الخبر وما وراء الخبر

مملكة الكبتاغون

227

إسراء الفاس *

شهيرة هي قصة بنات الملك السعودي الراحل حبيسات القصور الملكية. بنات 4 للملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز (هلا، مها، سحر، جواهر) كنّ حبيسات قصوره، كُتب عن هذه القصة الكثير، وأُجريت في سبيل ذلك العديد من المقابلات مع والدتهن الأميرة العنود الفايز المقيمة في لندن، إلا أن ما قد لا يُعرف أن للقصة نفسها ارتباط وثيق بفضائح الكبتاغون في المملكة.

فضائح المخدرات في المملكة تبدأ من قضية المعتقلين السياسيين، وتطال أبناء البلد بدءاً من المرحلة الابتدائية.

في أوائل شهر نيسان/ ابريل 2014، أجرينا مقابلة مع طليقة الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، إلا أنها لم تُنشر حينها.

أفصحت الأميرة الأردنية الأصول، عن أن سبب المعاملة السيئة التي تتلقاها بناتها وهو اكتشاف إحداهن أن سجناء الرأي في المملكة يجري حقنهم بالمخدرات وتعريضهم للتعذيب والتحقير.

“سجناء رأي سعوديون أصحاء جرى احتجازهم في عنبر الأمراض النفسية، حُقنوا بالمخدرات، وتعرضوا للتحقير والتعذيب”… هذا ما عاينته هلا بنت عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود التي عملت كمتدربة في أحد مراكز الأمراض النفسية. اعتراض الأميرة على التعاطي مع المساجين، جعلها ضحية الممارسات نفسها، حُقنت بالمخدرات وتم رميها في السجن، قبل ان يتدهور وضعها الصحي وتُعزل عن أخواتها.

“كان خدام القصر يعمدون إلى وضع مخدرات لبناتي مها وهلا. بعضهم لم يستطع القيام بذلك فتم طردهم، وآخرون أذعنوا للقرار. جواهر وسحر طلبوا خروج الخدم من مكان اقامتهم حتى لا تتكرر المأساة” تقول العنود الفايز.

هكذا تعاطى آل سعود مع أولادهم… فلن يكون غريباً ما يتكشف أن أمراءهم هم من يغرقون البلاد بمخدرات تفتك بأبناء بلاد الحجاز.

في تقرير لقناة “فرانس 24” في آب/اغسطس 2015، نشرت شريطا فيديو تم تسريبهما من سجن بريمان في جدة في 13 حزيران/يونيو الماضي. فضحت القناة الفرنسية ما يُمارس في السجون السعودية من حقن المساجين أنفسهم بحقنات الهيروين، ونشرت ما من شأنه أن يكذب التبريرات الرسمية التي ساقتها السعودية وهي أن السجناء يحقنون الإنسولين.

بحسب تقارير أجرتها الأمم المتحدة مؤخراً، يصل عدد مدمني المخدرات في السعودية إلى ١٥٠ ألف مدمن، وتتصدر المملكة الدول الخليجية نسبة لعدد المدمنيين الذين تتركز أعمار 70% منهم بين الفئات العمرية التي تترواح من 12 إلى 20 عاماً.

ولعل الخطير هو ما كشفت عنه دراسات أجريت حديثاً تكشف عن تورط طلاب المرحلة الابتدائية (11 عاماً ومادون) بتعاطي المخدرات الذي يسجل نسبة 10% ، وترتفع النسبة في المرحلة المتوسطة ( حتى 15 عاماً) لتسجل 33%، وتصل في المرحلة الثانوية (حتى 18 عاماً) إلى ما نسبته 38%.

تعتبر السعودية من أكثر الدول المولعة بحبوب الكبتاغون، ويُبيّن تقرير الأمم المتحدة عن المخدرات في العالم للعام 2013 أن ثلث كمية الكبتاغون التي ضُبطت حول العالم كانت في المملكة العربية السعودية، لذا يتصدر الكبتاغون قائمة المخدرات في السعودية، حتى وُصف بأنه “المخدر السعودي بامتياز”.

اليمن ممر لتهريب المخدرات… برعاية المملكة

عام 2012، تحديداً يوم الاثنين 21 أيار/ مايو سُجلت أول عملية ضبط للمخدرات في محافظة صعدة باليمن. كميات كبيرة من المخدرات كانت تتجه إلى الداخل السعودي، أعلن أنصارالله يومها عن إتلافها بعد إحباط تهريبها، “قياماً بالمسؤولية أمام الله كون هذه الآفة الخطيرة هي أحد الأسلحة الفتاكة التي يستخدمها أعداء الأمة الإسلامية في حربهم ضد شبابنا وأطفالنا لتدميرهم وتدمير قيمهم وثوابتهم ونسف طاقاتهم”، وفق ما جاء في إعلان الحركة.

تمت عملية اتلاف المخدرات يومها برئاسة محمد علي الحوثي (رئيس اللجنة الثورية العليا في اليمن حالياً)، وبإشراف الشهيد عبدالكريم الخيواني وبتنسيق ميداني مع الصحافي اليمني حامد البخيتي وشخصيات اعلامية أخرى.

كانت عملية تهريب المخدرات عبر الأراضي اليمنية تجري عن طريق ميناء المخا، الواقعة ضمن محافظة تعز والمطلة على سواحل البحر الأحمر، تُنقل المخدرات عبر الميناء، تحت أعين ورعاية شخصيات يمنية معروفة، ليجري نقلها إلى مدينتي كتاف ودماج بصعدة ليتم توضيبها وتغليفها. في اليمن، وتحديداً فيما يتعلق بعمليات تهريب المخدرات يتردد اسمان يُحسبان من رجال المملكة الجارة: عضو البرلمان اليمني عثمان مجلي، و محمد الوايلي تاجر المخدرات المعروف، وفق ما تنقل مصادر يمنية.

بعد ثورة 21 أيلول/سبتمبر 2014، نجحت قوات الأمن اليمنية واللجان الثورية في ضبط عمليات التهريب، “وكان لضبط ظاهرة التهريب أثرها الكبير على سياسة السعودية مع اليمن” وفق ما تشير المصادر! وهو ما أقرت به وزارة الداخلية السعودية في 1 أيلول/سبتمبر 2015، بإعلانها ان نسبة تهريب المخدرات من اليمن إلى السعودية انخفض إلى 80% عازية ذلك إلى “النتائج الايجابية” للعدوان.

سورية ولبنان والأردن : بيع الكبتاغون للسعوديين جلب له أموالاً طائلة

في وثائقي عرضته قناة بي بي سي بعنوان “الكبتاغون مخدر الحرب السورية”، ينقل معد الوثائقي الصحافي اللبناني رضوان مرتضى، عن “أبو السوس” ( اسم مستعار لشخصية سياسية معارضة مهمة تمول مصانع الكبتاغون في سورية) أن “بيع الكبتاغون للسعوديين جلب له أموالاً طائلة”.

بعد الأزمة السورية اتجه بعض السوريين إلى التجارة بحبوب الكبتاغون وترويجها مقابل الحصول على المال والسلاح، وكظاهرة جديدة برزت عدة مصانع للمخدرات في شرق ووسط سورية. كما تنقل التقارير الدولية أن تصنيع حبوب الكبتاغون يزدهر في دول جنوب شرق أوروبا: سلوفينيا، صربيا وبلغاريا، وهي تهرب عن طريق تركيا إلى سورية فالأردن وصولاً للسعودية.

يؤكد رئيس مكتب مكافحة المخدرات المركزي في وحدة الشرطة القضائية العميد غسان شمس الدين أن حبوب الكبتاغون المصنعة في سورية، يجري تهريبها إلى لبنان لتُصدر لاحقاً إلى السعودية ودول خليجية أخرى.

حتى أول من أمس كان من الممكن اعتبار انتشار المخدرات في السعودية آفة يسعى النظام إلى الوقوف بوجهها، ولكن ما تكشف أول من أمس الاثنين 26 تشرين الأول/اكتوبر 2015 عن تورط أحد أحفاد عبدالعزيز آل سعود (عبدالمحسن بن وليد بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز ال سعود) يأتي مكملاً لسلسلة فضائحيات النظام وعلاقته بترويج المخدرات في الداخل.

إذاً، تهريب المخدرات من لبنان يتم عبر طائرات أمراء آل سعود الخاصة وبختم ملكي، وازدهار تصنيع المخدرات في سورية يجري بأموال تتدفق من المملكة. وفي اليمن، يرعى رجال المملكة وتجارها عمليات التهريب، التي تفتك بالسعوديين أطفالاً وشباباً ومعتقلين، حتى أن أبناء الأمراء لا يسلمون منها إن خرجوا عن أدبيات الطاعة في قصور آل سعود.

* موقع المنار