الخبر وما وراء الخبر

القبيلة اليمنية ومخططات السفير الأمريكي وبن سلمان

65

بقلم / زكريا الشرعبي

القبيلة سياج الوطن.. أصبح علينا أن نقفَ الآن أمام الواقع لندرك هذه الحقيقة وندرك كم كنا سفهاء حين ادّعينا الثقافة وقلنا أننا لن نصل إلى المدنية إلا على أنقاض القبائل.

بالنظر إلى هذا الواقع بمفرداته الراهنة المتوائمة بشهادة الأحداث المتناقضة في تعبير المصطلحات المجوفة والتنظيرات الملغومة لمثقفي العصر سيجد الحاذق أي شيء هي القبيلة.

لقد أسأنا الظن بها كثيراً في الماضي بفعل تغرير النخب الثقافية المزيفة، وقلنا هي مصدر كُلّ شر لليمن، وبدون أن نُقدر حتى كونها مكوناً أساسياً في تركيبة الشعب اليمني رفعنا يافطات تطالبُ بإقصائها من الوجود منصّبين من أنفسنا -نحن الذين ندّعي الثقافة- آلهة ليس لأحد أن ينازعنا الملك.

ظل مثقف الخواء اليساري طوال السنين الماضية يطالب بأحقية أبناء تعز وأبناء عدن بامتيازات خاصة وبأفضلية (منزل) على (مطلع) و”السهل” على “الهضبة”، معللاً ذلك بأحقية سواد الثقافة ومسقطاً هذا كما يقول المفكر والناقد محمد ناجي أحمد حتى على أكثر مناطق (منزل) أمية، فجسد في عقول البسطاء من أهل تلك المناطق الشعور بالغبن وأهمية الثورة – لأعلى العادات المنافية للقانون والتي لا تنحصر على فئة معينة بل الثورة – على القبيلة بكل مفرداتها، بأعرافها الجميلة وقيمها الأصيلة.

أظهر هذا المثقف أن المدنية لا تتحقق في وجود القبيلة وأن المجتمع المدني لن يتم إلا بسحل آخر قبيلي على منضدة أصغر مثقف، وسعى العدو عبر بعض المثقفين لتكريس حدود سياسية -اجتماعية (سيسوبولوتيكية) مشتبكة بالنار ليفت من عضد اللحمة الاجتماعية، ويمهد لصراعات بينية مستديمة، تُؤدّي في النهاية إلى إقعاد الشعب اليمني عن استغلال أرضه وثروته وموقع وطنه الهام، وعن التفاعل مع القضايا الإنسانية في محيطه الإقليمي والدولي.

ولولا أن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر قامت وجرفت هذه الحدود وحالت دون ترسيخها عبر مشروع “الأقلمة”،  لكان ما يريده العدو من صراعات بينية واقعاً مشهوداً اليوم، ومسنوداً بـ “الدستور”.

بل بفعل ذلك التحريض الخطير عاشت بعضُ فئات المجتمع من خارج المجتمع القبلي حالةَ ضغينة ضد القبيلة، وكانت هذه الحالة أحد العوامل التي استند عليها العدوان لتنفيذ مخططاته في المحافظات الجنوبية، حيث صُورت الحرب على أنها ثأر لـ “مدنية  السهل” من “قبلية الهضبة”.

في مقابلته مع صحيفة واشنطن بوست قال ولي عهد الكيان السعودي إن لدى تحالف العدوان خططاً لتعبئة القبائل اليمنية ضد المجلس السياسي والجيش واللجان الشعبية، وقبلها وجّه السفير الأمريكي دعوةً إلى رجال القبائل اليمنية للتحرّك في ذات المسار.

هذا الطرح من قبل ولي عهد السعودية والسفير الأمريكي لا يعني إطلاقاً أن تحالف العدوان يريد أن يكون للقبائل اليمنية قيمها وقيمتها الحقيقة، وإنما يؤكد النظرة الفوقية الاستبدادية التي ينظر بها هذا التحالف إلى “أفراد” القبائل، حيث يراهم “رعية” يطيعون أمر “امشيخ” الذي تنصّبه “اللجنة الخاصة”، وحجم الألم الذي لحق بتحالف العدوان من استعادة القبائل لدورها الوطني وترابطها الاجتماعي في ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ثم تصدرها مشهدُ الدفاع عن اليمن، ومواجهة المعتدين عليه.

يتوهم تحالف العدوان أن بإمكانه عبرَ شراء ذمم البعض إعادةَ تجيير دور القبائل اليمنية لصالحه، وأن بإمكانه أن يسوقَ أفرادها إلى الجبهات دفاعاً عن أهدافه ومخطّطاته التدميرية ضد اليمن واليمنيين.

ذلك هو المستحيلُ بعينه، فمنذ أول غارة للعدوان لم تقف القبيلة اليمنية لحظة واحدة في موقف حيرة من القرار الذي عليها أن تتخذَه، وأكدت أنه لا قرارَ في مواجهة الغزاة غير قرار المواجهة وتعميد وثيقة الشرَف ومرقوم التحرّر بالتضحيات، فكانت المتصدرة من بين فئات المجتمع للدفاع عن الوطن والحفاظ على الأمن والاستقرار، ولم تكتفِ في دورها الوطني على تقديم أبنائها إلى جبهات القتال، بل وبذلت أموالها وحلي نسائها وجمعت السلاح والعتاد، متجاوزة بذلك كُلّ خلاف جانبي وكل مذهب، وكان لسان حالها وكافة أفراد المجتمع (الدم الدم والهدم الهدم).