الصاروخ الأشهر والسلاح الأخطر
بقلم | د. أحمد الصعدي
لم يحظَ أيُّ صاروخ من أي نوع، وفي أية حرب، بما حظي به الصاروخُ الباليستي اليمني بركان الذي ضرب الرياضَ (المطار وقصر اليمامة)، فهو الصاروخ الوحيدُ الذي نُقلت حُطامُه إلى واشنطن ووُضعت تحت رعاية وأُمومة نيكي هيلي مندوبة أمريكا في مجلس الأمن، وهي التي تتولى شرحَ المعروضات الثمينة للزائرين الذين كان آخرهم مندوبي الدول – أعضاء مجلس الأمن الخمس عشرة.
هذا الصراخُ الذي يرفُعُه تحالُفُ العدوان بشأن الصواريخ اليمنية، والذي تنخرطُ فيه بحماس شديد الإدارةُ الأمريكية وعلى رأسها الرئيس ترامب، ومن واشنطن تحديداً يُعيدُنا إلى لحظة انطلاقِ الحرب العدوانية الوحشية في 26/ مارس/ 2015 التي أعلنها من واشنطن سفيرُ بني سعود آنذاك عادل الجبير.
كان الجبير وهو يعلن انطلاقةَ الهجمة البربرية في كامل الثقة من أنها ستحقّقُ أهدافَها المعلنة وغير المعلنة، وكيف لذرة من الشك أن تتسرب إلى يقينه المطلق بالنصر السريع والحاسم مع وقوف آلهة الحروب العدوانية خلف هذا الحلف الإجرامي.
في الأيام والأسابيع الأولى للعدوان أخذت النشوة تلعب برؤوس حكام المملكة وحلفائهم الخليجيين وكانت شاشات التلفزة تعرض صوراً لمحمد بن سلمان في قصر الدرعية حيث يبدو أنه يصدر أمر البدء بحملة القصف الجوي على اليمن.
وكان أحمد عسيري يطل بين حين وآخر ليعدد الإنجازات الخارقة لطيران العدوان مذكراً باستمرار أن قتل اليمنيين وتدمير بلدهم ومقومات حياتهم ووجودهم يتم ((على الطريقة الإسلامية)) من خلال تكراره الجمل المعروفة عنه: قتلنا.. ولله الحمد، نسفنا… ولله الحمد، دمرنا… ولله الحمد. إلى أن أعلن في 21/4/2015 أن ((عاصفة الحزم)) حققت كامل أهدافها ولله الحمد، زاعماً أنها دمرت الصواريخ الباليستية اليمنية وضمنت أمن المملكة وحصنت حدودها، وأن تحالف العدوان قرّر الانتقالَ إلى مرحلة ((إعادة الأمل)) لتحويل اليمن إلى بلد ينعم بالأمن والسلام والرفاهية والازدهار والغبطة الدنيوية وهو ما لمسه اليمنيون ويلمسونه إلى يومنا هذا !.
لم تسر رياحُ الحرب كما اشتهت سفن العدوان، فالمملكة التي ظلت مطلقة اليدين للعبث باليمن على مدى عقود، ولم تكن تلقى إلا الشكر والثناء – وإنْ كان ضرباً من النفاق في معظم الحالات – ها هي اليوم تستنجد بالعالَمِ لحمايتها بشتى الوسائل من الصواريخ اليمنية التي أخذت تدُقُّ أبواب عاصمتها.
ومن سمع كلمتي وزير خارجية الرياض الجبير، وأمين عام ما تسمى بمنظمة التعاون الإسلامي يوسف العثيمي في الاجتماع الطارئ الذي عقدته المنظمة في الرياض في 21/1/2018 يلحظ حالة الارتباك لدى القيادة السعودية، واللا يقين الذي تعاني منه بشدة بخصوص قدرتها على حماية نفسها لو تركها العالم تقلع شوكها بيدها كما يقول المثل.
كاد الجبير والعثيمي يعتبران اصطفافَ الدول الإسلامية إلى جانب المعتدي -أي المملكة- ضد الشعب اليمني المسالم والمعتدى عليه شرطاً لا غنىً عنه لصحة إسلام كُلّ مسلم وكأنه ركن من أركان الإسلام.
وهكذا صار ((بركان)) اليمني الصاروخ الأشهر في العالم؛ بسبب حملة العلاقات العامة الممولة بسخاء التي اشترك فيها الرئيسُ الأمريكي ترامب شخصياً، لكن ما لا يدركه -أو يتجاهله – السعوديون والإدارة الأمريكية وكل زمار يعزف لهم لحن الصواريخ مدفوع الأجر هو أن السلاحَ الأخطرَ من كُلّ أنواع الأسلحة والذي يمتلكه اليمنيون هو سلاح الإرادة. نعم، سلاح الإرادة، إرادة امتلاك السلاح واستخدامه في الدفاع عن النفس مهما كان السلاح المادي بسيطاً.
لا يهتمُّ الكيان الصهيوني بما لدى الجيوش العربية من ترسانات أسلحة ضخمة لمعرفته أن قادةَ البلدان العربية لا يملكون إرادة استخدام السلاح إلا ضد بعضهم ولكنه يقلق وينزعج؛ بسبب سلاح حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية مهما كان متواضعاً؛ لأن حزب الله والمقاومة الفلسطينية يملكان إرادة استخدام السلاح ضد الكيان الغاصب لفلسطين.
وهكذا يقف العدو السعودي الإماراتي ومن يقف وراءه أمام حقيقة مرة مفادها أن اليمنيين يملكون ما هو أخطر من الصواريخ الباليستية وهو سلاح الإرادة الصلبة إرادة التصَـدّي للعدوان والغزو والاحتلال، وهذا السلاح لا يمكن أن تنتزعه أية قوة أَوْ يضعفه الحصار مهما اشتد أَوْ حملات العلاقات العامة مهما أسرف أمراء التخمة في الإنفاق عليها، ومن يمتلك سلاحَ الإرادة سيمتلك سلاحَ الحديد.