الربوعة بوابة اليمنيين إلى عسير ونافذة الجحيم المفتوحة على ملك آل سعود
تدخُــلُ معركةُ كسر قرن الشيطان وردع العدوان الأمريكي الصهيوني السعودي مرحلة جديدة بالكامل، ودشن الجيش واللجان الشعبية هذه المرحلة الحُبلى بالمفاجئات، إيذاناً ببدء الخيارات الاستراتيجية بشكل عملي ومصداقاً لتصريحات الأستاذ صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الأخيرة بالسيطرة على أولى المدن السعودية وهي مدينة الربوعة التابعة لمحافظة عسير جنوب المملكة العربية السعودية.
وَنشر الإعلام الحربي ثلاثةَ مقاطع فيديو لعمليات الاقتحام والاشتباك داخل المدينة السعودية، وأظهرت هذه المقاطع التي نشرتها قناة المسيرة بوضوح أن إرادة وشجاعة المقاتل الـيَـمَـني بإمكانها قهرَ كُلّ إمكانات العدو العسكرية وقلب كُلّ المعادلات بطريقة درامية لم يتوقعها نظام آل سعود نفسه.
وقد يعتقد المتابع للفيديو من داخل منزله أمام شاشة التلفاز بأن هذه العملية العسكرية أمر طبيعي ووارد في العلوم العسكرية، وهو ما يُجافي الحقيقَة كلياً، حيث تعتبر معركة الربوعة نقلة نوعية في الاستراتيجيات العسكرية على مستوى العالم وحدثاً ضخماً قد تكون لها تبعات كبيرة ومؤثرة في ما يتعلق بالعدوان على الـيَـمَـن وسير المعركة الشاملة والنظام السعودي والمنطقة بشكل عام.
الأبعاد العسكرية للسيطرة على مدينة الربوعة
لم يعرف العالم قبل يومنا هذا أن تقتحم “مجموعة” من الأفراد لا يتجاوز عددها العشرات مدينة بأكملها في وضح النهار بأسلحتهم الرشاشة المتواضعة لمواجهة واحد من أكثر الجيوش تسليحاً في المنطقة، حيث أنفقت السعودية منذ بداية عدوانها على الـيَـمَـن ما يقارب الـ 70 مليار دولار في صفقات شراء أسلحة متطورة من أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ولعل كُلّ إمكانات الجيش الـيَـمَـني واللجان الشعبية في معركة الربوعة لا يبلغ مجموع أسعارها قيمة مدرعة واحدة أو دبابة سعودية كانت ترابط في المدينة، كما يمتلك جيش العدو السعودي أفضلية التسليح النوعي والمتطور، فهو أيضاً صاحب أفضلية “غطاء الجو”، حيث تتوفر له أحدث الطائرات العسكرية في العالم مع دعم لوجستي واستخباراتي عالمي تقدمه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني، وتنتشر الأقمار الصناعية التجسسية بكثافة فوق مناطق المواجهات في العُمق السعودي لرصد أي تحرك، كما تنتشر كاميرات المراقبة وطائرات الاستطلاع وطائرات الأباتشي المتفوقة في مثل هذا النوع من المعارك.
كما يمتلك النظام السعودي مؤخرة عسكرية في مواقع الاشتباك في الربوعة وتنتشر المواقع العسكرية السعودية بشكل لافت في الفترة الأخيرة، بالذات في محافظات الجنوب السعودي “جيزان، نجران وعسير”، وهو ما يوفر لهم التغطية النارية والعُمق الاستراتيجي، وكل هذه المميزات السابقة لا تتوفر لرجال الجيش الـيَـمَـني واللجان الشعبية.
ويقاتل الـيَـمَـني في الربوعة بإيمانه الكامل بعدالة قضيته من منطلق مسؤوليته وبكامل شجاعته وثقته المطلقة بنصر الله الحق للمظلومين والمستضعفين، حيثُ أن الموازين العسكرية تقول بأن الـيَـمَـنيين أقلُّ عدداً وعدة في الربوعة ولا يمتلكون الدبابات والمدرعات، وإنما أسلحتهم الرشاشة ودعم وإسناد القوة الصاروخية بالجيش واللجان الشعبية، ولا تتوفرُ لهم ميزة الغطاء الجوي أو العمق العسكري في عسير، كما أن الطيران السعودي يمثل عقبة كبيرة أمام تنقل أفراد الجيش واللجان الشعبية واستخدامهم لأية وسائل النقل التي يمكن رصدها.
ولهذا فقد طوّر العقل الـيَـمَـني المبدع نظاماً عسكرياً مكّنهم من تجاوز عقبة الطيران والأقمار الصناعية التجسسية للتوغل في عُمق الأراضي السعودية، وبتكتيك عسكري مدروس يعتمد على شجاعة المقاتل على كبر تعداده أَوْ ضخامة أسلحته تمكن أبطال الجيش واللجان الشعبية من حسم معركة الربوعة والسيطرة عليها وولى جيش آل سعود الأدبار كما هي عادته.
الأبعاد الاستراتيجية والجوسياسية للسيطرة على الربوعة
قد يعتقدُ البعضُ بأن الربوعة ليست إلا مدينة صغيرة في أطراف مملكة مترامية الأطراف والسيطرة عليها لا تغير الكثير في معادلة القوة وقلب الموازين، ولكن في مثل الحالة الـيَـمَـنية السعودية إسقاط مدينة واحدة في جنوب السعودية يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على رأس النظام، حيث يمثّل خسارةً موجعةً لنظام أمني يفرض سلطته بالقمع وإرهاب الناس، ويهشم هيبة النظام الهش بشكل قاتل قد تنتقل تداعياته إلى أطراف أخرى من البلاد، كما يمثّل هزيمة مدوية لجيش يمتلك أحدث المعدات والدعم الإقليمي والعالمي تنعكس جذرياً على معنويات أفراد الجيش السعودي الذي لوحظ فرار بعض عناصره من على متن عرباتهم المصفحة أثناء المعركة – كما أظهر الفيديو- هرباً من مواجهة المقاتل الـيَـمَـني، وتنتشر هذه الحالة النفسية بين عناصر الجيش السعودي، كما النار في الهشيم لتنتهي بفرار جماعي لجيش العدو من مواقعه دون مواجهة خاصة في ظل سياسة الغطرسة والتعتيم الذي يمارسها النظام السعودي، ضارباً بمصداقية ومعنويات مؤسسته العسكرية عرض الحائط.
وإسقاط مدينة بالكامل والسيطرة عليها يفتح المجال أمام عمليات مشابهة في أماكن أخرى لها نفس الظروف، فمدينة الخوبة التابعة لمحافظة جيزان تبدو اليوم لقمة سائغة أمام الـيَـمَـنيين بعد أن أثبت جيشهم البطل ولجانهم الشعبية إمكانية السيطرة على مدن رئيسية ومؤثرة وأن تكثيف مثل هذا النوع من العمليات ليس إلا قرار سياسي لا عسكري، ويخلق هذا حالةً واسعة من السخط من الأوساط الشعبية في تلك المحافظات الذي بات سكانها ينظرون إلى الجيش السعودي كعالة طفيلية بلا جدوى ولا قدرة لها إلا على الفرار وترك عتادها العسكري الثقيل ورائها. وتزايد السخط السعودي في محافظات الجنوب في ظل أزمة اقتصادية خانقة يعاني منها النظام بتدهور أسعار النفط والإنفاق المهول في عدوانه على الـيَـمَـن وتنامي الصراع بين أجنحة آل سعود قد يتفجر في أية لحظة ثورة شعبية عارمة أو انقلاب مسلح يقودُه أحد أبناء عبدالعزيز آل سعود أَوْ أحفاده الرافضين لرعونة سلمان ونجله المراهق.
وقد يضطر النظامُ السعودي لحشد قواته العسكرية إلى المحافظات الجنوبية لتدارك ما يمكن تداركه قبل انزلاق الأمور إلى فقدان محافظات كاملة، وهو الأمر الذي قد يحرض جهات أَوْ جماعات أخرى في الشمال أو الشرق السعودي للتمرد والانشقاق خاصة في ظل ارتفاع توتر العداوة بين النظام السعودي وجميع جيرانه في محيطه الإقليمي.
وإذ تبدو مدينة الربوعة الجميلة نقطة صغيرة في خارطة النفوذ والسلطة لمنطقة متشعبة الصراعات والظروف، إلا أنها قد تكون حجرَ الدومينو الأول لإسقاط منظومة المال والتكفير الأكبر في المنطقة لتفتح الربوعة الباب على مصراعيه أمام تغيير كبير وعميق في شكل وتركيب المنطقة العربية والشرق الأوسط أجمع، خاصة في ظل تحذيرات متكررة تحدثت عنها وسائل إعلام أمريكية وبريطانية مرموقة من انهيار متوقع لنظام آل سعود.
*صدى المسيرة