إلى أين وصلت قضية أطفال يهود اليمن ؟
تعود قضية اختفاء الأطفال اليمنيين اليهود في خمسينيات القرن الماضي إلى الواجهة من جديد، عندما بدأت “اسرائيل” بممارسة التمييز العنصري ضد اليهود الشرقيين وبالأخص العرب منهم أو حتى القادمين من إسبانيا وبلغاريا.
ورغم أن اليهود الشرقيين يشكلون نصف السكان اليهود في “إسرائيل”، إلا أن التمييز ما زال يمارس ضدهم إلى الآن، في ظل تنامي المعتقد السائد لدى اليهود الغربيين بأنهم الأفضل، سواء من أبناء ديانتهم الواحدة، أو الشعوب الأخرى.
وقبل أيام؛ تفاعلت قضية اختفاء نحو ألف من أطفال يهود اليمن الذين قدمت عائلاتهم منذ إنشاء دولة الاحتلال مطلع الخمسينيات، وسط مطالبات بمعرفة مصيرهم.
ويعتقد أن هؤلاء الأطفال اختطفوا من قبل الجهات الرسمية الإسرائيلية لتتبناهم عائلات يهودية من أصول أوروبية، تحت ذريعة أنهم توفوا بالأمراض المعدية دون أن يتسلم ذووهم جثامينهم أو حتى شهادات وفاة.
وتقول السلطات الإسرائيلية إن الأطفال توفوا، لكن العائلات تشكك في الرواية وتقول إن قبورهم المفترضة وهمية، وكان الهدف منها إخفاء حقيقة اختطاف الأطفال وبيعهم لعائلات يهودية من أصول أوروبية وأميركية، بعلم السلطات الإسرائيلية وتشجيع منها.
ووافقت النيابة العامة في “إسرائيل” أخيرا على طلب عائلات يهودية من أصول يمنية فتح قبور تعود لأطفالها لإجراء فحص الحمض النووي والتأكد من أن الجثث المدفونة هي للأطفال أنفسهم.
وبحسب مختصين، لا يمكن عزل قضية اختفاء أطفال يهود اليمن، عن العنصرية والتمييز التي تمارس ضد اليهود الشرقيين في المجتمع الإسرائيلي، إذ أن ظروفا قاسية عاشها “الشرقيون” على يد الحركة الصهيونية مطلع الخمسينيات، خاصة ضد أولئك القادمين من اليمن.
ويصف محللون العنصرية في “إسرائيل” اليوم، بأنها أكثر فظاظة، ولا تطال اليهود الشرقيين فحسب، بل وصلت إلى كل من هم خارج “القبيلة الغربية البيضاء” من شرقيين وفلاشا وعرب.
وفي تأصيل تاريخي، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية أليف صبّاغ، إن اليهود الشرقيين مصطلح يطلق على مجموعتين من اليهود، الأولى إسبانية تسمى بالعبرية “اسفارديت”، وسكنت “الأندلس”، وتعود جذورها إلى أصول أمازيغية من شمال أفريقيا، وتشمل بعض يهود بلغاريا ورمانيا وتركيا، أما الثانية فهي مجموعة عربية من أصول يمنية.
ولفت صباغ إلى أن باقي اليهود يطلق عليهم “الأشكناز” أي الغربيين، وهم من قدموا من أوروبا أو أمريكا وشكلوا الحركة الصهيونية التي حملت فكر الحركات الاستعمارية التي تشكلت في أوروبا الغربية، والتي تعتبر أن الإنسان الأبيض أفضل من مثيله الأسمر كاليهود الشرقيين ذوي البشرة الداكنة.
وأوضح صبّاغ ” أن الحركة الصهيونية كانت تنظر بنظرة استعلائية لليهود الشرقيين باعتبارهم من أصول عرقية مختلفة، وكانت دائما تتهمهم بالجهل والتخلف.
وأضاف أنه مورس التمييز ضد اليهود الشرقيين منذ أن قدموا إلى فلسطين المحتلة بعد 48، وجرى التعامل معهم كـ”الحيونات”، إذ جرى إيداعهم في مخيمات خاصة بهم قريبة من المدن أطلق عليها “معبروت”، (مناطق انتقالية تمهيدا لنقلهم للمستوطنات الدائمة)، وجرى رشهم بمواد ومبيدات للحشرات خشية نقل الأمراض المعدية.
وتابع: “انعكس التمييز على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد ومورس ضد الشرقيين تمييز في المدراس، وأماكن العمل والمناصب السياسية وحتى الرواتب المعطاة لهم في الوظائف، وظل هذا الفارق موجودا إلى الآن في الأحزاب السياسية، فمثلا حزب العمل تاريخيا يحتقر اليهود الشرقيين ولا يقبل بانضمامهم إليه”.
وبحسب صباغ فإن التمييز وصل إلى الديانة، فاليهود المتدينون “الحريديم” يفصلون بين الشرقيين والغربيين في المدراس الدينية من منطلق أن الشرقيين أدنى مستوى من الغربيين وأبنائهم، على اعتبار أن اليهود المتدينين يدركون جيدا المفهوم العرقي لليهود الشرقيين ويتعاملون بتمييز وفوقية معهم.
وفي هذا الصدد أشار إلى أن اليهود الغربيين يمارسون عنصرية ضد الشرقيين وتنمو فيهم عنصرية أكبر تجاه العرب لزرع الكره والحقد تجاه شعوب المنطقة. ولفت إلى أن تمنية الكره لدى الشرقيين تظهر جليا “حينما تجد اليهود الشرقيين المنخرطين في الجيش، أكثر عنفا وعنصرية مع الفلسطينيين من نظرائهم، وذلك حتى يثبتوا ولاءهم للدولة، وكنتيجة للعنصرية التي تمارس عليهم من الغربيين وتدفعهم لممارسة العنصرية ضد الآخرين”.
وفيما يتعلق بملف اختفاء أطفال يهود اليمن قال صباغ: “ليس فقط أطفال اليهود اليمنيين من تم اختطافهم وإخفاؤهم، بل هناك وبنسبة أقل يهود شرقيون ليسوا يمنيين جرى اختطاف أبنائهم”.
وحول مصير من اختطف من الأطفال قال: “كان يتم خطفهم وبيعهم للأغنياء من اليهود الغربيين، والهدف بدا في أول الأمر تجاريا، ولكن المعلومات التي توفرت فيما بعد تشير إلى أنها عمليات ممنهجة، حيث كانت هناك شبكة منظمة في المستشفيات تقوم بهذه العمليات بشكل مدروس موجه”.
وأشار إلى أن “إسرائيل” تسرب معلومات حول حقيقة ما جرى في هذه القضية بعد مرور عقود من الزمن عليها، ولا تريد الإفصاح بشكل كامل عما جرى، خشية حدوث صدمة اجتماعية عنيفة داخل المجتمع الإسرائيلي، وقد يكون لها أبعاد سياسية خطيرة.
واتفق المختص في الشأن الإسرائيلي نظير مجلي مع صباغ في أن العنصرية ضد يهود الشرق ما زالت تمارس إلى الآن في “إسرائيل”، لكنها بوتيرة أقل من السابق.
وقال مجلي إن “الشرقيين” مروا بفصول من المعاناة على يد “الأشكناز” وبالذات اليهود اليمنيين الذين مورس عليهم تمييز كبير.
وتابع قائلا: “ربما هذا ما يفسر تعرض أطفالهم على وجه التحديد لعمليات اختطاف إذ أن منح هؤلاء الأطفال للأغنياء من اليهود الغربيين كان بحجة أنهم (يهود اليمن) لا يستحقون أبناءهم، ولا يستطيعون إعالتهم كونهم ينجبون بكثرة”.
وأشار مجلي إلى أن عمليات الاختفاء التي زعم أنها حالات وفاة لم تكن موثقة، إذ أن الأطفال كانوا ينقلون إلى المستشفيات كمرضى، ومن ثم يبلغ أهلهم بموتهم دون إعطاء وثائق وفاة أو جثث.