الخبر وما وراء الخبر

حرب اليمن تجر “تحالف السعودية” إلى التطبيع العلني

45

ذمار نيوز | المسيرة نت:إبراهيم الوادعي 19 نوفمبر، 2017

فعالية مقاومة التطبيع التي انعقدت في الكويت الأسبوع المنصرم بدت وكأنها تقام في جزيرة نائية وتغطية إعلامية خليجية تحديدا ضحلة للغاية، باستثناء شبكة الجزيرة التي فعلت ذلك من باب المناكفة في وجه أبو ظبي والرياض ليس إلا.

وفي موازاة ماسبق كان لافتا الكرنفال الإعلاميّ الإسرائيليّ احتفاءً بالعلاقات (شبه) العلنيّة بين السعودية و”إسرائيل” عبر وسائل الإعلام العبريّة التي علقت على المُقابلة التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان العامّة، الجنرال غادي آيزنكوط، لموقع (إيلاف) السعوديّ، باعتبارها رسائل أوصلتها إسرائيل بالعربية وعلى وسيلة عربية تحمل بشارة قرب الإعلان عن علاقات علنية وأن التطبيع الكامل قاب قوسين أو أدني.

قطار التطبيع السعودي الإماراتي مع الكيان الصهيوني زاد من سرعته لمغادرة الظل والصعود بالعلاقات نحو الأعلى وأمام العالم، ويبدوا هذا شرطا “أمريكيا إسرائيليا لتحقيق أحلام بن سلمان وبن زايد في المنطقة، في إقامة ممالك علمانية تضع الإسلام جانبا وتحتذي النمط الغربي كما هو الحال في الإمارات التي سبقت السعودية في هذا المضمار.

العلاقات الإسرائيلية الخليجية ظلت لعقود تجرى تحت الطاولة دون أن يقدم أي من الطرفين على التفكير بتغيير ما، لكن فشل الفوضى الأمريكية في المنطقة ومشروع الشرق الأوسط الجديد دفع بمخاوف تل أبيب إلى الواجهة وباتت تطلب من حلفائها الخليجيين علاقات علنية مع ما قد يجلبه ذلك من مشاكل داخلية لهم ، وليس ذلك فقط بل تجر السعودية والامارات كل الدول السائرة في فلكها وخاصة المنضوية تحت لواء مايسمى التحالف العربي ،فقد نشرت صحيفة “إسرائيل اليوم”، تقريرًا مطولاً عن الأجواء السياسية الجديدة في السودان، حسب وصف الصحيفة، أعدّه مراسل الصحيفة إلداد بيك، الذي أجرى زيارة إلى الخرطوم وعاد وانطباعه أنّ كلمة التطبيع لم تعد محظورة في عاصمة اللاءات الثلاث” في اشارة إلى قمة الخرطوم  عام 1969، حيث صدرت قرارات حازمة وهي: “لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل”..

والسؤال هنا ما الذي يجبر حكام السعودية والإمارات على فعل ذلك، وجعل ذلك أولوية أمام كل مايجري ؟!

والجواب ليس إيران ؟، تلك وجهة للتعمية فقط ،فإيران لم تشكل خطرا على السعودية ولاتربطها بها أي حدود مشتركة، وهي متفرغة حاليا وإلى أمد غير منظور لمواجهة الشيطان الأكبر أمريكا، ينبغي النظر جنوبا حيث تسعر السعودية حربا على اليمن، الخارج لتوه من عقود هيمنت فيها الرياض على كل تفصيلة وأبقت اليمنيين أذلاء صاغرين قبل أن تشهد صنعاء الانتفاضة الكبرى ضد آل الأحمر وأدوات السعودية في ال21 من سبتبمر .

وهذه الحرب منذ اليوم الأول -26 مارس 2015م – اديرت بوجود ضباط أجانب بينهم إسرائيليون، وشارك الطيارون الاسرائيليون انطلاقا من القواعد السعودية وقواعد في اريتريا في ضرب المناطق اليمنية وارتكاب المجازر، وتؤكد التقارير الغربية ان السعودية ماكان لها ان تشن الحرب لولا الرعاية والقيادة الامريكية في توفير المعلومات وتحديد الأهداف وإدارة غرف العمليات وصولا الى تزويد الطائرات بالوقود والاسلحة.

فمع دخول العدوان السعودي على اليمن عامه الثالث تخشى الرياض والإمارات من تخلي “تل أبيب ” عن حلفائها الخليجيين بعد أن طالت حرب اليمن، وبالتالي فقدان تأثير اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.

“إسرائيل” التي خاضت حربا مع حزب الله تختلف عن ” الخليجيين” وتزن الأمور بمنظار عسكري، لا بمنظار الأحقاد فقط ، وهي أوقفت عدوانها على لبنان بعد 33 يوما مع انقشاع الأمور على الأرض بأن الحرب تسير لصالح حزب الله في ال2006م ،  وبعد ثلاث سنوات من العدوان على اليمن فمجريات المواجهة العسكرية على الميدان تسير لصالح أصحاب الأرض أيضا، وتحولت الحرب إلى مأزق يعاني منه البادئ بالحرب، وهي اليوم تستنزف الخزائن الخليجية المثقلة بانخفاض أسعار النفط ، وتكاليف صفقات السلاح المتتابعة.

وفي هذا السياق تتجلى حقيقة احتجاز اثرياء الخليج في السعودية “لحلب ” أموالهم والاستمرار في الحرب، وتتداول وسائل الاعلام الحديث عن مفاوضات تقضي بتخليهم عن حصص كبيرة من ثرواتهم مقابل الحرية ، اضف إلى ذلك تململ الداخل الصهيوني من الاستمرار في حرب خاسرة جديدة تفقد الداخل الصهيوني الثقة بالعنصر الوحيد المبقي على الكيان وهو الجيش الصهيوني الذي يخسر اليوم الى جانب حلفائه الخليجيين وفقد العديد من اهم ضباطه وهو المعلوم حتى الآن في ضربتي صاروخ قاعدة الملك خالد بخميس مشيط، وقاعدة باب المندب حيث ذهب بنتيجتهما رؤوس كبيرة بينهم ضباط “إسرائيليون” كبار .

المقابلة مع رئيس أركان جيش العدو الصهيوني ليست الأولى في وسائل الإعلام الممولة خليجيا وسعوديا بالتحديد، لكنها الأولى تجري مع مسئول صهيوني بهذا الحجم وفي داخل الكيان في مقر قيادة الجيش “الإسرائيلي” وللمكان هنا دلالة بأن السفر إلى “إسرائيل” أصبح امرا عاديا وليس جرما.

وهي تأتي في اتساق مع خطوات متتابعة بدأت بشكل علني منذ زيارة الجنرال السعودي أنور عشقي الى السعودية قبل أشهر وظهوره على شاشات التلفزة مدافعا وشارحا أبعاد الزيارة، وقبل المقابلة كانت المشاركة الإسرائيلية العلنية في البطولة الدولية للجودو في الإمارات مطلع نوفمبر الحالي.

وحقيقة فإن واقع التحالف الصهيوني السعودي الإماراتي ماض باضطراد، وتقول معلومات من مصادر عدة بأن التطبيع العلني أضحى مسألة أشهر فقط، ونقل مجتهد في تغريدات على صفحته بتويتر بان بن سلمان وبن زايد يظهران استعجالا في الخروج بالعلاقات مع تل أبيب إلى العلن.

وأضاف بان محمود عباس أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية مصدوم هو الاخر من الاستعجال الذي وجده خلال زيارته الأخيرة الى الرياض، حيث طلب منه إنهاء ملف “الخلاف” الفلسطيني الصهيوني كيفما كان.

جاريد كوشنر صهر ترامب واليهودي الديانة أجرى عدة زيارات إلى السعودية منذ زيارة ترامب الشهيرة الى السعودية، وبحسب وسائل اعلام فان كوشنر اضحى عراب الانتقال بالعلاقات الإسرائيلية السعودية الى العلن، تحت ضغط حاجة ” الرياض” الى الانتصار في اليمن، العقدة التي أضحت مؤرقة للعالم المنقسم الى مشارك في الحرب ومتفرج يراقب كحال روسيا والصين.

بعد أيام من الحرب لاحت فرصة ذهبية للسعودية بأن تخرج امام العالم منتصرة في الحرب، وتحفظ ماء وجهها، لكن الرياض اساءت التقدير وهي تعض اصابعها اليوم ندما وتضمنت مبادرة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حينها في اول خطاب له بعد نحو أربعة أيام من شن العدوان وقف الحملة الجوية، واحجام اليمن عن الرد وكان في ذلك حفظ لماء الوجه السعودي الذي يراق اليوم بسواعد اليمنيين، وبالرضوخ للشروط الصهيونية والابتزاز الأمريكي.

وكان من شأن الاستجابة لمبادرة السيد عبد الملك بن بدر الدين في حينها، عدم وصول الوضع في السعودية والإمارات إلى ما وصلت اليه اليوم من قلاقل داخلية واستنزاف الأموال بصفقات سلاح وشراء سكوت وولاءات، ومنع تحولها الى قبلة للمبتزين من ترامب الى ماكرون وماي وغيرهم الكثير مما ستكشفه الايام وقد لا يكون علينا ابتزاز ويكليكس لنعرف، وقبلة للصواريخ اليمنية بعضها لم يعرف الحرب منذ نشأة دويلته كحال أبناء زايد.

يدرك المراقبون أن الانسياق وراء اعلان التطبيع لن يكون حلا، ولن يجلب الاستقرار لبن سلمان الطامح في عرش سعودي مختلف عما سبقه، وهيمنة يتشاركها مع أبناء زايد على المنطقة، بل على العكس تماما فمن شأن ارتفاع العلم الصهيوني في سماء عاصمة عربية  جلب مزيد من القلاقل الداخلية لممالك تخسر اليوم رفاهيتها، إلى حياة من الشظف والمعاناة، وسيمنح المناهضين والمعارضين سيفا مصلتا يصعب دفعه، ولن تمنع في ذات الوقت شر ” إسرئيل” عنها ، ومصر ما بعد كامب ديفيد خير شاهد، ولما كانت قطرة محصورة في زاوية.