العدوان السعودي على المغتربين
المسيرة: إبراهيم السراجي
لم يكتفِ النظامُ السعودي بقتل اليمنيين وحصارِهم وتدمير مصانعهم والبُنَى التحتية، بل انتقل لمرحلة جديدة من الحرب الاقتصادية تمثّلت بترحيل عشرات الآلاف من اليمنيين العاملين في السعودية ممن يعملون في مهن بسيطة ويحصلون على أجور زهيدة ويأكلون من عَرَقِ جبينهم ولا يمثلون عالةً على النظام السعودي كغيرهم من المرتزِقة في فنادق الرياض.
في يناير الماضي، أعلنت السلطات السعودية أنها في إطار تطبيق قرار “سَعْوَدَة الوظائف” وقامت بترحيل 5700 أجنبي منهم 4390 يمنياً تم ترحيلهم خلال شهر واحد فقط، وهي نسبة تكشف بشكل واضح وجودَ استهداف للمغتربين اليمنيين بشكل خاص من بين عشرات الجنسيات المتواجدة في المملكة.
هذا الرقمُ ينطبِقُ على عمليات الترحيل المستمرة منذ نحو عام، كما تؤكد السلطات السعودية أن عملية الترحيل ستستمر، مضافاً إلى ذلك ما أعلنت عنه السلطات قبل أَيَّام عن قرارٍ بـ “سعودة” العمل في البقالات الصغيرة والسوبرماركت، بما يعني أن اليمنيين البسطاء العاملين في هذه المهن سيطالهم أيضاً قرار الترحيل، حيث تجاوز عدد من تم ترحيلُهم منذ بدء تلك الإجراءات أَكْثَرَ من 150 ألفَ عامل يمني.
وفيما تزعم السعودية أن تدخلها في اليمن يهدفُ لحماية اليمنيين فإن عمليةَ ترحيل العمال البسطاء وإعادتهم إلى بلدهم الذي تحاصره وتشن عليه حرباً اقتصاديةً يتنافى تماماً مع تلك المزاعم، إذ يعلق كثيرٌ ممن تطرّقوا لقضية ترحيل اليمنيين بأن السعودية كان يفترض بها استقبال اليمنيين كلاجئين لديها تزعُمُ أنها تحمي بلدهم وفقاً للقوانين الدولية الإنْسَانية، مشيرين إلى أن فكرة اللجوء غير واردة عند اليمنيين، إلا أن السلطات السعودية لم تقبل بقاء اليمنيين لديها وهم يعملون في وظائف بسيطة ويأكلون من عرق جبينهم، ومع ذلك لم تقدر ظروف بلدهم التي تسببت بها مع تحالف العدوان.
المغترب اليمني بين السجن والمطاردة
مأساة اليمنيين المتواجدين بالسعودية لم تتوقف عند عمليات الترحيل الجماعية، ولكنها تمتد وتتفرع، حيث يشكو كثير من المغتربين اليمنيين من أن المشاكل الاقتصادية في السعودية أَدَّتْ لتوقف عدد كبير من الشركات التي كانوا يعملون لديها والتي توقفت عن دفع مرتباتهم لعدة أشهر قبل توقفها فباتوا مطاردين من السلطات الأمنية؛ بحجة عدم تجديد الاقامات ودفع الرسوم المضاعفة بدلاً عن أن تقوم تلك السلطات بإلزام تلك الشركات بصرف مرتباتهم المتأخرة.
وفيما تطارد السلطات الأمنية آلافَ المغتربين اليمنيين فإن هناك الآلافَ منهم مَن يقبع حالياً في السجون، إذ أَكَّـدَ عشراتُ المغتربين وذووهم أن السجونَ السعوديةَ مليئةٌ بآلاف اليمنيين الذين عجزوا عن دفع الرسوم الخَاصَّـة بتجديد الإقامات والرسوم الجديدة المفروضة عليهم؛ بسبب احتجاز الشركات المتعثرة لمرتباتهم وتوقفها عن العمل.
رسوم قاتلة
إضافةً لمعاناة الترحيل، فإن آلاف اليمنيين ممن لم تشملهم تلك العملية باتوا يعانون من مشكلة أسوأ بكثير، إذ أن الرسوم التي فُرضت مؤخراً عليهم جعلتهم مستخدَمين بما يشبه “السخرة” لدى النظام السعودي، فعلاوةً على أن متوسطَ مرتبات اليمنيين في السعودية تتراوح بين ألفين إلى ثلاثة آلاف ريال، فإنهم باتوا مطالَبين بدفع ما يقرُبُ من مرتباتهم كاملةً كرسوم فرضتها السلطات.
الرسومُ التي أعلنت عنها وزارةُ المالية السعودية بشكل تصاعدي، بدأت في مطلع العام الماضي وتُلزِمُ المغتربَ بدفع 100 ريال شهرياً عن كُلّ مرافق، بمعنى أن المغترب الذي يصطحب معه زوجته وابناً واحداً أجبر على دفع 200 ريال شهرياً، ومع بداية العام 2018 بات على المغترب دفعُ 400 ريال شهرياً عن كُلِّ مرافق، فيما ترتفع في العام المقبل إلى 600 ريال ثم 800 ريال عن كُلّ مرافق بدءاً من العام 2020.
هذه الأعباءُ إلى جانب رسوم طالت كُلَّ شيء، بما فيها نسبة من التحويلات، جعلت المغتربَ اليمني الذي نجا من قرار الترحيل أمام خيار وحيد بمغادَرة السعودية طوعاً؛ كون مرتبه لم يعد كافياً لتسديد تلك الرسوم.
التجنيد الإجباري
استغلّت السعوديةُ التي صنعت مأساةَ اليمنيين، الأوضاعَ التي يعيشها اليمنُ وقرار الترحيل لإجبار آلاف اليمنيين المشمولين بقرار الترحيل، بالتجنيد في معسكرات بنجران وجيزان؛ تمهيداً للدفع بهم؛ للقتال نيابةً عن جيشها في الحدود.
وفي وقت سابق كشف موقعُ المراسل نت نقلاً عن مصادر مطلعة أن السلطات السعودية اعتقلت المئات من المغتربين اليمنيين ونقلتهم إلى معسكرات خَاصَّـة في جيزان وخصوصاً معسكر العارضة التابع للواء السادس حرس حدود الذي يتواجدُ فيه القيادي العسكري الموالي للسعودية، حسين حسان الغمري، ويُشرِفُ على إخضاع المغتربين لدورات قتالية إجبارية؛ تمهيداً لإرسالهم للقتال في جبهات الحدود.
وَأَكَّـدَ ذلك عددٌ من المنظمات دولية أُخْـرَى، وأشار المرصد الحقوقي الدولي إلى أنه تلقى إفاداتٍ من يمنيين قالوا إن الحملة التي أطلقتها السلطات السعودية باسم “وطنٌ بلا مخالف” أَدَّتْ كذلك إلى اعتقال عشرات منهم، حيث جرى نقلُهم قسرًا إلى معسكرات التجنيد؛ للقتال في جبهات الحدود نيابةً عن الجيش السعودي.
حكومة المرتزقة ضد المغتربين
الفارُّ هادي وأعضاءُ حكومته وكما باعوا اليمن للعدوان فقد فعلوا الأمرَ ذاتَه مع قضية المغتربين اليمنيين في السعودية، فالفار علي محسن الأحمر علّق على هذه القضية بالقول “نحن نؤيد وندعم القوانين في المملكة السعودية؛ لأن قوانينها أمنٌ للمملكة وأمنٌ لنا والمغترب اليمني هو جزء لا يتجزأ من مواطني المملكة؛ كونه ساكناً فيها”.
أما وزير المغتربين بحكومة المرتزقة “علوي بافقيه” فلم يكتفَ بتبرير قرار ترحيل اليمنيين، بل حرّض عليهم قائلاً إن “غالبية اليمنيين في المملكة غيرُ مؤهلين، ومعظمُهم يأتي من مناطق الحوثيين”، هذه العبارة بدا وكأنه تم تعميمُها على قيادات المرتزقة؛ لتبرير ترحيل اليمنيين؛ ولذلك كرّرها بشكل متطابق القياديُّ بحزب الإصلاح المرتزق عبدالله صعتر.
مخالفة اتفاقية الطائف
المرصدُ الأورومتوسطي الدولي لحقوق الإنْسَان أدان قيامَ السلطات السعودية بترحيل اليمنيين، وتطرَّقَ إلى مخالفتها لاتفاقية الطائف الموقَّعة مع اليمن.
وقال المرصدُ الدوليُّ: إن “السعودية لم تأخُذْ بعين الاعتبار تدهورَ الأوضاع الإنْسَانية التي خلّفتها الحربُ المندلعة على اليمن منذ مطلع العام 2015 والتي تعد السعوديةُ طرفًا رئيسًا فيها”.
وأشار المرصد إلى أن اتفاقيةَ الطائف الموقَّعة بين اليمن والسعودية “تقضي بأن يعامَلَ اليمني في السعودية معاملةَ السعودي في معظم ما يتعلق بالجوانب الخَاصَّـة بالإقامة والعمل، وهو ما يجعلُ ترحيلَ اليمنيين، حتى أولئك الذين لا ينطبق عليهم وصف اللاجئ، مخالفًا للاتفاقية بين اليمن والسعودية”.