مغامرات الإصلاح وسقوط الهيمنة الأَمريكية
بقلم / إبراهيم السراجي
لم تعد أَمريكا مخيفةً إلّا لأتباعها وحلفائها في المنطقة، ورغم أن واشنطن أثبتت عملياً أنها ليست حليفاً صادقاً لحلفائها ولا قوةً ضامنةً لأتباعها، ولم تَعُدِ القوَّةُ المهيمنة على العالم لوحدها، إلا أنه ورغم التجارب المتعددة والقائمة إلى اليوم إلّا أن الأنظمةَ والجماعاتِ في المنطقة لم تستوعبْ ذلك، وما تزالُ تسلِّمُ مصيرَها للأَمريكيين وتغفِـرُ لهم تخلِّيَهم عنها متى ما شاءوا العَودةَ إليها.
في السنوات الست الأخيرة حصل الأكراد في سوريا والعراق وتركيا على الدعم الأَكْبَـر من قبل الأَمريكيين مقارنةً بأتباع واشنطن في المنطقة، وكان يُعتقَدُ أن الأكراد سيكونون أوّل الرابحين من الفوضى الأَمريكية في كُلٍّ من سوريا والعراق، حتى أن واشنطن لم تتورَّعْ عن التصريح بموقفها عندما خيّرها الرئيسُ التركي رجب طيب أردوغان بين التحالف مع تركيا أَوْ التحالف مع الأكراد فكان اختيارُها هو الأكراد.
ويعرف الكثيرون النهايةَ المأساويةَ لمغامرة رئيس إقليم كردستان العراق المستقيل، مسعود برزاني، عندما دفعته الولاياتُ المتحدةُ؛ لإجراء استفتاء على استقلال الإقليم، رافضاً كُلّ النصائح، لينتهيَ به المطافُ إلى الاستقالة والتصريح بخذلان أَمريكا له.
والحقيقةُ أن أَمريكا لم تختَرْ أن تخذلَ البرزاني، بل عجزت عن دعم أهدَافه، فانهيارُ مشروعها في كُلٍّ من سوريا والعراق أدّى لحدوث نكسةٍ كبيرة للنفوذ الأَمريكي، وبالتالي لم تستطع أَمريكا أن تقدِّمَ الدعمَ المناسب للبرزاني مع وجود جانبٍ من الخذلان، وهو ما يتعلق بدعم موقف البرزاني بعد سقوط الاستفتاء ومساعدته على استعادة توازُنِه والمحافظة على موقعه كرئيس لإقليم وليس دولة، لكن ذلك لم يحدُثْ فاستقال الرجل وانتهت حياتُه السياسية.
أكرادُ سوريا وجدوا أنفسهم قبل ثلاثة أيام في موقف نُظَرائهم في العراق، عندما أعلنت كُلٌّ من تركيا والولايات المتحدة أن اتصالاً جرى بين رئيسَي الدولتين، وأن ترامب أبلغ نظيرَه التركي أن واشنطن ستوقف دعمَها وتسليحَها لـ “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية، وهي التي سبق أن فضّلتها على تركيا علَناً.
ويمكن ملاحظةُ أن أَمريكا تخلَّت باتصالٍ هاتفي واحد عن الأكراد بعدَ ما شعرت أنها عاجزةٌ عن دعمهم، وأن الأكراد عاجزون عن تحقيق ما تريدُه واشنطن من تقسيم للعراق وسوريا، لكن النظامَ التركيَّ الذي احتفل وتباهَى بالعَودة الأَمريكية، لم يستوعبْ أن أَمريكا لم تعُــدْ إلا بعد أن ساهمت تركيا نفسُها مع إيران والعراق وروسيا في إفشَال مشروع الأكراد، وأن أَمريكا كانت على استعداد لاستهدَاف وحدة الأراضي التركية.
الآن ترتكب تركيا خطأ جديداً، فالمكانة التي حصلت عليها بتقارُبِها مع روسيا وإيران حقّقت لها الكثيرَ من المصالح أَكْثَـر من تلك التي حصلت عليها في مرحلة ما قبل الخلاف مع أَمريكا، لكن النظامَ التركي مدفوعاً بالعودة الأَمريكية أظهر نيةَ الانقلاب على الاتّفاق مع روسيا وإيران بشأن سوريا، فقد نقلت وكالاتُ الأنباء عن رئيس الحكومة التركية قوله إن “احتمالَ تحقيق السلام الشامل في سوريا سيكونُ ضعيفاً في ظل وجود الرئيس الأسد”، متجاوزاً الحقائقَ على الأرْض التي تقول إن الاتّفاق الثلاثي بين تركيا وإيران وروسيا أدّى لخفض التصعيد وباتت معظم مناطق سوريا لا تشهد حرباً.
كما يبدو أن النظام التركي قد نسي أن المؤشرات التي أطلقها بشأن سوريا لن تعجب روسيا أَوْ إيران وبالتالي سيفقد حلفاء كانوا أَكْثَـر وفاء من واشنطن وأنه سيخسر هذا التحالف.
في اليمن لا يختلف وضعُ حزب الإصلاح عن وضع الأكراد، فالمطلوب اليوم لم يعد التحرر من التبعية لواشنطن بل الإدراك بأن أَمريكا لم تعد قادرةً على منحه أفضليةً في اليمن، ومع ذلك يتباهى الإصلاح في تعز هذه الأيام بأنه جزءٌ من “دولة” تحارِبُ ما يسمى “الإرْهَاب” الذي يمثّله “أبو العباس” قائدُ جماعة المرتزقة المدعومة إماراتياً؛ باعتبار أن أبا العباس هذا وُضِعَ في قائمة الإرْهَاب لدى السعودية والإمارات وأَمريكا معاً.
إذن، يكرِّسُ حزبُ الإصلاح بأن تصنيفَ “الإرْهَاب والإرْهَابيين” هو وفقَ الرؤية الأَمريكية والسعودية الإماراتية، متناسياً أن قوائمَ الإرْهَاب للدول الثلاث تعُـجُّ بعشرات الأسماء من قياداته، بل إن الإصلاحَ بكله متواجداً بقائمة الإرْهَاب الإماراتية، فكيف سيقنع الإصلاحُ الآخرين بأنه ليس إرْهَابياً حين يتم التخلي عنه كما حدث في عدن، إذا كان هو أوّلَ مَن قبل بالتصنيف السعودي الأَمريكي الإماراتي لقائد مرتزقة أبي العباس؟