الخبر وما وراء الخبر

ماهية القضية الفلسطينية

68

بقلم / حسن زيد

منذ بدأت النكبةُ وعملياتُ التهجير القسري للعرب في فلسطين وفتح أبواب الهجرة الصهيونية، والخلاف قائمٌ في النظرة إلى طبيعة القضية الفلسطينية.

هل قضية الشعب الفلسطيني خَاصَّـةً بهم؛ لأنهم من تعرضوا للمذابح والتهجير من أرض آبائهم وأجدادهم وبيوتهم ومزارعهم ومدارسهم ومساجدهم وكنائسهم وحُرموا من امتلاك هُويتهم الوطنية؟

أم إنها قضية الأمة العربية أَو على الأقل المحيط العربي الذي زرع الكيان الإسرائيلي بقصد تفكيكية وتحويله إلى كيانات مفككة متصارعة تتحكم به العصابة الصهيونية التي مكنت من السيطرة على أرض فلسطين كخلية سرطانية تفتك بما حوّلها كما هو مجسّد اليوم في الدول العربية المحيطة بفلسطين التي يعمَلُ على تفكيكها إلى مكوناتها البدائية السابقة على وجود الدولة الإسلامية والوطنية وإشعال الصراعات على أسس مذهبية ودينية وقبلية وإثنيات عرقية وقومية ومناطقية وحزبية بل وحتى النوع الاجتماعي (شيعي وسني، مسيحي ومسلم، أشعري وسلفي، قومي وأممي ووطني علماني وإسلامي إخواني وسلفي والسلفي إلى قاعدي وداعشي كردي وعربي… إلخ) وبمال النفط العربي (الإماراتي والقطري والسعوديّ وقبلها الليبي والعراقي)؟!.

لماذا يفكك المجتمع والدولة السورية والعراقية والليبية بل وحتى المصرية؟

لماذا تحاصر قطر من قبل جيرانها؟ لماذا تمول الإمارات وقطر والسعوديّة الجماعات المتقاتلة في ليبيا؟ لماذا تدعم وتشجع قطر المعارضة المسلحة للنظام المصري والنصرة واخواتها في سوريا؟ لماذا تدعم السعوديّة الفصائل والجماعات الإرهابية السلفية في سوريا والعراق بل والعالم الإسلامي كله؟

لما تستنزف الإمارات أموالها في الحروب الأمريكية والصهيونية في أفغانستان والصومال وأخيراً اليمن؟.

لماذا شنت السعوديّة عدوانَها على اليمن وتورطت في حرب تستنزف قدراتها وإمكاناتها وتهدد استقرارها وتجعلها عُرضةً للابتزاز الدولي وترتكب الجرائم التي فاقت الجرائم الصهيونية وتدمر مقومات العيش والحياة للشعب اليمني؟

وما سر تزامن كُلّ ذلك بإعلان التطبيع المتسارع مع الكيان الغاصب في نفس الوقت الذي تعلن فيه أمريكا نقل سفارتها للقدس العربية وتتسارع الخطوات الإسرائيلية في التصفية النهائية للدولة الفلسطينية حتى على الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧م، بل وتمارس السعوديّة من الضغوط على الفلسطينيين والأردن بالاعتراف بضم الكيان الغاصب للقدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية وإعلان يهودية الدولة، ما يعني عملية تهجير جديدة لعرب ٤٨ و٦٧.

لماذا افتعلت السعوديّة والإمارات ودوَل “الاعتدال” أَو الانبطاح العربي العداء لإيران (وضمت إليها تركيا) وتحويل موارد الأمة وطاقتها وإعْلَامها أدوات في المعركة مع إيران؟.

الواضح أن الغدة السرطانية باتت الموجِّهَ والمحرّكَ للنشاط العسكري والامني وَالسياسي والإعْلَامي لدويلات الاعتدال العربي؛ لأن الحكام والنظمَ العربية باتت تستمدُّ شرعيتَها من الدعم الأمريكي المتحكم فيه صهيونياً، وبات الحاكم العربي خاضعاً لاعتقاد جازم أن وجوده في السلطة واستمراره فيها متوقف على تفانيه في خدمة السياسة الصهيونية والتوحد بها والتمادي مع مشاريعها وبات رضاها عنه واستمرار رضاها هو الحلم الذي يعمل من أجل المحافظة على تحقيقه، وعلى حساب مقدرات الشعوب والمجتمعات والدول العربية بل وحياة أبناء الشعوب العربية والإسلامية!!!

لتتضح الصورة أكثر..

ما مصلحة الإمارات والسعوديّة في إشعال الصراعات والحروب مع جيرانهما ومع الشعب الليبي والسوري بل ومحاولة عمل انقلاب في تركيا وفِي إعلان العداء لإيران؟

ما مصلحة السعوديّة والإمارات في تحويل عائدات النفط واستنزاف حتى الاحتياط النقدي في تمويل العدوان على اليمن والحرب الأهلية في ليبيا ودعم السياسية الاقصائية تجاه الإخوان المسلمين لنظام السياسي؟

ما الذي سيتحقق لهذين النظامين أكثر من مزيد من التبعية للصهيونية والخضوع للتبعية المطلقة للسياسية الأمريكية والاحتياج للحماية الصهيونية أمنياً وإعْلَامياً وسياسياً وتحول هؤلاء الحكام إلى مجرد عبيد بكل ما تعنيه العبودية من معنى للصنم الصهيوني؟

لا توجد مصلحة للشعب السعوديّ والإماراتي ولا للحكام والأسر الحاكمة من تفانيهم في خدمة المشروع الصهيوني بل العكس، فالضرر الاستراتيجي على استقرار الأنظمة، هذه مؤكد وشواهده واضحة ومشاهده، في عملية الاستنزاف التي تتعرض لها الدولتان وحالة التوتر السائدة في علاقتِهما بمحيطهما حتى الذي يتظاهر بالتحالف معهما والانقسام الواضح داخل الأسر الحاكمة والذي وصل إلى اعتقال مئات الأمراء من أبناء وأحافظ عبدالعزيز كما حدث في السعوديّة والقمع الذي يمارسه محمد بن زايد ووصل إلى احتجاز حرية ضيوف كبار للإمارات كعبدالله قطر وأحمد شفيق مصر وإنشاء معتقلات في الجنوب وخسارة الإمارات للصومال وجيبوتي، ومحاولة ابن زايد ترتيب انقلاب في عُمان واحتلاله لأجزاء واسعة من اليمن ومنعه عودة هادي وتبنّي دعم الجماعات السلفية الجهادية التي تقوم بعمليات الاغتيالات والمجلس الانتقالي، وإعلانهما العداءَ أخيراً مع تركيا والإخوان المسلمين والفُرس (مع أن ٦٠٪ من مواطني الإمارات من أصل فارسي).

باختصار لقد أدخلا نظامي حكمهما في مأزق أمني وعسكري أشبه بحالة الإدمان الذي لا يمكن أن يواجهَ إلّا بالمزيد من التورّط بفتح المزيد من الاشكالات في علاقتهما بالعالم ويدفعهما لمزيد من الارتماء في أحضان الصهيونية التي لا تعرف الرفاء حتى لزعمائها بعد أن باتوا عبئاً، على عكس ما ردده أنور عشقي عن المصالح المشتركة بين إسرائيل والسعوديّة في السيطرة على نفط الجوف ونفط إثيوبيا الواعد وجسر النور الذي سيربط آسيا بأفريقيا من خلال الجسر الموصل عدن بالقرن الأفريقي، وأَيْضاً طمع السعوديّة في اقتطاع حضرموت أَو جزء منها لمد أنابيب النفط السعوديّ والخليجي إلى البحر العربي مباشرةً؛ تجنباً للمرور بمضيق هرمز أَو باب المندب، وبالنسبة للإمارات واضح اطماعها في الجزر اليمنية وبالذات سقطرة وسيطرتها على موانئ اليمن للإبقاء على ميناء دبي جبل علي المركز الوحيد غير المنافس.

رغم وضوح ذلك إلّا أنه طعم فقط لن تسطيع السعوديّة ولا الإمارات ابتلاعها وهي نفس الأحلام التي أغري القذافي لدعم حركات التحرّر والوحدة العربية والافريقية وكذلك صدام في إعلان الحرب على إيران وغزو الكويت.

إنها أفخاخ كي تتزايد حاجة الأنظمة التي يقدم حكامها الحالمون المغامرون على مغامرات غير محسوبة لتنتهي بسقوط الأنظمة والتفكيك الحاصل.

وجودُ الكيان الصهيوني لا يقتصر ضرره على الشعب الفلسطيني المظلوم، بل إن فلسطين نقطةٌ للسيطرة على المنطقة مركز العالم وثرواتها والذي لا يتحقّق إلّا بالقضاء على الاستقرار وفرص التنمية وتدمير مقومات وجود دول إقليمية مستقرة قوية في محيط فلسطين وتحويل المنطقة إلى بؤر للصراعات والتوتر؛ لتصبح إسرائيل هي الدولة الوحيدة المستقرة التي تملك القدرة على الردع، وسيطرة الصهيونية على فلسطين ونجاحها في تفكيك المحيط العربي، ليس هدفاً لذاته، وإنما السيطرة على مركز العالم القديم والتحكم فيه..

اَي أنه سيلحق الضرر البالغ بأوروبا وآسيا وافريقيا؛ لأن فلسطين كالقلب.

ولهذا فإن قضية فلسطين قضية وطنية وقومية وإسلامية وإنْسَانية، وخطر الصهيونية لن يقتصر على محيطها بل العالم أجمع.

ولا يمكن أن تنتصرَ وأدواتُها سيسقطون، وستستعيدُ الأُمّة والإنْسَانيةُ وعيَها ووَحدتَها في مواجهة الحركة الصهيونية التي ترى في الآخر عدواً لا يستحقّ الحياة.