الخبر وما وراء الخبر

حزب الإصلاح اليمني: حتى الأقنعة تشعر بالتعب

64

الوقت التحليلي- بين فينة وأخرى يستريح نفاق الوجوه النرجسية، فالأقنعة أيضا تشعر بالتعب من فرط تناقض الأحداث وتتابعها المتسارع. مواقف تأتي وتغادر أخرى ومعها النقيض، حتى وإن وصفت تقلبات السياسة بالمرونة والمطاطية، إلا أنها لا تنطلي على دهاة الساسة ووعي الجمهور.
بداية الإستعمار
منذ بداية العدوان على اليمن سارع حزب الإصلاح بتأييده ومباركة تدخله الذي أسماه بالمنقذ والمخلّص، ولأن الحزب يستند على إيديولوجية دينية وقواعد تؤمن بالطاعة والتسليم، فقد انخرطت كل التكوينات الداخلية للتنظيم في فلسفة مناصرة العدوان والتعاون معه ورفده بالعمالة والمقاتلين. وبالرغم من المجازر اليومية التي يرتكبها تحالف العدوان، وكذالك النيران الصديقة التي تفتك بأنصاره من حزب الإصلاح في مختلف الجبهات؛ إلا أن سياسة الحزب لم تتغير ولم تحيد قيد أنملة عن رغبات التحالف ونزواته.
ونهايتة
في ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م، دخلت “أنصار الله” صنعاء دون مقاومة من ميليشيا الإصلاح التي أعدت لهذا الخصوص، وبررت قيادات الإصلاح هذا الموقف يومها بإنه يأتي في إطار حقن الدماء اليمنية والحفاظ على السلم اليمني، وبادر حزب الإصلاح إلى توقيع إتفاق السلم والشراكة، والجلوس على طاولة الحوار. لكن منذ اللحظة الأولى لانطلاق العدوان على اليمن لم يعد هذا الحزب يؤمن بحقن دماء اليمنيين ولا يكترث للسلم السياسي والاجتماعي، بل نصب نفسه عدوا للوطن، وبات شريكا وحليفا مباشرا للمجازر والويلات؛ ومباركا ومصفقا لعدوان احرق الحرث والنسل، ودمر البنية التحتية، وجعل اليمنيين بين مطرقة التجويع وسندان التركيع.
سقوط الأقنعة
في محطة من محطات العدوان على اليمن شهدت تكوينات تحالف العدوان موجة من التوتر والإحتقان، انتهت بأزمة بين الإمارات والسعودية والبحرين من جهة، وبين قطر من جهة أخرى. في هذه المحطة انكشف الغطاء عن علاقة حزب الإصلاح بدولة قطر، وصار قادة الحزب بين خيارين كلاهما مر: الأول أن تقف القيادات مع السعودية التي تحتضنها في فنادقها وتمول كل مشاريعها؛ وهنا ستكسب ود الدولة السعودية التي تقود العدوان على اليمن تحت سقف إعادة الشرعية، وبالمقابل تخسر دولة قطر التي تعد الحاضنة الرئيسية والحبل السري لهذه الجماعات الدينية. والخيار الثاني أن تعلن موقفا مساندا لقطر وتخسر رضا السعودية، وبالتأكيد سيكون ثمن ذلك مكلفا. كان الإصلاح يومها أكثر ذكاء وحصافة، فمارس دورين نقيضين في آن واحد، فالقيادة العليا رفعت شعار “كلنا سلمان”، وقيادات الصف الثاني والقواعد التنظيمية رفعت شعار “كلنا تميم”. وبهذا الموقف يكون حزب الإصلاح قد احتوى الأمر، وامتص غضب القواعد وتماشى مع ادبيات الحزب من خلال ميله لقطر، ويكون أيضا قد احتفظ بود السعوديين من خلال بيانه الرسمي الذي وقف في صف المقاطعة السعودية لقطر.
نقلات شطرنج
تعد الناشطة اليمنية توكل كرمان وكذالك خالد الآنسي من أبرز قيادات الصف الثاني لحزب الإصلاح، وهي من مارست مغازلة دولة قطر بناء على سياسة الحزب التي رأت أن ترضي طرفي الأزمة الخليجية يومها. ومع تسارع الأحداث وتطورها، كانت النتائج والتبعات تجعل نفاق حزب الإصلاح على المحك. فبعد أن صنفت السعودية حركة تنظيم الإخوان جماعة إرهابية نفى محمد اليدومي رئيس حزب الإصلاح أي علاقة لحزبه مع التنظيم، وهو الحال نفسه بعد تصنيف الإمارات وتوصيفها للجماعات الإرهابية. لكن القواعد ومنها قيادات رفيعة في الحزب اتخذت موقفا مغايرا عكس حالة التذبذب والإنقسام في الحزب. ومع تغير المعادلات ولخبطة الأوراق، سارعت الغالبية العظمى لتأييد الرئيس السابق علي صالح في أحداث الفتنة الأخيرة رغم عدائها معه منذ خسارة مرشح الحزب في الإنتخابات الرئاسية 2006م، وهذا مؤشر كاف للتأكيد على أن الحزب بات لا يملك نفسه، وإن قراراته المختلفة لا تأتي إلا تلبية لقيادات تحالف العدوان ومخططاتهم الخسيسة على اليمن واليمنيين.
هذه المرة لم تسلم الجرة

تصريحات ناشطي حزب الإصلاح وانتقاداتهم لتحالف العدوان وخصوصا قيادات الصف الثاني والقواعد التنظيمية مهدت لسياسة جديدة لحزب الإصلاح مع تغير سياق الأحداث وتطورها، خصوصا بعد أحداث عدن الأخيرة التي تطالب بإسقاط ورحيل حكومة الرئيس الفار منصور هادي. ولأن السياسة الإماراتية لا تروق للإصلاح مطلقا، فقد وصفت قيادات الحزب دولة الإمارات بالاحتلال بعد التمدد الإماراتي في جغرافيا الجنوب اليمني وسيطرته على جل المواقع الهامة على حساب الكعكة السعودية. لم يكن الذكاء والدهاء السياسي للحزب كافيا لتجاوز هذا الموقف بعد أن وجد نفسه بين نار الرياض وصقيع أبو ظبي، فاتخذ قرارا بتجميد عضوية الناشطة اليمنية توكل كرمان وكذالك التبرأ من سياستها ومواقفها، ولم تعد هذه الإجراءات والخطوات نقلات شطرنج لممارسة لعبة مرحلية كالسابق لإرضاء طرفين، إذ وصفت الناشطة اليمنية هذه الإجراءات والخطوات بالجدية وأنها تأتي من قيادات مسلوبة القرار، ووصفتها بالرهائن لملوك الرياض وشيوخ أبو ظبي. وتبعها الناشط خالد الانسي بتصريحات تتهم تلك القيادات بأنها تقبع تحت الإقامة الجبرية لتحالف العدوان.
هاوية السقوط
بهذه الحال التي وصل إليها الحزب بعد ثلاثة أعوام من العدوان على اليمن، وبعد تناقض عجيب بين مواقفه وأدبياته، يجد الحزب نفسه اليوم أمام مفترق طرق. فداخليا بدأت تكويناته بالانشقاق، وبرزت نتوءات مختلفة خلفتها المواقف السلبية للحزب التي لا تتماشى مع منطق الواقع ورأي العرف والأخلاق. وخارجيا يبدو الحزب بحاجة ماسة لموقف مسؤول و جدي يثبت جديته وصدقه في التعاون مع العدوان، وهذا لن يكون إلا بإرضاء سياسة طرفي الرياض وأبو ظبي في مهام تخدمهما وتخدم اهدافهما في اليمن، ولن يكون ذلك غير الإنخراط في القتال، ورفد الجبهات بقواعده وأنصاره لمواجهة الجيش اليمني ولجانه الشعبية، والرمي بنفسه في هاوية السقوط وسحيق الإنتحار، وهذا هو ما يريده تحالف العدوان قلبا وقالبا منذ إختراقه لهذا الحزب المثير للجدل سياسيا وفكريا