الخبر وما وراء الخبر

السعودية والقروض الدولية…. هل تسعف الديون الاقتصاد السعودي؟

88

إلى أين يسير الاقتصاد السعودي؟ هذا هو السؤال الأبرز الذي بات يطرح في الدوائر الغربية وحتى في الداخل السعودي، حيث قالت مصادر مصرفية سعودية يوم أمس إن السعودية أغلقت قرضاً مجمعاً قيمته 16 مليار دولار لإعادة تمويل تسهيل ائتماني قيمته عشرة مليارات دولار موقع في 2016. وتأتي هذه القروض لتزيد الأوضاع الاقتصادية سوءاً إذ سجلت الموازنة لعام 2018 عجزاً بقيمة 52 مليار دولار، إضافة إلى إنفاقها ضمن بدلات غلاء المعيشة نحو 13.33 مليار دولار، إضافة إلى 8 مليارات دولار دفعتها لحساب المواطن. فما هي دلالات لجوء السعودية إلى هكذا نوع من القروض؟، وما جدوى مثل هذه الإجراءات لدعم اقتصادها على ضوء سياساتها في الفترة الماضية؟

السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، تستدين اليوم من البنك الدولي وترفع الفائدة في بنوكها في محاولة لوقف العجز الذي يمر به الاقتصاد السعودي. هذا يدفع المحللين للتساؤل عن الأسباب التي تجعل بلداً بحجم وغنى السعودية يلجأ إلى الدين الخارجي، هل يرجع ذلك استمراراً لوعكة تراجع أسعار النفط في 2014 أم إن السياسة الداخلية والخارجية للأمير الشاب زادت الإنفاق وبددت الموارد.

أسباب الأزمة الاقتصادية

تعدّ موازنة السعودية لعام 2018 الأكبر في تاريخها والأكبر في قيمتها بإنفاق مستهدف يبلغ أكثر من 260 مليار دولار، والأكبر أيضاً في إنفاقها العسكري بقيمة 83 مليار دولار أي ثلث الموازنة. وقد رجّحت تقارير إلى أن ذلك من الممكن أن يبرز مدى تأثر الاقتصاد السعودي في الحرب في اليمن والاضطراب الذي يحيط بها، بسبب المصاريف المباشرة للعمليات العسكرية خارج السعودية أو عبر شراء الأسلحة وبسبب المبالغ الطائلة التي تدفعها لأمريكا من أجل تزويدها بالوقود وللمستشارين الأمريكيين الذين يساهمون في التخطيط للعمليات العسكرية في اليمن.

بيد أن هذا ليس كل شيء ففي مايو من العام الماضي وقع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ورئيس أمريكا دونالد ترامب اتفاقيات بقيمة 460 مليار دولار، ولجأت الرياض إلى مصادر عديدة لتغطية نفقاتها والحصول على أموال تواجه بها عجز الميزانية العامة، حيث تقول السعودية رسمياً إن الإجراءات المتخذة تأتي في إطار ما تسميه “الإصلاحات”، فقد فرضت منذ بداية العام الحالي ضرائب جديدة ورفعت أسعار الوقود بعد أن كانت قد فرضت منتصف العام الماضي رسوماً على الوافدين وأسرهم، واستناداً لتقرير الفايننشال تايمز فإن سياسة اعتقال الأمراء والأثرياء فيما يسمى معتقل الريتز في الرياض، ضرب ثقة المستثمرين في المملكة وهو ما أدى إلى إضعاف المناخ الاستثماري حسبما تقول الصحيفة.

وكانت صحيفة التايمز الأمريكية قد كشفت سابقاً أن كل واحد من الأمراء الذين اعتقلوا في الريتز دفعوا مبالغ طائلة من أجل إطلاق سراحهم، من بينهم الملياردير ورجل الأعمال البارز، الوليد بن طلال، الذي دفع حوالي 6 مليارات دولار من أجل إطلاق سراحه، وقالت تقارير صحفية إن المبلغ الكامل الذي تم جمعه من المعتقلين في فندق الريتز قد بلغ أكثر من 100 مليار دولار أمريكي.

وقبل وبعد الاعتقالات المثيرة للريبة بشأن الهدف المعلن والحقيقي من ورائها كشفت تقارير صحفيّة عن نفقات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على أمور أبعد ما تكون عن هموم بلد يمر بمرحلة إصلاح اقتصادي، حيث اشترى لوحة رسمت لمخلص العالم للرسام ليوناردو دافنشي بمبلغ 450 مليون دولار، وقبلها تحدثت تقارير عن اقتنائه يختاً بنحو نصف مليار دولار، ومؤخراً قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن الأمير محمد بن سلمان هو مالك قصر لويس الرابع عشر في فرنسا وقد اشتراه عام 2015 بأكثر من 300 مليون دولار.

وتزامن هذا أيضاً مع طرد العمالة الأجنبية حيث يزعم تقرير نشرته وكالت الأناضول التركية إلى أن الإجراءات الحكومية السعودية، أطاحت بأكثر من 94 ألف أجنبي من وظائفهم خلال الربع الثالث من العام الماضي 2017، مؤكدة أن عدد العمالة الأجنبية في القطاعين الحكومي والخاص، بلغ نحو 10.69 ملايين فرد في الربع الثالث من 2017، بينما كان 10.79 ملايين في الربع الثاني من نفس العام، ما يعني خروج 94.39 ألف أجنبي من سوق العمل السعودية خلال الفترة بين يوليو/ تموز إلى سبتمبر/ أيلول 2017.

حلول أم ماذا؟

ويقول خبراء الاقتصاد في العالم ورجال أعمال إن القروض التي ستستدينها السعودية من البنك الدولي يمكن وصفها بالمهدئة وهي ليست معالجات جذرية، وذلك نسبة للأخطار الكبيرة التي سيتعرض لها الاقتصاد السعودي، خاصة مع الأزمات التي أدخلت السعودية نفسها فيها من سوريا إلى العراق واليمن وقطر وغيرها، والتي أدت بشكل كبير إلى خسائر كبيرة للشركات السعودية، وهو ما انعكس سلباً على مجمل الاقتصاد السعودي.

ويضيف المحللون إن دخول السعودية عالم الدول المستدينة سيؤدي إلى اضطراب جميع القطاعات الصناعية وسيؤثر على الواردات والصادرات وغيرها، حيث إن النسبة الأكبر من هذه الأموال تذهب إلى القطاع العسكري، وهو ما يؤثر تأثيراً بالغاً على اقتصادها، وبالتالي تدخل في قائمة الدول المدينة للمؤسسات والدول، وعشرة مليارات ستتضاعف بسبب التورط في الحرب، وسيؤدي هذا إلى الكثير من الزعزعة والتأثير على المقومات الاقتصادية وهروب رؤوس الأموال، خاصة مع انخفاض أسعار النفط التي تعد المورد الأساسي لاقتصاد السعودية.

خلاصة القول، إن المشكلة الرئيسة التي دفعت بابن سلمان إلى الاقتراض من البنوك الدولية هي الفاتورة المفتوحة لحربه في اليمن والتي يحاول اليوم الخروج من مستنقعها بأسرع ما يمكن، إضافة إلى استمرار انخفاض أسعار النفط التي لم تعالج عجز الميزانية السعودية البالغ 52 مليار دولار، وازدياد الإنفاق الأمني والعسكري والذي يلتهم ثلث الموازنة العامة، كل هذا العجز سيؤثر بشكل كبير على حلم الأمير الشاب بإنشاء مملكة سلمانية وسيؤخر من ولادتها عشرات السنين إذا كتب له النجاح في ذلك.

المصدر: الوقت التحليلي