الحديدة.. وطن في انتظارك
بقلم | حمير العزكي
في الحديدة بحرٌ هادرٌ وحائر، وموج هائج وقلق، وشواطئ رحبة مضطربة.
في الحديدة أمعاءٌ خاويةٌ وَهممٌ سامية، قلوب لينة ونفوسٌ عصية، أجسادٌ سمراءُ ومشاعرُ غراء.
في الحديدة وفاءٌ للثورة وعرفانٌ للثائرين، بساطة الرواية وعمق الرؤية، شحوب الحصار وَألق الانتصَار.
في الحديدة آلاف مؤلفة من المستضعفين الأعلى وعياً والأرقى تفكيرًا والأشد بأساً والأصلب إرادةً والأسمى مقاماً في تراتيب الصامدين.
في الحديدة قوافل الإباء والفداء تتوافد من كُلّ فج عميق، رجالاً وعتاداً، تأهباً واستعداداً، وترقباً واشتياقاً، لملحمة الخلود ومعركة المصير، وخاتمة الانتصَارات وفاتحة العهد اليماني المجيد.
في الحديدة حر شديد وَحر عنيد، حر نار جهنم لا شك أشد حراً منه، وحرٌّ قد تزوْلُ الجبالُ ولكنه لا يتزحزحُ أَوْ يزول.
في الحديدة دماء وماء، دماء التضحيات وماء البحر الأحمر، دماء نقية طاهرة زكية توهب ثمنا لحرية ماء البحر المالح الأجاج.
في الحديدة احمرَّ البحرُ قبل قرون وعصور بانعكاس احمرار الشعب المرجانية في قعره، وسيحمر أَكْثَر وأَكْثَر حين تمتزجُ مياهُه بدماء الشعب اليمني المقاوم ولن يغلبَ سواد الجثث المحترقة للغزاة وَرمادية الدماء المتعفنة المكربنة للمرتزقة، أبداً على حُمرة الدم القاني.
في الحديدة وقفتُ على البحر وكأني أزور حبيباً يحتضرُ، ينتظر وانتظر معه دواءً لا يملكُه سوى أهله وقومه وعشيرته، يخشى وأخاف مثلُه أن يتأخروا عنه فلا يدركونه ويدركه الموت، ويموت الأمل برؤيته مجدّداً إلّا بحدوث المعجزات.
في الحديدة سمراءُ حسناءُ ذات جمال ومال وكمال وأدب وحسب ونسب، تبتسم وتبكي، ترى قومها يتداعون دفاعاً عنها وعن شرفها فتضحك، وترى الغاصبين يتغامزون عليها فتبكي، وتنتحِبُ كلما رأتْ من قومها مسانداً ومرافقاً للطامعين بها، ثم تأنُّ أنيناً يخلعُ القلوبَ الصمَّاءَ من الصدور الدهماء كلما تذكرت مصيرَ شقيقتها التوأم التي وقعت ضحيةَ الاغتصاب ومزقت عفتها قبل أوصالها الكلاب.
في الحديدة وطن في انتظارك إما أن نعيشَ وننتصر أَوْ أن نموت وننتصر.