الخبر وما وراء الخبر

مركز الغسيل الكلوي بذمار: صرخات تصم اذن القدر..مشاهد تصهر الحجر..ومناشدات تستجدي ضمائر البشر.

161

ذمار نيوز../ 4 جمادى الثاني 1439هـ الموافق 20 فبراير، 2018م

*”الشعب” توثق الصورة وتؤكد الخبر.. حياة أكثر من 200 مريض في خطر..*

*تقرير/فؤاد الجنيد*

على طواريد الكراسي المتناثرة في تلك الغرفة الواسعة، وجوه ناظرة، وعلى زوايا ممرات الجناح وجوه عليها غبرة اليأس وقترة القنوط، وأجساد على أرائك الوجع يتدثرون بالصبر ويتزملون بنظرات الزوار، هكذا بدت الصورة لمرضى الغسيل الكلوي بمستشفى ذمار العام. مشاهد تبعث على الألم، ولحظات بقربهم تذرف لها الدموع، وتلهج الألسن حمدا لله على ما أولانا من نعمة الصحة ونسائم العافية. مواقف حية تجعلك تعيد حساباتك وأنت ترى نفسك ومعك الكثيرين ممن هم خارج المستشفى ترفع سقف أحلامك وتطالب بالرواتب والحوافز ومتطلبات حياة رغيدة، بينما أولئك المرضى يتنفسون الشهيق ولا يعلمون هل سيكملون الزفير لتكتب لهم  دقائق جديدة يكملونها معك ومع سائر البشر حتى وإن كانت بين أربعة جدران تتراقص على إيقاعات أصوات أجهزة الغسيل المحمرة بالدم القاني في تعاريج خيوط وأنابيب البلاستيك. إنها لعنات السماء التي لن تتوقف، وهي تستقبل سهام الدعاء، وتعود ويلا وثبورا على قوى الشر والعدوان من المغضوب عليهم وعتاولة الضآلين، المتسببين في تفاصيل الموت وشروح المعاناة.

*طوابير تنتظر الموت*

يعد الفشل الكلوي من الأمراض المستعصية التي تجعل الجميع والعامة يشعرون بالعجز حياله، فجلسات الغسيل علاج مؤقت، وليست علاج جذري للمرض ومفعولها آني فقط، وفي حال تأخرت مواعيد تلك الجلسات تتداعى وتتدهور حالة المريض وقد يلفظ أنفاسه الأخيرة من الألم في أقرب فرصة للنهاية المؤلمة.

صمت وهدوء الممرات الممتلئة بالمرضى وذويهم، تضج ببؤس شديد، ومساعدات الأيادي البيضاء لا تكفي لانتشالهم من اسرة المرض، والسعيد من أستطاع حجز مقعد في مركز الغسيل الكلوي، لأن هناك طابور طويل من المرضى ينتظرون دورهم في ظل عجز المركز عن إستقبال حالات جديدة.

*العدوان والحصار لا ثالث لهما*

قذفت الحرب المستمرة والظالمة على اليمن منذ قرابة الثلاث سنوات الآلاف من مرضى “الفشل الكلوي” إلى دوامة جديدة من المعاناة، فطريق الموت باتت مفتوحة أمامهم على مصراعيها أكثر من اي وقت مضى، في الوقت الذي تضيق فيه سبل الحياة شيئا فشيئا في ظل التدهور المريع الذي أصاب القطاع الصحي في البلاد وأفقده القدرة على الوقوف على قدميه لـ الإيفاء باحتياجاتهم، وتعزيز فرصهم في البقاء.

وبحسب تقارير محلية فإن نحو خمسة آلاف يمني يعانون من مرض الفشل الكلوي، ويتوزعون على 18 مركزا للعلاج في عدد من محافظات الجمهورية، غير أن الحرب الشعواء أدت إلى تدهور أوضاع هذه المراكز، وأجبرت عددا منها على الإغلاق لفترات طويلة بسبب انعدام النفقات التشغيلية والنقص الحاد في الأدوية والمحاليل التي يحتاجها المرضى، بينما بقيت المراكز المفتوحة تكافح بكل جهد من أجل البقاء وخدمة المرضى.

*مركز الغسيل الكلوي بذمار*

مركز الغسيل الكلوي بهيئة مستشفى ذمار العام أنشئ في العام 2008م بطاقة استيعابية تقدر ما بين 30_40 حالة مرضية، ورغم الارتفاع المتسارع في عدد الحالات المرضية التي وصلت إلى قرابة 200 حالة مسجلة لدى المركز، إلا انه لم يستطع مواكبة الارتفاع في عدد المرضى بتوسيع الخدمة أو تحسين الأداء، في ظل تدهور المركز والمرضى نتيجة لمشاكل عدة اتت بها الحرب الدامية التي يشنها العدوان الغاشم على الوطن الحبييب للعام الثالث على التوالي. مشاكل ومعوقات كثيرة ومعاناة مستمرة يتجرعها مرضى الفشل الكلوي، إذ يحتاج المريض المصاب بالفشل الكلوي إلى 3 غسلات للكلى أسبوعياً على الأقل حيث لا تقل مدة كل غسلة عن خمس ساعات، وحسب التعليمات الطبية فأنه في حال عدم الالتزام بإجراء الغسلات الثلاث كل أسبوع مع المدة الكافية لكل غسلة قد يؤدي ذلك إلى إصابة المريض بتسمم في الدم وقد يكون الموت هو مصيره المحتوم.

*نداء إستغاثة*

أطلقت هيئة المستشفى نداء ومناشدة لدعم مركز الغسيل الكلوي بمستلزمات جلسات الغسيل والأدوية والمحاليل التي تمكنه من الاستمرار في تقديم خدماته الإنسانية وإنقاذ حياة المرضى. وأوضح رئيس هيئة مستشفى ذمار العام الدكتور جمال حسن الشامي لـ “الشعب” أن المركز مهدد بالتوقف عن العمل خلال ثلاثة أيام نتيجة نفاد الأدوية والمحاليل الطبية الضرورية والخاصة بجلسات الغسيل، مناشدا منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود والمنظمات الصحية والإنسانية المحلية والدولية والتجار وأصحاب الأيادي البيضاء، إلى سرعة المبادرة وتقديم المساعدة العاجلة لإنقاذ حياة مرضى الفشل الكلوي. من جهته أكد الدكتور عبد الكريم الديلمي مدير مركز الغسيل الكلوي أن حياة أكثر من 200 مريض بالفشل الكلوي من المستفيدين من خدمات المركز مهددة بالخطر، وأنهم باتوا معرضون للمضاعفات الكبيرة والموت المفاجئ في أي لحظة ما لم يتم التدخل بصورة عاجلة لتأمين جلسات الغسيل اللازمة لكل المرضى. لافتا إلى أن المركز يواجه صعوبات إضافية نظرا لعدم قدرته على استيعاب كافة المرضى الذين يقصدونه بشكل يومي من محافظة ذمار والمحافظات المجاورة.

*مشاكل أخرى*

يقول مرافقي المرضى في المركز أن احتياجات المرضى لا تتعلق بالمحاليل الطبية فقط، فهناك احتياجات أخرى مهمة كمادة الوقود الخاصة بتشغيل المولد الكهربائي الخاص بالمركز وخاصة مع انقطاع الكهرباء منذ ثلاث سنوات بسبب الحرب، حيث أن كل مريض بالفشل الكلوي يحتاج إلى 5 ساعات من أجل إتمام الغسيل، وكل جلسة غسيل تحتاج في اليوم على الأقل 20 لتر وقود في الساعة الواحدة. وهو نفس الحال الذي يقوله العاملين في المركز، ويضيفون: في ما يتعلق بمشاكل مرضى الفشل الكلوي فإنها لا تنحصر فقط في نقص المواد والمحاليل الطبية في مراكز العلاج، بل أيضا في تكاليف الأدوية التي يتوجب عليهم شراؤها من الصيدليات الخاصة بأسعار باهظة تفوق قدراتهم الشرائية والتي تراجعت بشكل مأساوي مع استمرار الحرب الذي قذف بأكثر من 85 % من السكان إلى دائرة الفقر والجوع.

*تقارير المنظمات تحذر*

تؤكد تقارير نشرتها عدد من المنظمات الدولية المهتمة خلال الأشهر الماضية أن الحرب الدامية في اليمن التي يشنها تحالف العدوان، أدت إلى حدوث دمار هائل في البنى التحتية والمنشآت الصحية، ولم تعد المستشفيات اليمنية قادرة على استقبال المرضى أو تقديم العلاج لهم لندرة الأدوية والمعدات الصحية المطلوبة.

وتشير هذه التقارير إلى أن الحرب تسببت أيضا بإغلاق أكثر من 600 منشأة طبية في اليمن والتي تعاني من حصار خانق من قبل التحالف السعودي منذ أكثر من عامين. وحذرت من أن الوضع الطبي في اليمن ينذر بكارثة، في ظل بقاء أقل من نصف مستشفياتها وعياداتها الطبية فقط مفتوحة أمام المواطنين. وقالت إن الانهيار الذي أصاب القطاع الصحي هو إحدى العواقب المباشرة للحرب في البلاد والقيود التي أصابت عمليات الاستيراد بالشلل لا سيما الأدوية والإمدادات الطبية الضرورية للغاية. وفي الآونة الأخيرة تزايدت التحذيرات من قبل المنظمات الدولية من تفاقم الوضع الإنساني في اليمن بما في ذلك مخاطر انتشار الأمراض والأوبئة وذلك مع استمرار العدوان وعدم وجود أي بوادر لإيقافها. وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن ثلاث سنوات من الحرب أدت إلى تحويل اليمن إلى أسوأ أزمة إنسانية من صنع البشر في عصرنا هذا، حيث يحتاج ثلاثة أرباع السكان إلى مساعدات إنسانية عاجلة للبقاء على قيد الحياة.