الطائرات والآليات والعربات ووسائل النيران، والتضليل والإرْهَـاب النفسي والخداع والخيانة وتوظيف الأموال، والتجسس والاختراقات العميقة. وهذا صار يسمى بالجيل الرابع للحروب والطابور الخامس و(الكتائب الوردية)..

بعد بضع سنوات من الحرب على العراق، كانت أمريكا بحاجة إلى ثلاثة ملايين جندي للسيطرة على العراق وحده، ويتوجب أن تكون مستعدة لخسارة على الأقل 10% منهم، أي 300 ألف. ولذلك سارعت إلى الرحيل بعد عدة سنوات. كان كُلّ مجند يكلفها آنذاك سنوياً خمسة آلاف دولار غير تكاليف تجهيزه بالمعدات لاسيما تلك الخَاصَّـة بالمهمات الحساسة الضرورية لحركتهم، وفي النهاية وصلت أكلافهم إلى حوالي 7 تريليونات دولار.

فكان لا بد من الاتجاه إلى طور جديد من الحروب، وهي الحروب الرخيصة فاضطرت إلى الحرب بالوكالة عنها. وتأسست استراتيجية جديدة للهجوم والاشتباكات تهدف إلى تقليل خسائر مشاة البحرية (المارينز) بمضاعفة أعداد المرتزقة المحليين والأجانب والإرْهَـابيين للقيام بالدور المطلوب نيابة عن الأمريكي، وقامت بتغيير التكتيكات القديمة بالانتقال إلى أُخْـرَى تتجنب الهجمات والمعارك البرية الكبيرة تعتمد المدافع الصاروخية الجوية ورشاشات الطيران الكبيرة والدقيقة التصويب، حيث الأباتشي تكون سيدة المعارك البرية، ويصبح الطيار ومساعده تدريجياً هو قائد الهجوم الأعلى ومنسق عملياته الرئيسية، يصير غرفة عمليات وقيادة وسيطرة وتوجيه ومركز قيادة متقدم ومتحَـرّك.

وتقومُ المعركةُ الجديدةُ على الهجمات الأرضية بالتسلل والتوغل الالتفافي والدوران والقفز على المساحات المعقدة والتضرُّسات بالمروحيات، لتفتح أمام القوات الأرضية الطريق للتقدم وتهاجم مواقع التحصينات والتمركز للعدو ومراكز وتجمعات قواته ومخازنه وطرقه وخطوطه ومراكزه القيادية والعصبية.

لذلك، في العراق رأينا أمريكا لا تقوم بأية هجمات برية كبيرة مدرعة كما كانت القواعد القديمة للحرب الحديثة في مواجهة جيش مدرع كبير هو الأضخم في المنطقة ولديه عشرة آلاف مدرعة ودبابة ومليون جندي محترف، بل اتجهت إلى اقتناص المدرعات والتجمّعات العسكرية من الجو عبر المجوقلات الحربية المدرعة وذات التقنية العالية في الحماية.

وبالتأكيد، يجب الإشارة، أن هذه الحرب قد استخدمت معنا منذ البداية، وإن لم تكن بالشكل الكبير ذاته الذي جرى في العراق، واليمني قد وجد حلولاً لذلك، وبدأ التعامل معها، كما أن الفارق أيضاً، هو الطبيعة الجغرافية والفارق بين الصحراء والمدن المفتوحة السهلية وبين المناطق الجبلية والتضاريس المعقدة كخاصتنا. أيضاً الفارق في ذلك، هو الاختراق الذي نخر جهاز صدام حسين لدرجة أن صار مكشوفاً حتى هو نفسه للعدو.

الانفصالُ الانسلاخي.. دُرّةُ التاج الاستعماري الآن ومن قبل

بعد ثلاث سنوات، كشف العُـدْوَان عن مشروع الانسلاخ والانفصال الإلحاقي للجنوب المبرم بينه وبين الفصائل العميلة الجنوبية من سنوات قديمة سبقت الأزمة اليمنية بعقدين، وهي الفصائل التي حولت قواها إلى منظمات تتبع الاستعمار وتأتمر بأمره ومعه تنجز خطواته خطوة خطوه.

إن عنوان المشروع المشترك هو فصلُ الجنوب رسمياً ووضعه تحت رعاية الاحتلال عبر الفعاليات الدولية، والمدخل لهذا هو الشروع بتشكيل المؤسّسات الانفصالية من جيش وشرطة ومجالس حكم محلي ومحافظات ومجالس انتقالية وتشريعية، وتسليم حكم الجنوب صورياً لإدارة الانفصاليين وفرض واقع جديد: هو أن الجنوب أضحى خارج التفاوض المباشر بين السعوديّة والعُـدْوَان وبين اليمنيين وخارج السيطرة، وبأنه طرفٌ مستقلا يجب التفاوض معه مباشرة حول الانسلاخ بسلاسة تحت إشراف الأمم المتحدة.

كما أن هذا العمل، تلجي إليه الدول المحتلة عندما تشارف على الانهيار لاحتلالها العسكري المباشر حيث تحاول خلق أسباب للصراع والاقتتال الأهلي نيابةً عنها, فعندما تصل إلى العجز عن احتلال الشمال والجنوب معاً فهي تحتفظ بالجنوب كقاعدة استعمارية لها دائمة، مقابل انسحابه من (العُـدْوَان على الشمال) ووقف القصف الجوي المريع والحصار متلفعاً هذه المرة باسم الحقوق العامة للشعب وحقه في تقرير مصيره تحت سيطرته هو -المحتل– والتحول من الاحتلال المباشر إلى السيطرة العسكرية المبنية عبر القواعد العسكرية الظاهرة والمخفية تحت ستار الشرعية والتأجير والحماية الدفاع المشتر ك، وهو ما تفعله السعوديّة والإمارات في الجنوب الآن.