السعودية وإجهاض القومية العربية؛ الأسباب والنتائج
كان يمكن للسعودية أن تساهم في حلحلة أزمات المنطقة والوقوف إلى جانب شعوبها التي أصبحت تعاني الأمرين نظرا لغياب أي جهود عربية حقيقية في توحيد الشعوب العربية وتحسين واقعها الحالي، لكن ومع الآسف فإن السعودية التي تعتبر نفسها رأس الهرم في قيادة الأمة العربية والدفاع عن قضاياها أصبحت اليوم تشكل أكبر تهديد حقيقي لهذه الامة نظرا للسياسة التي تنتهجها حاليا مع جيرانها العرب ومعاداتها لهم وحصارهم في أغلب الأحيان مقابل التقرب من الكيان الاسرائيلي والمضي قدما في إجراء التطبيع مع تل أبيب الذي بدأت أول خيوطه تظهر للعلن دون أي خجل.
القومية العربية اليوم يتم العمل على حرفها عن مسارها وتضييع بوصلتها التي كانت فلسطين محورها الدائم، وللسعودية دور كبير في هذا الموضوع من خلال المساهمة في تأجيج الصراعات داخل بعض الدول وإلهائها عن قضيتها الرئيسية، وجميعنا يعلم كيف دعمت السعودية الجماعات المسلحة في سوريا بالمال والسلاح وكيف ساهمت في قمع الشعب البحريني الذي خرج أعزل من السلاح مطالبا بحقوقه المشروعة والمحقة في العدالة والمساواة، وكيف حاصرت قطر وأطبقت عليها الخناق لإرضاخها وإجبارها على الطاعة، وكيف شنت حربا عدوانية على جارتها اليمن وأغلقت جميع منافذ الحياة فيها، وكيف ضغطت على مصر وحاولت إفشال مساعي الأخيرة في توحيد الصف الفلسطيني، وكيف تعمل الآن على زعزعة الاستقرار في لبنان بعد أن فشلت مخططاتها في كل ما سبق.
تطبيع العلاقات مع “اسرائيل”
كنا في السابق نقول أن بوادر تطبيع العلاقات بين السعودية و”اسرائيل” يلوح في الأفق، اليوم هذه المقولة سقطت من الأفق واقتربت من الأرض والواقع، وبدأت تتضح الصورة بشكل جلي أكثر من أي وقت مضى خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها العلاقات السعودية – الاسرائيلية والتناغم الكبير بين الاثنين في الكثير من المسائل والقضايا التي تدور رحاها في المنطقة، والمقابلة الأخيرة التي أجرتها صحيقة “إيلاف” السعودية مع الجِنرال الإسرائيلي غادي إيزنكوت، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، ليست بالغريبة أو البعيدة عن هذا التناغم بل على العكس ماجرى هو إعلان مبطن لبداية التطبيع، خاصة أنه جرى خلال المقابلة الحديث عن استعداد الحكومة الاسرائيلية تبادل معلومات استخبارية مع السعودية لمواجهة إيران، بحسب الجنرال إيزنكوت، وبالتالي فإن هذا التصريح يكشف لنا أن هناك تعاون وتحالف سعودي – اسرائيلي عسكري لمواجهة طهران.
وغازل أيزنكوت السعودية وأوضح طبيعة العلاقة معها قائلا: ” هناك توافق تامّ بيننا وبين المملكة العربية السعودية والتي لم تكن يوما من الأيام عدوة أو قاتلتنا أو قاتلناها، واعتقد ان هناك توافقًا تامًا بيننا وبينهم بما يتعلق بالمحور الإيراني”، طبعا هذه المقابلة ليست الأولى من نوعها في وسائل الإعلام السعودية والخليجية، لكنها الأولى لمسؤول صهيوني بهذه الرتبة مع صحيفة عربية، وهي جرت في مقرّ هيئة الأركان الإسرائيلية في “تل أبيب”.
هذا التحالف السعودي – الاسرائيلي قصم ظهر الأمة وأبعدها قضيتها الجوهرية، وأوضح للقاصي والداني أن السعودية ألبست الخطاب العربي الوحدوي كفنا أبيضا وأغلقت كل الأبواب على نهج الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، واليوم تهدف لكسر القوميّة العربية عبر محاولة تصفية القضية الفلسطينية، وتعمل على ترسيخ مبدأ القومية الخليجية بدل العربية.
نتائج التطبيع
الانفتاح السعودي على “اسرائيل” سيكون له نتائج كارثية على بعض الدول لاسيما الأردن التي أصبحت متوجسة وقلقة من تنازل الرياض عن حق العودة الفلسطيني، هذه المخاوف الأردنية نقلها مصدر في الديوان الملكي الاردني إلى موقع “ميدل إيست آي”، ورأى المصدر أن هذا الأمر قد يهدد الاستقرار في المملكة الهاشمية، ويقوض دورها كراع للأماكن المقدسة في القدس، واتهم المصدر الذي رفض الافصاح عن اسمه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالتعامل مع الأردن بازدراء، وقال: “إنه يتعامل مع الأردنيين والسلطة الفلسطينية كما لو كانوا عبيدا وهو السيد، وعلينا أن نتبعه فيما يفعل. لا هو يستشيرنا، ولا هو ينصت إلينا”.
هذا الكلام الأخير للمسؤول الأردني ينطبق على تعامل السعودية مع جميع الدول العربية، وبالتالي يمكننا أن نفهم أن السعودية تحاول نزع القومية العربية عن الأمة والعمل على جرها إلى مكان لن ترضى به الشعوب العربية الحية التي حاربت الصهيونية لعقود طويلة وقدمت أبنائها قرابين للحفاظ على هذه القومية وكان هذا الأمر جليا في سوريا ودفاع جيشها المستميت عن وحدة أراضيه وقضايا أمته، ونظرا لهذا التأمر الكبير على القومية العربية وفشل جيوش بعض الدول في ممارسة دورها الفعلي والمشروع انبثق “محور المقاومة” الذي كان عماده شعوب عربية مؤمنة بقضاياها رافضة لفكرة التطبيع مع “اسرائيل” وداعمة لقضايا الأمة، وقد رأينا كيف تمكن “حزب الله” اللبناني من إرضاخ الاسرائيليين في عام 2006 وكان مثالا يحتذى به في الدفاع عن أرض لبنان وكرامتها ورفض الإملاءات الخارجية، واليوم نجد تجربة “حزب الله” تتكرر في كل من العراق واليمن وفلسطين متمثلة بالحشد الشعبي وأنصار الله وحماس.
ختاماً؛ المتغيرات السياسية الأخيرة في المنطقة أخذت الامور نحو تغييب القضية الفلسطينية وساهم بهذا الأمر المملكة العربية السعودية التي استدعت الرئيس الفلسطيني محمود عباس وطالبته بتجريد “حماس” من سلاحها بحسب مصادر إعلامية، ولابد للسعودية من الحذر قبل التورط بتطبيع العلاقات مع اسرائيل لما سيترتب على هذا الامر من نتائج سلبية على المملكة قبل غيرها وربما يشعل النار داخل البيت الخليجي لأن الشعوب تعلم جيدا أبعاد هذا الأمر وكيف أن اسرائيل تتدخل في شؤون الدول كما فعلت مع السعودية في موجة الاعتقالات الأخيرة والتي كان لها يد كبيرة فيها بحسب مصدر غربي مقرب من بعض الامراء المعتقلين.
*الوقت التحليلي