الخبر وما وراء الخبر

واشنطن تبحث في ذريعة الكيماوي السوري الأخيرة

44

أعلن وزير الدفاع الأمريكي أن بلاده تدرس تقارير بشأن استخدام الحكومة السورية لغاز السارين ، مضيفا أنه لا يملك أدلة على استخدامها، وأن بلاده في حال البحث عنها، هذه التصريحات تأتي بعد يوم واحد من تصريحات مشابهة لمسؤول كبير في البيت الأبيض ادعى فيها أن الحكومة السورية و تنظيم “داعش” يواصلان استخدام الأسلحة الكيميائية، ملمحاً إلى امكانية ان تشن أمريكا ضربات عسكرية ضد الدولة السورية.

طبعا تماهت بعض وسائل اعلام الجماعات المعارضة مع التصريح الأمريكي، وبدأ الحديث عن حالات اختناق تعرض لها بعض سكان الغوطة الشرقية، نتيجة سقوط أربعة صواريخ مزعومة من مناطق الدولة السورية على منطقة دوما في الغوطة الشرقية، تسببت بنقل ثلاثة أشخاص إلى المستشفى.

هذه الاتهامات الأمريكية للدولة السورية باستخدام الأسلحة الكيميائية كما نعلم هي ليست الأولى خلال سنوات الأزمة السورية، وكان آخرها، ما قيل حينها بأنه غارات بغاز السارين استهدفت مدينة خان شيخون في ريف إدلب في نيسان/أبريل 2017، وتسببت بمقتل عدد من الضحايا، و اتخذتها الإدراة الأمريكية ذريعة لقصف مطار الشعيرات العسكري وسط سوريا.

إلا أن القاسم المشترك بين جميع هذه الحملات الاعلامية والاتهامات، هي أنها تأتي دائماً تزامنا مع تحقيق إنجازات هامة للدولة السورية وحلفائها، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، وبالتالي تجد أمريكا نفسها مضطرة للتدخل لصالح الجماعات المسلحة بهدف فرملة هذه الإنجازات.

توقيت التصريحات الأمريكية الأخيرة والتلويح بشن ضربة عسكرية لم يكن مستغربا وفق مراقبين، إذ أن أحداث الميدان خلال الفترة القليلة الماضية جاءت جميعها في مصلحة الدولة السورية، وضد المصالح والأهداف الأمريكية، حيث أن إفلاس الإدارة الأمريكية في الملف السوري، وضعف نفوذها في المنطقة ككل، يدفعها بين الحين والآخر لاتخاذ خطوات تصعيدية سعيا منها لإعادة خلط الأوراق بما يتوافق مع مصالحها.

فتقدم الجيش السوري السريع في ريف إدلب وريف حلب الجنوبي وسيطرته على مطار أبوالظهور العسكري الاستراتيجي، وفتح معركة سراقب، في ظل انهيار سريع للجماعات المسلحة وجبهة النصرة التي تشهد خلافات داخلية كبيرة مع بقية الفصائل، يبشر بقرب تعافي الدولة السورية وبسط سيطرتها على معظم المحافظات السورية، وهو ما لا تريده أمريكا وتحاول جاهدة أن تتجنبه. كما أن نجاح مؤتمر سوتشي الشعبي الذي انعقد في روسيا، حمل دلالة واضحة على زيادة الدور الروسي في المنطقة التي أرادت لها أمريكا أن تغرق في المستنقع السوري، إلا أن التنسيق الروسي الجيد مع الحكومة السورية وكل من الجمهورية الاسلامية الإيرانية وتركيا، حال دون تحقق الهدف الأمريكي.

أما الورقة الأخيرة التي كانت تأمل أمريكا منها أن تحافظ على موطئ قدم لها في سوريا، أي الورقة الكردية، فقد بدأت تفقد بريقها في ظل العدوان التي تنفذه تركيا مع الفصائل التابعة لها على منطقة عفرين السورية، حيث كان من نتائج هذا العدوان تعميق الوحدة الوطنية بين مكونات الشعب السوري من كرد وعرب، وتزايد الاعتقاد لدى المكون الكردي بحاجته إلى عمقه السوري، وهو ما بدا جليا في الدعوات التي وجهتها وحدات الحماية الكردية للدولة السورية للدخول إلى عفرين والدفاع عنها. كما أن الممارسات الوحشية من قبل الفصائل المسلحة التابعة لتركيا في حق الكرد، وهو ما تجلى في حوادث تنكيل وتمثيل بجثث المقاتلين الأكراد، كان له دور في فضح الجماعات المسلحة لدى الشعب السوري، وبالتالي زيادة الايمان بضرورة الالتفاف حول الدولة السورية.

ما تبحث عنه أمريكا اليوم حسب تصريح وزير الخارجية الأمريكي هو تجهيز الأدلة التي يراد منها أن تكون الذريعة لشن ضربات عسكرية جديدة على سوريا، وهو ما أصبح معلوما لدى الجميع، والسؤال المطروح في أي بلدة من الأرض السورية ستقام هذه المسرحية هذه المرة؟ ومن هم النساء والأطفال الذين سيتواجدون –بالصدفة- أمام عدسات الكاميرات وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة؟ وكم من الأبرياء سيذهب ضحية ألاعيب أمريكا الجديدة؟ إلا أن الثابت في خضم هذه الأحداث أن التصرفات الأمريكية دليل على الافلاس، ومدى القلق الذي تستشعره أمريكا من انتصارات الجيش السوري وحلفائه.