الخبر وما وراء الخبر

كيف تمكنت الإمارات والسعودية من توريط صالح مجددا.. وكيف أفشل أنصار الله انقلابه عليها.. وما هو مصير حزب المؤتمر بعد مقتله؟

52

بقلم / طالب الحسني

لم تخلو خطابات السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي قائد حركة انصار الله في اليمن طوال الفترة الماضية من التأكيد على ضرورة الحفاظ على الوحدة الداخلية التي كانت تعني التمسك بالشراكة مع المؤتمر الشعبي العام وزعيمه صالح وطي صفحة الماضي بكل مافيه من وجع  وفتح صفحة جديدة عنوانها الشراكة والتحالف ضد العدوان وهو ما كرره صالح مرارا ، لكثير من الاسبأب أبرزها احتواء القاعدة الشعبية وتصفير عداد الخصوم لحركة أنصار الله في ظل محاولة السعودية والإمارات  استقطاب كل من تجاوب معهما وإغداقه بالهدايا بما في ذلك الأفراد ،ووقعت الحركة أكثر من اتفاق لتجنب الصراع مع المؤتمر ، وكم كنا نود أن يستمر هذا التوافق والتحالف الذي كان مهما على الأقل في تجنيب الساحة الداخلية من أي نوع من الصراع ، لكن الأمور ذهبت باتجاه آخر بسبب استمرار الامارات على وجه الخصوص وعبر عدد من القيادات التابعة للمؤتمر والذين غادروا اليمن وأقاموا في بعض العواصم الخليجية وأيضا الأردن والقاهرة وهذا أحد خيوط المؤامرة على صالح والمؤتمر قبل أن تكون مؤامرة غير محسوبة على حركة انصار الله ، أضف إلى ذلك أن صالح أبقى النافذة مفتوحة إلى الإمارات لوجود علاقة قديمة بينهما  وإقامة نجله فيها منذ ما قبل العدوان،  والأمر الآخر التوتر القائم بين الامارات وبين عبد ربه منصور هادي وأيضا حلفائه البارزين ، كحزب الاصلاح ( إخوان اليمن ) وهذا التوتر شكل نقطة  إلتقاء بين صالح والإمارات التي من الواضح أنها تعمل ضد عودة الاصلاح إلى الساحة السياسية اليمنية

انعدام الخيارات والاوراق والفشل العسكري دفع بالسعودية مجددا للعودة بالتفكير بورقة قوية في الداخل اليمني تخرجها من الانتكاسة والعجز وسط ضغط خارجي دولي وإقليمي لإيقاف الحرب نظرا للوضع الإنساني الكارثي ، ومن هنا كانت بداية هندسة مد اليد إلى صالح باعتباره موجود في صنعاء العصية على التحالف واستعادته  الكثير من قوته الشعبية والعسكرية التي كادت أن تنتهي بعد   2011 وإغلاق ملف الخلاف معه ،  لكن هذا المسار كان يحتاج أولا إلى قبول صالح وثانيا ابتعاده عن حليفه القوي حركة أنصار الله

معروف عن صالح تشبثه الكبير بالبقاء رقما صعبا على الساحة اليمنية  وهو الذي حكم 33 عاما ، وعجز خصومه الذين تحالفوا مع السعودية والإمارات في هذه الحرب العدوانية ، وتزايد قوته وخاصة بعد الحشد الكبير الذي جمعه إلى العاصمة صنعاء في الذكرى الـ 35 لتأسيس حزبه وحفاظه على قوة عسكرية عميقة ومخازن أسلحة ومراكز محصنة داخل العاصمة وحولها ، وخبرته المتراكمة في الحكم وقياس موازين القوة ، هذه العوامل شجعته أن يبيت الإنقلاب بتنسيق سعودي إماراتي على أن يكون هو الرقم الأول مجددا في اليمن

لقد غاب عن صالح أن كثير من الوقائع تغيرت وأن الجزء الأكبر من تصاعد حضوره كان بسبب موقفه من العدوان السعودي الإماراتي الذي ارتكب عشرات المجازر ودمر البنية التحتية المتواضعة ، وغاب عنه أيضا أن تحالفه مع انصار الله كان هو موقعه الصحيح وأن الإنقلاب بتلك الطريقة التي قام بها والدعوة إلى مواجهة أنصار الله في المدن والاحياء والتمرد عن توجيهات القيادة  السياسية والعسكرية المتمثلة في المجلس السياسي الذي يشارك فيه هو أخطر ما قام به على الإطلاق طوال حياته السياسية التي استمرت قرابة 40 عاما ، أضف إلى هذا القرار الخاطئ والمتهور والخياني أن معظم إن لم يكن جميع مشائخ قبائل الطوق لم يكونوا على توافق معه ولن يذهبوا باتجاه هذا الخيار المؤيد للعدوان بعد قرابة 3 أعوام من الصمود الأسطوري في وجهه  ، خاصة أن أبناءهم يقاتلون  ببسالة في كل جبهات المواجهات مع التحالف الذي تقوده السعودية  ، ولهذا لم يستجب لخطاب صالح  وهو الخطاب الأخير والأخطر أحد ـ وهو خلاف ما تصوره صالح أو بالأحرى خلاف التقارير التي قدمت إليه من الفريق الذي يعمل معه

في المقابل ، لم يكن أمام حركة أنصار الله وتحالفاتها السياسية والقبلية  والعسكرية سوى أن يحسموا المعركة سريعا مهما كلفهم ذلك من  ثمن وأن يخمدوا هذه الفتنة وأن لا يسمحوا بتوسعها ولا تمديدها لأن ذلك كان سيكلف اليمن حربا ضروسا ليس بمقدور أحد أن يوقفها أو يتنبأ بتداعياتها ولكنها في كل الحالات تصب في ومصلحة السعودية والامارات اللاتي كانا تتربصان وينتظران  بفارغ الصبر هذه النتائج ، ومن تابع إعلام السعودية والامارات خلال الساعات الاولى بعد خطاب صالح سيدرك إلى أي مدى كانت هذه الدول تعولان على نجاح هذه الورقة

مارشح بعد مقتل صالح وإنهاء هذه الفتنة والإنقلاب الذي قاده صالح ونجل شقيقه وقتلا فيه ،  هو أن قوة أنصار الله لا يمكن الاستهانة بها ، فصالح لم يكن ضعيفا عسكريا وكان يمتلك مخازن أسلحة ومناطق محصنة داخل العاصمة ومقاتلين ،لكن مع جهل كبير بقوة شريكه أعني حركة انصار الله وحلفائها ولا بد من القول أن جزء من حلفائهم تيار كبير من المؤتمر الشعبي العام الذي رفض خطاب صالح واعتبره انقلابا حتى على الحزب نفسه ، ومن هذه النقطة تماما يتحدد مصير هذا الحزب الذي كان يمثل الدولة العميقة في اليمن طوال 3 عقود

من يقرأ تاريخ المؤتمر الشعبي العام الذي تأسس مع نهاية السبعينات سيدرك أن هذا الحزب ارتبط بشخص صالح ،فهو حزب ليبرالي شعبي مندمج تصاعدت قوته بسبب أنه استمر حزبا حاكما طوال العقود الماضية ، وبالتالي فإن غياب صالح بعد مقتله سيترك تأثيرا كبيرا على الحزب ويقسمه إلى اكثر من جناح ومن الصعب إعادة تنظيمه فصالح كان يحضى بأصوات الحزب لشخصه هو وليس للحزب نفسه وبرنامجه ، وهناك مؤشرات كبيرة وملموسة تؤكد أن الجزء الأكبر منه ومن قياداته سينضمون لحركة أنصار الله ، التيار الاقوى الآن أما الشق الآخر الذي أعلن تأييده مؤخرا للتدخل العسكري السعودي والإماراتي فهو عبارة عن شخصيات خارج اليمن لا يحضون بجزء ولو يسير من قاعدة المؤتمر باستثناء نجل صالح ، ولكن موقع هذا الاخير وتأييده للعدوان على اليمن مؤخرا سيفقده ما تبقى من هذه القاعدة .