الخبر وما وراء الخبر

غير صحيح، بل باطل أن يقال بأن أهل الحق دائماً يكونون مستضعفين

108

غير صحيح، بل باطل أن يقال بأن أهل الحق دائماً يكونون مستضعفين، وأن من هم على الحق -دائما – يكو نون ضعافا، وأن شأن الدنيا هكذا، إن هذا منطق من لا يعرفون كيف يقدمون الحق، منطق من لا يزالوا في ثقافتهم هم فيها الكثير من الدخيل، من الضلال من قبل الآخرين، أيُّ منطق هذا أمام قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (الإسراء:81)؟ إن الباطل كان زهوقاً بطبيعته، لا يستطيع أن يقف إذا قدم الحق.

من الذي يمكن أن يقدم الحق؟ هو من يسعى دائماً لأن يطلب من الله أن يبلغ بإيمانه أكمل الإيمان، عندما تكون متعبداً لله حاول دائماً أن تدعو الله أن يبلغ بإيمانك أكمل الإيمان، حاول دائماً أن تبحث عن أي جلسة عن أي اجتماع عن أي شيء يكون مساعداً لك على أن يبلغ إيمانك أكمل الإيمان.

قد يرضى بعض الناس لنفسه حالة معينة فلا يرى نفسه محتاجا أن يسمع من هنا أو من هنا، ويظن بأن ما هو عليه فيه الكفاية وانتهى الأمر! لكن وجدنا كم من هذا النوع، أعداداً كبيرة لا تستطيع أن تزهق ولا جانباً من الباطل في واقع الحياة، وفي أوساط الأمة. إذا كنت طالب علم فلا ترضى لنفسك بأن تكتفي بأن تنتهي من الكتاب الفلاني والمجلدات الفلانية، والفن الفلاني وانتهى الموضوع، وكأنك إنما تبحث عن ما يصح أن يقال لك به عالم أو علامة.

حاول أن تطلب دائماً، وأن تسعى دائماً بواسطة الله سبحانه وتعالى أن تطلب منه أن يبلغ بإيمانك أكمل الإيمان.

كم في هذه الدنيا, وكم في أوساطنا من الكثير من نوعيتنا الذين نحن ندعي الإيمان، ولكنا نجد أن من يستطيعون أن يغيروا في واقع الحياة هم العدد القليل جداً من المؤمنين: أولئك الذين يسعون لأن يبلغ إيمانهم أكمل الإيمان، ويدعون الله أن يبلغ بإيمانهم أكمل الإيمان, وإلا فالمؤمنون – إن صح التعبير – أو أدعياء الإيمان من نوعيتنا كثير، ومعنى أننا ندعي الإيمان أننا نمتلك الحق، لكن ما بال هذا الحق الذي معنا لا يستطيع أن يزهق أي شيء من الباطل؟! {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (الإسراء:81) لماذا لا يكون الباطل زهوقاً أمام الآلاف من مدعي الإيمان في مختلف المناطق؟

لماذا يكاد الحق يزهق من أنفسهم هم؟ ناهيك عن أن يزهقوا الباطل من نفوس الآخرين أو من واقع الحياة، ربما لأننا جميعاً مؤمنون من هذا النوع الذي يرضى بأن يرسم لنفسه خطاً معيناً لا يتجاوزه فيصبح ذلك الخط هو المانع له دون أن يزداد معرفة، دون أن يزداد هدى، هو الحاجز الذي يمنعه أن يبحث عن أي مصدر للهداية، أن يحضر في جلسة معينة، في مسجد معين, يستمع لشريط معين، يتدبر كتاب الله بشكل جدي, يقرأ صفحات هذا الكون, وما أكثر ما يفيد الإنسان النظر في هذا الكون, وتأملات حياة الناس في هذا العالم, وأحداث هذا العالم! ما أكثر ما تصنع من إيمان في نفسك!

هل أحد منا يرى أن بينه وبين الإمام زين العابدين عليه السلام نسبة في فضله، في إيمانه، في كماله، في عبادته في تقواه؟ الفارق كبير جداً بيننا وبينه، لكنه هاهو يقول ويدعو الله سبحانه وتعالى. لماذا يدعو من الله سبحانه وتعالى؟ لأن الإنسان – أحيانا – قد يعتقد بأنه قد اطّلع علي مصادر الهدي كلها.

الإنسان بضعف إدراكه ومعرفته المحدودة – حتى وإن كان جاداً – يبدو له وكأن مصادر الهدى كاملة قد قدمت إليه وانتهى الموضوع, فلا يفكر أن يبحث أو أنه بحاجة إلى المزيد، هذه حالة تحصل عند الناس لكن ارجع إلى الله هو الذي يعلم أنك بحاجة إلى المزيد ليرشدك هو إلى المزيد, وإلى المزيد من مصادر الهدى والمعرفة والإيمان.

لا تقل في نفسك: يكفي، يبدو أنني قد فهمت من خلال شهر معين من خلال سنة معينة من الدراسة، يبدو قد فهمت كل شيء وأصبح ما في نفسي كفاية، بل تحاول دائماً طول حياتك، طول حياتك وكلما تقرأ كتاب الله تدعو الله دائما أن يهديك بكتابه، وأن يوفقك لفهم كتابه لتزداد إيمانا، تزداد إيمانا، تزداد إيمانا.

حتى وإن وصلت إلى درجة أولئك: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}(الأنفال: من الآية2) وهل نحن وصلنا هذه؟ لا نزال بعيداً {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ} يذكره أحد عندهم{وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} تضطرب، ترتجف خشية من الله وخوفا منه، هل قد وصلنا إلى جزء من هذه الدرجة؟ لا.

إذاً لا يزال الطريق طويلا داخل أنفسنا لنصل بها إلى هذه الدرجة إن شاء الله.

{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(الأنفال: من الآية2) ثلاث صفات مهمة جداً: خوف من الله، خشية من الله، اشتياق إلى الله توجل له القلوب، حرص على الهداية، معرفة لعظمة وقيمة الهداية فيزدادون إيماناً كلما تتلى عليهم آيات الله، وكلهم ثقة بالله، ثقة قوية بالله, يتوكلون على الله {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.

لا نزال دون هذا المستوى في المجالات الثلاثة كلها, أليس كذلك؟.

قد يقول البعض: [الحمد لله والله إن كل منا يعرف ما له وما عليه، وقد سمعنا الذي فيه الكفاية ويكفي، وسنمشي على الذي قد فهمناه وانتهى الموضوع]. حاول دائماً، دائماً،دائما، هكذا, ومتى رأيت نفسك أنك ترى أنه ليس هناك شيء من مصادر الهداية إلا وأنت قد استكملته فاعرف بأن معرفتك قاصرة، فارجع إلى الله هو من لا يزال يعلم بأن هناك الكثير، الكثير مما أنت بحاجة إليه في ميدان الهداية وتقوية إيمانك، كـ[زين العابدين] من كان قمة في العبادة والتقوى, والفهم لكتاب الله سبحانه وتعالى, فلا يزال يقول: ((اللهم بلغ بإيماني أكمل الإيمان)).

إذا كنا لا نزال نحتاج إلى من يوجهنا، من يدفعنا إلى أن تكون نفوسنا فيها ذرة من روح الجهاد الذي هو من أعظم ما تناوله القرآن الكريم من أعمال المؤمنين فنحتاج إلى من يدفعنا ويشجعنا ويوعينا ويفهمنا، ونحتاج إلى بعضنا البعض، أليس هذا يدل على أننا ما نزال هابطين كثيراً؟ أين نحن من درجة أن تكون هذه مسألة مفروغ منها عندنا، فنحن الذين ننطلق إلى الآخرين، ننطلق إليهم لنجعلهم هم من يحملون الروحية التي نحملها؟ ألسنا لا نزال بعيدين عن هذه؟

ما أكثر المتوجسين فينا ممن لم يصل إلى درجة أن يقطع على نفسه إلزاماً بأن يثقف نفسه بثقافة القرآن بما فيها أن يحمل روحية الجهاد التي يريد القرآن منه أن يحملها! لا نستطيع – وأنا واحد منكم – أن نقطع بأننا وصلنا إلى هذه الحالة.

[ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

في ضلال مكارم الأخلاق – الدرس الأول / ص – 3 – 4.

القاهاالسيد/ حسين بدرالدين الحوثي / رضوان الله عليه.