لماذا ألغى ترامب اتفاقية “نافتا” مع كل من كندا والمكسيك؟
منذ تولي الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” سدة الحكم في البيت الأبيض، سارع لتطبيق شعاره الانتخابي “أمريكا أولاً”، فقام بإلغاء العديد من الاتفاقيات مع الدول الأخرى بحجة عدم استجابتهم لمصالح أمريكا في المجال التجاري.
ومن هذه الاتفاقيات، اتفاقية نافتا (NAFTA) مع كل من كندا والمكسيك، والتي تعد من أهم الاتفاقيات في أمريكا الشمالية.
وتسمح هذه الاتفاقية للبلدان الثلاثة بالتبادل التجاري دون قيود جمركية وضريبية، وهي تشبه إلى حد بعيد الاتفاقية بين دول الاتحاد الأوروبي التي تهدف إلى زيادة النمو وتقوية التبادل التجاري بين هذه الدول، مما يؤدي في النهاية لخلق أكبر منطقة استهلاكية تستفيد من إيجابيات وفرص حرية التجارة.
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية “نافتا” تم توقيعها بين أمريكا وكندا والمكسيك في كانون الثاني/يناير 1988 وبدأ العمل بها بشكل فعلي في عام 1994.
وتوحد الاتفاقية من الناحية التجارية بين البلدان الثلاثة التي يبلغ تعداد سكانها نحو 500 مليون نسمة، ووصل الناتج المحلي الإجمالي لها في 2015 إلى نحو 21 تريليون دولار.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين أمريكا والمكسيك في عام 2016 نحو 525 مليار دولار، شكّل منها عجز الميزان التجاري الأمريكي مع هذا البلد 63 مليار دولار، في حين وصل حجم التجارة بين أمريكا وكندا العام الماضي إلى 545 مليار دولار، وبلغ عجز الميزان التجاري الأمريكي 11 مليار دولار.
لماذا يعارض ترامب اتفاقية “نافتا”؟
– يزعم ترامب أن هذه الاتفاقية لاتصب في صالح أمريكا وبالتالي فإنه يعطي لنفسه الحق بإمكانية إلغائها، في مؤشر واضح على استهتاره وعدم اعترافه بالاتفاقيات بين الدول، ليقول للعالم بأنه لن يقف عند حد مهما تسبب في إلحاق الضرر بسمعة أمريكا على المستويين الإقليمي والدولي.
– التفكير الذي يحكم عقلية ترامب موجه أساساً لتحقيق مآرب تجارية بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى خصوصاً السياسية والدبلوماسية التي تتطلب من رئيس أي دولة أن يكون بمستوى المسؤولية في الالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع الدول الأخرى ومن بينها الاتفاقيات التجارية والاقتصادية، ومنها اتفاقية “نافتا”.
ويعتقد المراقبون أنه في حال خروج أمريكا من هذه الاتفاقية فستكون هي المتضرر الأكبر من بين الدول الثلاث لعدّة أسباب يمكن إجمالها بما يلي:
– تعتبر كندا والمكسيك من الدول التي تربطها علاقات تجارية واسعة مع أمريكا؛ بل يمكن القول بأنهما تحتلان المرتبتين الأولى والثانية في هذا المجال، وهذا يعني أن خروج أمريكا من اتفاقية “نافتا” سيقلص من التبادل التجاري مع هذين البلدين إلى درجة ستنعكس بشكل مباشر وواضح على الاقتصاد الأمريكي في جميع قطّاعاته.
– يعتقد الخبراء الاقتصاديون أن إلغاء اتفاقية “نافتا” من قبل ترامب في حال تحققه سيهدر ملايين الفرص الثمينة للعمل، ما سيؤدي إلى شيوع البطالة في مجالات كثيرة في مختلف أنحاء أمريكا، وهذا الأمر يتعارض تماماً مع وعود ترامب للشعب الأمريكي بتحسين الوضع الاقتصادي في إطار شعاره “أمريكا أولاً” الذي رفعه خلال حملته الانتخابية.
– ستنخفض الصادرات الأمريكية إلى كندا والمكسيك إلى حد كبير إن لم تصل إلى حد يقارب الصفر، وهذا بالتأكيد سيضر كثيراً بالاقتصاد والشركات والشعب الأمريكي برمته بسبب سياسات ترامب الكارثية.
– سيتسبب خروج أمريكا من اتفاقية “نافتا” بانخفاض مستوى الإنتاج في أمريكا في كافة المجالات الاقتصادية والصناعية، وهذا بدوره سيرفع من رصيد الدول المنافسة وفي مقدمتها الصين والدول الصناعية الكبرى الأخرى في العالم ومن بينها دول الاتحاد الأوروبي، وعلى وجه التحديد الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا).
– لم يتردد وزير الخارجية الكندي “كريستي فريلاند” في إعلان أن بلاده تستعد لاحتمال انسحاب أمريكي من اتفاقية “نافتا”، وهذا يعد بحد ذاته مؤشراً آخر على أن سياسة ترامب التجارية لن تخيف الدول الأخرى، ما يعني فشل هذه السياسة في تحقيق مآربها وفي مقدمتها السعي لإضعاف اقتصاد الآخرين، لأن أمريكا ستكون المتضرر الأول من هذه السياسة على المديين القريب والبعيد.
– من جهة أخرى تشدد أوتاوا على أن واشنطن التي تعتمد في وظائفها البالغ عددها تسعة ملايين على التجارة والاستثمارات الكندية لديها الكثير لتخسره في حال انسحابها من اتفاقية “نافتا”.
وفي الوقت الذي يخوض فيه الرئيس الأمريكي مواجهة مع جيرانه بعدما حاول فرض إعادة التفاوض في شأن اتفاقية (نافتا)، يمارس عالم المال والأعمال ضغوطاً متزايدة على ترامب لحمله على عدم التشبث بموقف متطرف في هذا المجال.
ولعل أحد أقوى التعليقات على سياسة ترامب الاقتصادية والتجارية هي ما أطلقه أحد السياسيين حينما اعتبر دعوة الرئيس الأمريكي الدول إلى السعي وراء مصالحها الخاصة، بأنها موقف “ينتمي إلى القرن العشرين”.
من هنا يمكن القول بأن أمريكا أو أي دولة أخرى مهما بلغ حجمها، لا تستطيع أن تعيش وحدها في هذا العالم، وهذا مفهوم واضح بالبديهة لدى جميع الخبراء الاقتصاديين، باستثناء أصحاب النظريات العنصرية الذين لا يتوقفون عن البحث عن صيغ جديدة، في حين ولّى زمن التجارب وبات واضحاً أن ثمة صيغة واحدة يتعين اتباعها وهي فتح آفاق جديدة للتعاون التجاري الذي يحتاج إلى مزيد من الصقل لئلا يتحول إلى مفهوم أجوف كسائر النظريات التي لم تسهم في خدمة مبدأ التكامل بين الدول والشعوب.