الخبر وما وراء الخبر

بحارٌ من الأحرار !

119

بقلم / مصباح الهمداني

جاء الاثنين، بعدَ ليلة دافئة ماطرة باردة …

لم تنم فيها ثلاث عواصم عربية؛ الأولى؛ فرحًا، والثانية؛ رعبًا وحزنًا وعويلاً، والثالثة؛ ترقبًا وذعرًا واستنفارا…
صنعاء احتفلت فرحًا، والرياض انتفضت خوفًا، وأبو زجاج ارتعدت ترقبًا…

بدأت الليلة بكلمةِ القائدِ الذي إن قالَ صدق، وإن وعَدَ وفَّى، وإن تكلَّم أنصتَ لهُ العالَمْ.. كانتِ المحطَّاتُ ترصُدُ كل كلمةٍ وحركة، وكل نبرةٍ وإشارة.. إلاَّ أن الجميع لم ينتبهوا للإشارة الأخيرة، والتي رفَعَ القائدُ فيها ذراعيه وفتحهما، وهو يتحدَّثُ عن القوةِ الصاروخية، وبأنَّ الأمرَ جدٌّ لا هَزْلْ، وبأنَّ العامَ الرابعَ سيشهدَ عواصفَ صاروخية حين قال ” قادمون للعام الرابع بمنظوماتنا الصاروخية والمتطورة والمتنوعة التي تخترق كل أنواع أنظمة الحماية الأمريكية وغير الأمريكية” ..

أنهى القائدُ حديثه، لتنطلقَ الصورايخُ بعدها مباشرةً وتشُقَّ طريقها، نحوَ أهدافِها المرصودة بدقة، تحتَ عنوان وفاءً لتوجيهات القائد، وباسم الشهيد أبو عقيل.. تصلُ الصواريخُ أهدافها وتشتعل مطارات نجران وجيزان؛ بصواريخ بدر1، ويشتعلُ مطار أبها بعسير بصواريخ قاهر توإم، وتشتعل الرياض بصواريخ بركان إتش تو.. وتُعلنُ القناة الإخبارية السعودية على لسانِ أحد الضباط السعوديين بأن الرياض استقبلَت 7 صواريخٍ باليستية، فيما القوة الصاروخية في صنعاء لم تحدد العدد، وذكرت أنها استهدفت المطارات الأربعة مع أهدافٍ أخرى بدقةٍ متناهية…

كانت الوسائط الإجتماعية قد اشتعلت وهي تنقلُ صورة الرياض وهي ترتعِدُ بين صلياتِ الصواريخ التي عجِزتُ عن عدِّها، وقد اختلَطَ الحابلُ بالنابِل، وأصبحت صواريخ الباتريوت تتصادمُ ببعضا، ويسقط بعضها فوق منازل العاصمةِ المذعورة…

لقَدْ كانَ مشهدًا مُذِلاً لأمريكا وصِناعتها؛ قبلَ أن يكونَ للرياض، فقد أثبتَ بركان وبدر وقاهر اليمنيين أنهم أسرعُ وأقوى، وأكثرُ معرفةً لطريقهم ووجهتهم، فيما تخبطت عشرات الباتريوت الأمريكية في بعضها، وكأنها ألعابٌ نارية في عرسِ أمير.. تصادمت في بعضها، وتداخلت فيما بينها، وتساقطَ غالبيتها فوق السكان..

مشهَدٌ مرعبٌ ومُخيف عاشته الرياض كما عاشه أطفال ونساء صنعاء قبلَ ثلاثةِ أعوام.. ومن المُفارقاتِ العجيبة أن الجبير حينها كان في أمريكا، وليلة الأمس كان المهفوف في أمريكا..

لقدِ استهانوا باليمن ورِجاله، وظنوا أنَّ كل الرجال مثل أولئك البغال؛ الذين يُلطمونَ فيسكتُون، ويُهانونَ فيبتلعُون، ويُحجرُ عليهِم فيخنعون.. لم تُدركِ الرياض أنَّ في اليمنِ رجالٌ لا يهابونَ الموت، ولا يركعونَ إلا لله، ولهُم عقولٌ تزنُ الجبال، وشجاعةٌ قُدَّتْ من الصخر.. ومن هؤلاء كانَ السيدُ القائد، فقد أخبرنا وأخبرهم بالخيارات الإستراتيجية، وبالنفسِ الطويل، وبالمُفاجآتِ المُرعبة.. لكنهم جهِلوا وتجَاهلوا، وخَفَّوا واستخفوا.. فحاقَ بهم ما رأوا وسيحيق بهم مالا يُطيقون..

وبينما تسري الصواريخُ إلى أهدافها وتشتعلُ الحرائقَ في المطارات والمواقع؛ كانت الحشود اليمانية الإيمانية تسري نحو ميدان السبعين من كل حدبٍ وصوب، وما إن وصلها الخبر، حتى دقَّتِ الطبولَ، وابترعَ الرجالُ، وتبادلوا التَّهاني والتبريكات، ولم ينم الكثيرُ فرحًا وبهجةً وسرورا…

وكما جاءَ صباحُ اليومِ الأول من العام الرابع في الرياضِ؛ مُرعِبًا مُفجعًا مُخيفًا يُذكرهم بدماءِ أطفالنا ونسائنا..
فقد جاء صباحُ صنعاء؛ نديًا صافيًا، يتسربُ منه شروق الشمس بينَ البيوت المرتفعة، كخيوطٍ متلألئة، ويستقر على رؤوس الجبالِ العالية كتيجانٍ ذهبية، فيما كانت مداخِلُ صنعاء شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا؛ تحتضنُ آلافَ السياراتِ الممتلئةِ بالبشر والقادمون من جميع المحافظات، وجميعهم يسيرون بنظامٍ دقيق، وبترتيبٍ عجيب، في انسجامٍ واحترام، وتوافقٍ ووئام..

وتتوقفُ السيارات في المواقِفِ المُخصصة، ويسيرُ الناسُ على أقدامهم في انتظامٍ جديد، وفي خطوطٍ مُعدةٌ سلفًا.. وعلى مساحاتٍ منفصلة مخصصةٍ للنساء؛ قد امتلأت منذ الصباحِ الباكِر…
توالتِ الجموع تلو الجموع، بل الآلاف تلو الآلاف.. امتلأ السبعينُ عن بكرةِ أبيه بالبشر، ولم تبدأ فقراتُ الحفلِ بعد.. أمواجٌ تلو أمواج ما تزالُ تتدفَّق.. امتلأتِ الشوارعُ الفرعية، من حدة إلى شارع القيادة إلى شارع تعز.. أصبحَ البشرَ يُغطون المنطقةَ كلها، وأصبحت السياراتُ تملأ صنعاء، والصور الجوية تُظهر خطوط السير من بني مطر ومن أرحب ومن خولان ومن حزيز ومن الحتارش ممتلئة بالسيارات القادمة…
من يرى الحشودَ الآنَ في التاسعة صباحًا؛ يظن أن اليمنَيين بملايينهم قد حضروا إلى صنعاء واستقرَّوا في الشوارع المحيطة بالسبعين…

ومعَ كل هذه الملايين الحاضِرة؛ إلا أن هُناكْ لمساتُ ربَّانية، وإحاطاتٌ إلهية، فالجميعُ بأسلحتهم، ومعَ ذلكَ تجدَ الوُدَّ والاحترامَ، والإيثار، والكرمَ فيما بينَ الجميع، وكُلُّ واحدٍ يفسحُ للآخر، وأصحابُ صنعاء وما حولها صاروا مضيفين لمن جاء من مناطق بعيدة، في صورةٍ من الألفةِ والمحبةِ والأخلاق تستوقفكَ كثيرًا، وتؤثرُ فيكَ بشكلٍ كبير…

من زرعَ التراحُمَ في قلوبهم، من أمطرَ في ألسنتهم كلماتُ الترحيبِ والإجلال.. الجميعُ يُرحبُ بك، والجميعُ يبتسمُ لك، وكأنك تعرفهم منذ سنوات.. في السبعين مجتمعٌ خلَقتهُ الظروف الصعبة، ووحدتهُ الجرائمُ المرعبة، وتماسكت أركانه بسبب الحربِ القذرة.. فقد أدركوا أنهم جميعًا مُستهدفون، وأن كرامتهم ومعزَّتهم وحريتهم على المحك.. فالتفوا حولَ القائدِ والقِيَمْ كما التفوا حولَ جده ..

وهاهُم جميعًا يُشكلونَ مُجتمعًا مليئًا بالكرمِ والأخلاق، ويجسدونَ قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجسيدًا حقيقيًا وواقعيًا حين قال”الإيمانُ يمان، والحكمةُ يمانية” …

كانَ رئيس الجمهورية في مقدمة الصفوف، وبجواره رئيس اللجان، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، وكبار القادة العسكريين … وارتفعَ صوتُ الرئيس البطل الصماد في الحشود بكلمةٍ مزلزلة، وكم كان دقيقًا وهو يقول” على المبعوث الأممي الجديد أن يدرك سبب فشل سلفه”

لقد احتشدَ الملايين ليقولوا لأمريكا وإسرائيل وبقرتهم الحلوب أننا شعبٌ حرٌ أبيٌ شامخٌ عزيزٌ كريم.. يأبى الضيم، ويرفض الذل، وليسَ في قاموسه إلا العزة والكرامة والمجدُ والشموخ والقوة والبأسُ والنصر..
جاؤوا جميعًا ليقولونَ للغزاة؛ بأن اليمن مقبرتكم جميعًا؛ إن استمريتم في حربكم الإجرامية البشعة، وفي عدوانكم الوحشي الهمجي…

جاؤوا جميعًا ليجددوا العهدَ مع القائد ومع الجيشِ واللجان، بأنَّ الجميعَ حاضرٌ ومستعدٌ لأن يفدي الوطنَ بالمال والنفس .. وأن الكرامة والعزة دونها المُهَجْ…
جاءت بحارٌ من الأحرار من كل أنحاء اليمن إلى صنعاء عاصمة العواصم؛ ليقولوا للعالمِ أجمع؛
هُنا اليمن وهؤلاء هم اليمنيُّون.