الخبر وما وراء الخبر

إسقاط مشروع القرار البريطاني في مجلس الأمن يربك حسابات العدوان.. عودة إلى الدائرة الضيقة

62

أبو بكر عبدالله

إقرار مجلس الأمن الدولي بإجماع مشروع القرار الروسي بشأن اليمن مقابل سقوط مشروع القرار البريطاني الكارثي، مثل انتصارا للعدالة الدولية، فهو لم يجنب إيران وطأة عقوبات وإجراءات عسكرية وحسب بل جنب المنطقة أعباء نزاع إقليمي مفتوح على كل الاحتمالات، كما أزاح عن اليمن أعباء مخطط كارثي لدول العدوان بحشره في مربع إدانة دولية تفسح المجال للاستمرار في العدوان الهمجي على اليمن بصورة أكثر وحشية.

ورغم أن مشروع القرار الروسي استجاب لضغوط دول تحالف العدوان وداعميها الدوليين في تمديد العقوبات على اليمن ووضعه من جديد تحت طائلة البند السابع لسنة إضافية تنتهي في فبراير 2019، إلا أنه شكل الحالة الأفضل في مشهد بدا شديد القتامة فرضه محتوى كارثي لمشروع قرار بريطاني أرادته دول العدوان وداعموها الدوليون مفتاحا لخلط الأوراق في عدوانها على اليمن بل ودرعا لمواجهة ضغوط دولية متزايدة تطالب بنهاية للعدوان تتيح العودة إلى مسار الحل السياسي للأزمة اليمنية.

عندما صاغت بريطانيا وأمريكا وفرنسا مشروع القرار البريطاني كان واضحا أنها استندت بقوة على الجزئيات الخطيرة التي أوردها تقرير لجنة الخبراء الأممية والمتعلقة بمنشأ الصواريخ الباليستية اليمنية وهي الجزئيات التي أفلحت الدبلوماسية الإيرانية بمواجهتها أخيرا بفيتو روسي عمدته موسكو بتأكيدات أنها “ستواجه أي إجراءات لتمديد فترة عمل لجنة الخبراء في أجواء مسيسة”.

ضمن أهداف أخرى سعى المشروع البريطاني إلى انتزاع اعتراف دولي يدين إيران بانتهاك القرارات الأممية بشأن حظر توريد الأسلحة من جهة وفي الوقت ذاته اتهام “الحوثيين” بتهديد الأمن الإقليمي والدولي باستخدامهم صواريخ باليستية إيرانية ضد السعودية والإمارات.

لأبعد من ذلك سعى مشروع القرار البريطاني إلى منح دول تحالف العدوان أرضية قانونية تتيح لها العربدة في ملف العقوبات والحصار، ومنحها الضوء الأخضر لتصعيد عدوانها على اليمن بأدوات عسكرية واقتصادية أملا في حصانة دولية تجنبها مسؤولية تباعاتها الإنسانية والقانونية.

وفقا لذلك كان سقوط مشروع القرار البريطاني بالفيتو الروسي كارثيا على دول العدوان وداعميها الدوليين وفي الطليعة بريطانيا خصوصا وانه أربك حسابات العدوان وأعادها للمربع الأول كما أطاح بترتيبات دبلوماسية واسعة قادتها واشنطن ولندن ودول العدوان منذ وقت مبكر أملا في ضوء اخضر دولي يتيح لها تجاوز الدائرة الضيقة في العمليات العسكرية والحصار المستمر منذ 3 سنوات بما سجله من إخفاقات وآثار إنسانية كارثية.

ذلك فسر ردود الفعل المرتكبة والغاضبة التي أفصح عنها عضو البعثة الدبلوماسية البريطانية في الأمم المتحدة جوناثان ألن، والتي أزاحت جانبا المعطيات الرئيسية للقرار الأممي لصالح ما اعتبره “المسألة المهمة في تقرير فريق الخبراء المتعلقة بالقذائف التسيارية (الصواريخ الباليستية) وما اعتبره “هجمات فظيعة واعتداءات يشنها الحوثيون على المناطق المدنية في السعودية والإمارات.”

وعلى أن واشنطن ولندن حاولتا قطف ثمار تحركاتهما المبكرة في تقرير لجنة الخبراء 2018، حول مزاعم المنشأ الإيراني للصواريخ الباليستية اليمنية لدعم مشروع القرار البريطاني سيئ الصيت إلا أن لجنة الخبراء كانت حصيفة عندما استوعبت المعطيات الأمريكية البريطانية بهذا الشأن دون التورط في دعم هذه المزاعم وإقرارها في نهاية المطاف بعدم القدرة على الجزم بالمنشأ الإيراني للصواريخ.

الجديد من كل هذه التفاعلات أن محاولات لندن إخفاء مواقفها الداعمة للعدوان بكونها “صاحبة القلم” المكلفة بصوغ القرارات التي يصدرها مجلس الأمن بشأن اليمن، صار مكشوفا ومحرجا، خصوصا بعدما كشفته محاولاتها المحمومة لتمرير مشروعها في مجلس الأمن دون النظر إلى تداعياته الكارثية على اليمن وعلى المستوى الإقليمي بصورة عامة، وهو دور عبر أعضاء مجلس الأمن الدائمون عن رفضه بقرارهم الجماعي الإطاحة بالمشروع البريطاني والتصويت لصالح مشروع القرار الروسي.