بين شرارة ونارة
بقلم / أشواق مهدي دومان
ما رأيتني ألا أبكي وما رأيتني ألا أصرخ بـ :
الله أكبر……..
مارأيتني إلا أعلي صوتي : هذه مدرسة محمّد.
هؤلاء هم خريجو مدرسة المسيرة القرآنية.
هذا هو نحن، هذه هي المدرسة الحضاريّة التي كتبت وشرحت معانيا عظيمة بصمت، وما أبلغ الصّمت حين ترك ذلك الليثُ الكلامَ والفوضى لرصاصاتهم و شراراتهم و نيرانهم التي أخطأت كلّها بعشوائيتها وغزارتها، و أصاب وحده في وفائه، في جهاده، في بذله، في رجولة منقطعة النّظير، رجولة عليّ بن أبي طالب حين نام في فراش سيّدنا محمّد، وهو يعلم أنّ فتية كفّار قريش تتربّص به ريب المنون، وقد تحالفوا لقتل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فعلم بذلك فتحدّاهم وهو يعلم مدى خطورة موقفه، وقراره الخطير في أن يضحّي بنفسه رخيصة من أجل أن يبقى الإسلام كلّه الموسوم والمحمول على كاهل محمّد بن عبد الله ( صلّى الله عليه وآله ) الرّسول المهاجر (وكلّ أنبياء ورسل الله هاجروا فرارا وانتصارا لقيمهم ودينهم )..
رسول الله الذي هاجر من دياره حين اشتدّ عليه الظلم، وضاقت به الأرض، وكان الغريب بين عشيرته؛ فهاجر إلى ديار قوم ليسوا بأهله، ولكنّ الغربة ليست غربة الأهل والدّار بل غربة الرّوح والفكر، فأهل طيبة، وهم من هاجر إليهم رسول الله جريح الفؤاد، مكلوم الرّوح، لم يكتفوا بإخفائه عن أنظار قومه المتخبّطين في كفرهم، المتآمرين لاغتياله، بل فتح الأنصار قلوبهم و آووه في ساعة عسرته، وما أقساها من لحظات يلتئم جرحها في تلك الحفاوة منهم برحمة الله، بنور الله، بحبيب الله، فغنّت منهم له القلوب والأفواه فرحة بذلك الضّيف الفريد من نوعه، وقد أنشدوه قائلين :
طلع البدر علينا من ثنيّات الوداع، وجب الشّكر علينا ما دعا لله داع..
نعم : تدافعت، وتدافقت، وتسابقت دموع العين نشوة وفخرا ورهبة وهيبة لموقف يذهل منه كلّ مرتزق عمّا كسبه من أموال الارتزاق ؛ فتاه وضاع بين أقدام ولاة أمره من بني سعود إلى بني نهيان إلى بني رعاة البقر إلى بني إسرائيل، ويضع كلّ عميل خائن مشروع عمالته ؛ فقد عجز أن يكون رجلا ولو لمرّة واحدة فكلهم ( أي : المرتزقة) يبيع بعضهم، بينما يتسامى ذلك الرّجل في ساحة الموت يمضي بخطوات واثقة، وعلى كتفه صديقه ورفيق دربه في الجهاد،، يمضي ذلك المحمّدي الحيدري واثقا بالله، وفيّا، متفانيا، مخلصا لا يأبه لطلق رصاص ولا يهزّ له رمش تسابقُ رصاصات ونيران المرتزقة من بين يديه ومن خلفه فقد أغشاها الله فهي لا تبصره حين حمل هذا الهمام بين جنبيه قلب محمّد بن عبدالله، وسابق النّيران المصوّبة نحوه كما صوّب كفار قريش سهامهم لصدر رسول الله الأعظم، فكتب الله له حياة المجد ليس لأنّه نجا من اصطفاء الله له شهيدا فذاك قراره وتلك أمنيته، وهو أعلم بعشقه الأسمى لله، ولكن حياة المجد له تمثّلت في أخلاقه الأعلى حين فضّل وضع روحه في دائرة الاستهداف من نيران المنافقين لهدف أخلاقي وجداني رفيع هو إنقاذ رفيقه الجريح، فيا ليث المسيرة الهصور أخبرني بالله عليك، لو وصلت حروفي المنحنية لرجولتك، وأخلاقك، وثقافتك الفدائية إلى مسامعك أو مرّت حروفي بين عينيك الطّاهرتين، أخبرني :
أيّ قلب تحمل بين حناياك ؟
أي حضارة مثّلتها أمام من لا حضارة لهم ؟!
وأيّ عملاق أنت لتتحدّى الهلاك المتشابك الخطوط بين قذيفة ورصاصة؟!
وأي شجاعة وأي إيثار وأي وفاء وأي قيم وأي بيع لله طابت له نفسك الزّكيّة لتعاند وتنتصر على كيدهم، ومكرهم ؟!
أخبرني ما فصيلة دمك التي تحملها لأتمنى أن تتبرع بقطرات منها فنحقن المرتزقة بجزء منها لعلّهم يكونوا رجالا مثلك، و لعلّ نقطة دمك تنظّف دياثة في دمائهم، وتعيد لهم رجولة فقدوها يوم باعوا وطنهم بدولارات وريالات وقد ظنوا بها وبكرفتاتهم أنّهم الأعلون، وما عرفوا أنّها زادتهم سقوطا وانحطاطا ؛ فقد باعوا وطنا برجاله و نسائه و أطفاله، وشجره وحجره، وما حملوه فوق ظهورهم في حين كنت أنت الوطن الذي حمل مواطنا مجاهدا على كتفه دون أن تتقاضى فلسا واحدا ولكنّه بيع وصفقة عقدتها مع ملك السّماوات السّبع والأرضين !!!!!!
فبالله أخبرني، حين كنتَ بين شرارة ونارة :
هل نازعك خوف على روحك من قنصهم ؟
هل شعورك بجراح وألم صديقك أعظم من شعورك كبشر عادي برهبة؟ فقد هزمتَ الخوف في روحك وانتصرت للثّقة بالله، وقد تركتَ ودست على كلّ زلزلة لنفسك البشريّة ومضيتَ واثقا كأنّ لك من يحرسك و يقارع نيرانهم التي تختلف عليك وتأتمر عليك لتقتلك، فكنتَ الصّلب في أرض غير الأرض، وفي تراب غير التراب، وفي دنيا أوشكت على الرّحيل، لقد انتصرتَ بالله على أسلحتهم وأنت الأعزل في تلك اللحظة، احترتُ و حارت حروفي فرأيتها اعتزلتني يوما فلم أجد منها ما يليق بتصوير قيمك التي انتصرتَ بها حين رأيت ذلك المشهد الذي طالما سمعناه من مواقف رجال الله الذين استشهدوا ليس في اقتحاماتهم، فقد اقتحموا وانتصروا، ولكن في لحظات وفائهم لأصدقائهم ورفقاء بطولتهم، فبطل استشهد وفاء لإنقاذ جريح، وبطل استشهد لحمل شهيد.
نعم : احتارت حروفي وصمتت حين نطق مشهد أرسى ثقافة محمّد رسول الله و صديقه عليّ بن أبي طالب، ثقافة أنعشها الدّم المحمدي العلوي الذي سكب من شرايين الشهيد القائد السّيّد / حسين بن البدر الحوثي، فهو من وثّق عرى التّواصل بين زمننا و زمن صاحب القرآن ( جدّه رسول الله) بمسيرته الدّاعية للاعتصام بالقرآن فهو حبل الله المتين ..
نعم : المسيرة القرآنية هي الجامعة التي أوضحت، وشرحت لي كلّ شيء عن ذلك الثبات، والرجولة والإخلاص، والتفاني، والحبّ المقدّس بين رجال الله، حبّا ارتقى عن هذه الدّنيا، حبّ الله وهو من رسمه، فحبّ محمد وعترته، حبّ للقرآن الساري في أوردة وشرايين الملتحقين بصفوف الشرف والكبرياء، فكانت المسيرة القرآنية هي المشروع الأخلاقي الحضاري المجدّد لما حاول الوهابيون تحت إدارة الماسون أن يدفنوه بتكفيرهم لكلّ مناد للقرآن وبعده مباشرة العترة، حين قال الرسول الأعظم:
” تركتُ فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي : كتاب الله وعترتي ” .
أيّها البطل: أأنت من كتب سيناريو تلك اللقطة من وحي محمّد وعليّ والحسن والحسين وزيد، أم أنّك أخذتَ ذاك المشهد من وحي مسرحيات شكسبير، وملاحم عنترة بن شدّاد، وأساطير آلهة النّصر الإغريقيّة، حين لم يكن ذلك التراب الذي مشت عليه أقدامك الواثقة إلا يمانيّا، طيّبا، طهورا، ولم تؤدِ الدّور في استديوهات هوليود ولم يخرجه مخرجو ناطحات سحاباتهم الأقزام، فقد كنتَ البطل الأشعث الأغبر المتبردق وهم الحاقدون المارقون الجبناء، مَن حرّضوا في ثقافاتهم على كلّ حرّ في الأرض، فلم تخلُ عقيدتهم من دمار، وإفساد في الأرض أبرزتها أفلامهم، وكتبهم وأبحاثهم، وحتّى ألعاب الأطفال البلاستيشن وغيرها فيها تحريض على قتل الآخر وسحقه، وأنانيته، ولهم أسأل:
هل وصلتم بتكنولوجيا صناعاتكم واختراعاتكم لمعنى قوله تعالى: “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة” ؟!!!
أم أنّ تلك القيم الأخلاقيّة الحضاريّة لم ترِد في بروتوكولاتكم وفرماناتكم، وإنّما هي أخلاق أنبياء ورسل الله ومن آمن بهم، فكان سرّ انتصاراتهم بادئا ذي بدء، هو انتصار أخلاقي بينما أنتم- أيّها المعتدون – مهزومون، منهزمون أخلاقيّا في عدوان تسفكون فيه الدّماء على مدار ألف يوم ومائة بلا إنسانيّة و قد غلبت عليكم وحشيّة بني كِلب، و لا زلتم تجرّون أذيال خيبتكم وهزيمتكم بفخر صناعتكم السّلاحية الساقطة المنهزمة تحت أقدام مثل ذلك الرّجل الحضاريّ، فالحضارات لا تقاس بالحديد والنّار ولكن بالقوة والبأس الشّديد، وهذا منطق لايفقهه عرابيد الارتزاق وولاة أمرهم، فهو خاصّ بالقرآنيين لا بالسّلمانيين ولا الترامبيين ولا النهيانيين ولا السعوديين ولا أكبر عميل لهم، فلتكفّوا غطرستكم فأنتم منهزمون، وأمّا النّصر فللحضّاريين ولا حضارة إلّا بالقرآن، “وما النّصر إلّا من عند الله “.