الخبر وما وراء الخبر

مطباتٌ على طريق الأقصى

42

بقلم /  نوح جلاس

قبلَ أَكْثَــرَ من 13 عاماً بدأ الشهيدُ القائدُ حسين بدرالدين الحوثي مشروعه الثقافي النهضوي القرآني بشعار الحرية “الصرخة في وجه المستكبرين”، حينها لم يكن وجودُ أمريكا واضحاً لدى عامة الناس، ولكن أصحاب النظرة الثاقبة كانوا يدركون نشوبَ الخطر الأمريكي، أما الخطرُ الصهيوني فبدأ يتضاءل منسوب العداء لهذا الكيان لم يعد يدركُ خطورته إلا من لديه شعورٌ بمسؤوليةٍ تجاه القدس والمقدسات الإسلامية؛ لأنه يعي جيداً أن غض الطرف عن تحمل المسؤولية يترتب عليه تداعيات مشؤومة تزحف بتدرج مع استمرار حالة الصمت حول القضية المركزية للأمة الإسلامية وهي فلسطين.

كان من أبرز المعالم الأساسية لمشروع الشهيد القائد إحياء روح الشعور بالمسؤولية عند أفراد الأمة، موجهاً بوصلة العداء بمنهجية قرآنية إلى أئمة الكفر، صوب القدس، الكيان الصهيوني الغاصب المحتل، ورأس الشر أمريكا، وتوجيه سخط الشعوب إلى هاذين الكيانين.

وضع الجيشُ اليمني وقائدُه في ذلك الوقت مطباً أمام مسيرة الموت لأمريكا والموت لإسرائيل، إلا أن هذا المطبَّ لم يكن جديراً بإيقاف عجَلة المسيرة، رغم وضع المطب ذاته ست مراتٍ على امتداد الطريق.

بعدَها أتيحت أمام المسيرة أجواءٌ شبهُ مستقرة لتعبيد الطريق أمام عجلتها المصرة على الوصول، حتى وإن اختلت الفُرصة بوضع مؤامرة “دماج” مطباً آخر، ولكن لا جدوى من إيقاف العجلة.

وبعدَ ذلك قطعت عجلةُ المسيرة مسافةً جيدةً نسبياً إلا أن الورقة العسكرية عادت مرةً أُخْرَى هذه المرة تمثّلت في “لواء القشيبي” المكون من العناصر التكفيرية؛ لتكون مطباً ولكن أَكْثَــر هشاشةً من ذي قبل، فاجتازته العجلةُ وقطعت من جديد شوطاً كبيراً أتاح فرصةً مواتيةً لتزويدِها بالقوة.

ومع تتابع الأحداث وصلت العجلة إلى قلب العاصمة التي كانت تدار من داخلها عملياتُ زرع المطبات، وتمكنت من العصف بأصحابها أدراجَ الريح.

وهنا تضاعفت الفرص أمام عجلة المسيرة لتكون أَكْثَــر قوةً واندفاعاً في طريقها المعلوم “القدس “، ومعها أصبح العدو أَكْثَــرَ قلقاً من هذا الاندفاع، وبدأ بتجهيز عراقيلَ أَكْثَــرَ فعالية، وعمل على تجييش أَكْثَــر من ١٥ نظاماً عربياً وإسلامياً لتكونَ مطباً كفيلاً بإيقاف عجلة المسيرة المتجهة نحو اقتلاعه؛ وذلك بغرض حَرْفِ العجلة عن طريقها التي تمشي فيه وخلق طُرُقٍ أُخْرَى تتوقف عندها.

وبعد مرور ٣ سنواتٍ تهشَّم فيها ذلك المطب وبات قريباً من الاقتلاع، عاد العدو مجدداً ليضعَ المطب باستخدامه هذه المرة لورقته الأخيرة المتمثلة بمليشيات الفتنة وزعيمها، ورغم معرفته أنه غيرُ كفيلٍ بإيقاف العجلة، إلا أنه دفع به بالتزامن مع إعلانه سلبَ العاصمة الفلسطينية، وذلك لخلق اختلالٍ في توازُنِها لإلهائها ولو قليلاً عن هذا الإعلان، ولكن أيضاً لم يكن ذلك ذي جدوى، فقد أزيل هذا المطبُّ في زمنٍ قياسي بتأييدٍ إلهيٍ واضح، وتُواصِلُ العجلة متابعة الطريق التي تسلكه.

ومع هذا الاندفاع باتت طريقُ الأقصى أَكْثَــرَ تعبيداً أمام عجلة المسيرة، ولم يتبقَ إلا إزالة المطب الأخير “قوى العدوان”.

وهُنَا يتجلّى معنى أن تحمِلَ مشروعاً جديراً بتأييد الله، مهما كانت إمكانياتك بسيطةً فإنها ستكونُ قويةً، فعصا موسى كانت أَكْثَــر من مجرد عصا، وكذا كلب الكهف.

ولو أعدنا الشريطَ إلى البداية وقارناه بما هو حاصل لرأينا كيف أصبحت هتافاتُ الحسين أَكْثَــرَ من مجرد شعار يُردَّد.