الخبر وما وراء الخبر

الالتزام بهدي الله يشكل ضمانه للإنسان من الضلال

83

{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} (البقرة:36) ربما كانت هذه الجنة، لأن آدم خلق من البداية على أساس ليستخلف في الأرض، إذا عندما يخلق هو وزوجته ويقومون من أول يوم يفلتون في الأرض هذه، قد تكون الجنة عبارة عن مكان يعيشون فيها حتى يكثر أولادهم ويتفرع أولادهم تلقائيا في الأرض هذه ما يقوم هو بأعباء الحياة والمعيشة وما قد هناك إلا هو وزوجته، وفّر له مكاناً يستقر فيه، ما معناه بأنه استخلف في ذلك المكان نفسه، مكان اعتبره مؤقتاً يعيش فيه ولهذا يقول البعض فعلا: إنها جنة في الدنيا، أي: مكان في الدنيا، وفر له مكان يعيش فيه، فيه الملبس فيه المأكل فيه المشرب فيه كل ما يحتاج إليه سينتجون أولاداً ويتفرعون، وأولادهم يتكاثرون في الدنيا لكن حصل هذه الحاجة خرج ونزعوا عنهم ملابسهم.

القضية هذه فيها بالنسبة للإنسان أن يفهم أنه عندما استخلف في هذه الحياة أنه يجب أن يستشعر أنه مرتبط بالله ليهديه في مسيرته، وأن هذه الحياة إذا لم يسر على هدى الله سيضل ويشقى، بحيث تكون عنده مترسخة هذه في الذهنية، مترسخة بشكل كبير، ما يكون عنده أنه يمكن يهدي نفسه، ويصلِّح هدى أو يرسم طريقته هو، هو، أبداً أنت عندما تستخلف هنا يجب أن تسير على هذا الهدى، الهدى في الأخير يتمثل بتوجيهات إيجابية أو سلبية.

تجد مثلا موضوع الضلال، موضوع الشقاء الذي حصل لإبليس وحصل لآدم، هناك أمر وهنا نهي، أليست توجيهات إيجابية، وتوجيهات في الجانب السلبي؟ لا تقرب كذا، إعمل كذا، أليس هذا خلاصة الموضوع، خلاصة الهداية: اعمل كذا، لا تعمل كذا، امش هنا، لا تمش هنا، هل هناك شيء آخر؟ هل هناك شي وسط، هل هناك أسلوب آخر في التوجيه؟ لا يوجد. هو هذا يتمثل التوجيه، ينتهي إلى هذا النحو، يقال: اعمل كذا، لا تعمل كذا، قل كذا، لا تقل كذا، قال لإبليس: اسجد، ألم يأمره فلم يرض يسجد؟ تحول إلى ضالّ، سبب ضلاله هو ماذا؟ خلافه ومخالفته لهدي الله.

آدم قال له: {وَلا تَقْرَبَا} أليس هذا نهياً؟ {هَذِهِ الشَّجَرَةَ} ليفهم الكل أنهم عبيد لله، وأنهم في مسيرتهم في أي عالم كانوا، الجن في أي عالم كانوا، الإنس في الأرض هذه، أنهم مرتبطون بالله أنه هو الذي يهدي ويرسم طريقة الإنسان في هذه الحياة وإلا سيضل ويتخبط، يعطيه درساً من أول يوم {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} {فَتَشْقَى} ستخرج من الجنة، سينزع عنك لباسك. خالف، وقع في شقاء ألم يقع في شقاء؟ يأتي بالآية في الأخير في الخلاصة: موضوع إبليس وموضوع آدم {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ} {هُدىً} الذي يأتي في جانب: قل كذا، لا تقل كذا، اعمل كذا، لا تعمل كذا، {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}.

ما الذي حصل في أول عملية ضلال من جانب إبليس فتحول إلا ضالّ مضل، وشقاء بالنسبة لآدم؟ تجتمع الأشياء بالنسبة للإنسان وبالنسبة للشيطان، بالنسبة للإنس والجن، الإنسان سيشقى ويضل، النتيجة كانت شقاءً وضلالاً من أول عملية انحراف عن هدى الله، يقول لهم: هذه طريقة ثابتة {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} لو فكّر هو يبتكر من عنده هدى، لو فكر هو أن يرسم طريقة، مهما عمل لربط المسألة به هو، ولهذا جاءت بضمائر مكررة ومرتبطة بالله {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} أليس هو يقول: مني؟ مني يأتيكم، ما معناه أنتم يوكل إليكم؟ أنتم تفكرون في كيف تطلعونه، يأتيكم من عنده {يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} [مني] الضمير يعود إلى الله {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ}. ومسألة: اتباع، تجد الموضوع هنا كله موضوع: اتباع، من تشخيص للهدى، وتبيينه على أرقى طريقة، يتلخص في الأخير إلى أنه تبقى المهمة مهمة اتباع.

قدم الموضوع بشكل آخر أنه: لا، حتى تعرف دين الله، أن تعرفه عن طريق بحث واطلاع [وقَلْبْ وَصَلْبْ] وأشياء كثيرة وتعب وعناء، لا، هذه سنة إلهية أنه يقدم هداه بالشكل الذي ما عاد يبقى أمام البشر إلا أن يتبعوا {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} أو {فَمَنِ تَبَعَ هُدَايَ} كلمة: {تبع} لا يوجد فيها معاناة البحث عن الموضوع؛ لأن من شواهد أنْ ما هناك معاناة للبحث عن الموضوع أنه يقدم القضية على أوضح ما يمكن، هذا مثل واضح {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ} أليست هذه أول عملية توجيه تأتي على أرقى صورة من التبيين؟ أول عملية نهي لإبليس نفسه، أول عملية أمر لإبليس ألم يأمره أن يسجد لآدم؟ وقدم هذه بأنها كانت بعبارات واضحة وتبيين كامل.

إذاً هذه ترسم لك سنة إلهية أنه على هذا النحو: يبقى مهمة الإنسان هو ماذا؟ أن يتبع {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه:124) ضلال في الحياة، ضلال بالنسبة للنفس معنوي وواقعي، ضلال في الحياة ضياع بما فيها الضياع المعنوي يسمى كله: ضلال وشقاء مجمله.

{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة:38) هذه واحدة من ماذا؟ من ثمار اتباعٍ لهدي الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لا يضل ولا يشقى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة:39) يبين أبرز مثل للشقاء بعد ما يأتي في آيات أخرى أنه يحصل شقاء من هنا، فأن يضرب مثلا بالغاية التي تعتبر أقسى وأخزى شقاء، أبرز مثال للشقاء النار، هم فيها خالدون، معنى هذا بأن الإعراض عن هدي الله يؤدي بالإنسان إلى أسوء مصير، إضافة إلى ما يأتي في الدنيا هذه أسوء مصير وأشقى شقاء يمكن أن يتصور وهو جهنم نعوذ بالله. إلى هنا

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

[الدرس الثالث من دروس رمضان]

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

بتاريخ 3 رمضان 1424هـ

الموافق 27/ 10/2003م

اليمن ـ صعدة.