الخبر وما وراء الخبر

أبجديات السياسة.. وتشخيص الصراع

41

بقلم / ماهر الشامي

دراسةُ الأحداث والمشهد على مستواه الوطني أَوْ الإقليْمي أَوْ العالمي من المعلوم أنه ليس لأي شخص عادي أن يدركَ مجرياته وأبعادَه الاستراتيجية للكشف عن مُخَطّطات الأعداء وتشخّص الوضع بدقة، بل يحتاج إلى متخصّصين ومفكرين ومحللين سياسيين وعسكريين يملكون بُعداً استراتيجياً ومراكز أبحاث على مستوى التحليل السياسي والعسكري ولاقتصادي وغيرها بعُمق وإحاطة كاملة بالأحداث وبكل ما يتعلق بالمؤثرات..

وقد نجد السوادَ الأعظمَ من الناس ينجرّون عبر صناعة الرأي العام لهم من خلال الإعلام الممنهج والموجّه وينساقون في سياسات الأعداء من حيث لا يشعرون..

حتى على مستوى التفكير نجد أن الكثيرَ لا يبذلون جُهداً ولا يكلفون أنفسهم في التحرّي والتحقق من الخبر أَوْ القضية المطروحة أياً كانت نوعها ولا يضع المتلقي للمعلومة أي احتمال أن الأخبار في أية قضية معينة وحصرها بهذا الشكل هي من صنع الأعداء لتشكيل حالة الرأي العام في أي مجتمع وإبعاده حتى عن التفكير أنه يوجد يحتملٌ آخر تم إخفاؤه من قبل الأعداء..

مقدمة المقال هذا لأصل إلى خلاصة مفادها، أننا في اليمن ورغم العدوان الغاشم وبشاعته وما نعانيه من ضائقة اقتصادية في ظل الحصار الخانق، وهذا شيء طبيعي، فنحن في حرب وعدوان كوني استهدف كُلّ مقومات الحياة بتواطؤ وشراكةٍ من المجتمع الدولي..

ورغم ذلك فما نشهده من واقع ملموس ونظره للمشهد عن قرب نصلُ إلى أننا في اليمن استطعنا أن ندرك أهداف العدوان ومشروعه ببُعده الاستراتيجي، لذلك قابلنا العدوان بصمود اسطوري مرتكز على بُعد استراتيجي ونفس طويل حدد قواعد الصراع وإدارة المعركة في مواجهة العدوان..

رسم خريطة الصراع قائد الثورة السيد عَبدالملك وحكمته وإدراكه لأهداف العدوان ومخاطر المرحلة واستطاع خلق وعي مجتمعي عزز من الانتصارات في جميع المسارات العسكرية وفي كافة الجبهات مع تطور نوعي في المنظومة الصاروخية التي شكلت مع الجيش واللجان الشعبية توازن رعب يعمل له الأعداء ألف حساب وقادر على تغيير موازين المعركة..

ولولا مجهودُ الإعلام الحربي وملازمتُه للتحرك العسكري وتوثيق الانتصارات والعمليات العسكرية والتنكيل بالأعداء لكان مع طول أمد العدوان استطاع العدوان تشكيلَ وخلقَ وعي عكسي على المجتمع يخدم أهدافه ويصل بالشعب إلى حالة اليأس والاحباط تمهيداً إلى مرحلة التسليم أَوْ الاستسلام..

ورغم فشل العدوان في جميع المسارات إلا أنه يسعى إلى تعويض ذلك الفشل ولو بخلق انتصارات وهمية عبر الإعلام ونفث السموم وشيطنة المكونات الوطنية التي بذلت التضحيات في سبيل الدفاع عن الوطن والحفاظ على كرامة وعزة الشعب اليمني واقصد أنصار الله وشرفاء اليمن وما يملكونه من رصيد وطني مشرف في الدفاع عن الوطن ومراعاة المصالح العليا للوطن والحريصة على توسيع الشراكة الوطنية للدفاع عن الوطن؛ حفاظاً على تلاحم النسيج الاجتماعي من أي اختراق..

هذه الفترة وخلال الثلاثة السنوات من العدوان وما قبله من حراك ثوري تجسّد في انتصار ثورة 21 من سبتمبر التي هي التصحيح الحقيقي لمسار جميع الثورات والتي أزعجت الأعداءَ؛ لذلك ما يحدث من عدوان هو محاولة لإجهاض الثورة وإفشال أهدافها حتى لا تُستكمل ويتم بناء دولة ذات قرار مستقل وذات سياده لا يتدخل الاجنبي بقرارتها ولا ينهب ثرواتها..

وخلال هذه السنوات الثلاث وما صاحبها من أحداث خلقت حالةَ وعي مجتمعي لم يعد محصوراً على النخب والمفكرين والسياسيين المتخصصين ومراكز الأبحاث، بل اتسعت الدائرة لتشمل السواد الأعظم من الناس الذين أَصْبَحوا قادرين على تشخيص الوضع وقراءة الأحداث بعمق ووعي، وهذا في حد ذاته هو الانتصار الحقيقي على الأعداء؛ لأنه يعزز من تماسك الجبهة الداخلية ويفشل مُخَطّطات العدوان..

وأَصْبَح المواطن اليمني لا يعتمد على وسائل الإعلام، ولا يثق بما يصدر عنها، بل له تحليله وفق قناعات وعبر معطيات هو حددها للوصول إلى نتائج لا تتفق مع ما يبثه الإعلام المعادي..

الخلاصةُ أن المرحلة انتجت حالةً من الوعي ولكن القدرة على استثمار هذا الوعي للمشروع الوطني ومواجهة الأعداء والقدرة على التشخيص وعدم الانجرار مع الإعلام الموجه والممنهج هو وجود الثقافة القرآنية ومشروع الشهيد القائد السيد حسين الحوثي رضوان الله عليه الذي هو سدّ منيع وتحصين للمجتمع من أي اختراق؛ لأن الثقافة القرآنية الصحيحة تعرض الواقع وفقَ السنن الإلهية، وهذا ما سعى إلى تحقيقه الشهيد القائد رضوان الله عليه..

وأنهي مقالي بأن أي سياسي أَوْ عسكري أَوْ اقتصادي أَوْ مفكر لا يتحركَ في إطار مشروع أمة ولا يحمل الثقافةَ القرآنيةَ والهُوية الإيْمَانية بوعي وبصيرة فهو لا يملك الإحاطة الكاملة لدراسة الأحداث، ويتم اختراقه وتنحرف أهدافُه لخدمة أشخاص أَوْ حزب أَوْ يكون ألعوبةً في يد الأعداء.