الخبر وما وراء الخبر

بين ترامب والحوثي

61

بقلم / د.  Mansar Hedhili

في الظاهر والظاهر فقط فإنّ الزمن الذي نعيش هو زمن ترامب أمّا عمقا أو علوّا فهو زمن الحوثي ترامب رئيس أضخم دولة عرفها التاريخ. أضخم بحساب المال والصناعة والبطش العسكري ووسائل الدعاية والدّجل. دولة تحكم العالم منذ فترة وتتدخّل في أدقّ تفاصيله. تذهب بمن تشاء وتأتي بمن تشاء وتجذب إليها كلّ طامع وجشع. كانت امبراطوريات في السّابق ولكن لم تبلغ ما بلغت أمريكا ولم تتوفّر لها ما توفّر ويتوفّر من أدوات بطش لأمريكا.

أمّا الحوثي فحساب آخر. شابّ في بداياته لم يضرب في الأرض ولم يتعلّم في جامعات مرموقة، من مجتمع يصنّف فقيرا ومن بيئة عربية تعرَف منذ قرون ضعيفة وقابلة لكلّ اختراق. لا بنوك في خلفية الحوثي، لا شركات عملاقة، لا ناطحات سحاب ولا طائرات تنافس الصّوت سرعة فكيف إذا كان المطلوب أن تتجاوز السرعة الصّوت بمراحل. لباسه من نوع لا تصنيف له من موضة ولا سلاح له إلا بعض مقاتلين وكاميرا تنقل صوته وصورته إلى العالم.

أقدر أن ترامب يقهقه كثيرا اذا تذكّر أو ذكروا له الحوثي. وكيف لا يقهقه وبينه وبين الحوثي مسافة تاريخ وبينه وبين الحوثي كلّ ما يمكن تصوره من فرق مادّي وتكنولوجيا ومعارف وعلوم.أما إذا ذكروا لأوباما أن الحوثي يردّد كلّ حين: “الموت لأمريكا” فإنّ الضحك عند ترامب يتخوّل هستيريا. بعين ترامب ليس الحوثي غير ميّت امّا أمريكا فواهبة حياة. هي تنشر الموت الأسود حيث تريد وحيث لا تنشر تكون حياة أو يكون بعض حياة. فكيف لمن هو في ضفّة الموت بحساب أمريكا أن يعلن موت أمريكا موزعة الموت والحياة؟

يتعلّق الأمر عند ترامب بحسابات القوّة أمّا عند الحوثي فالأمر يتعلّق بفلسفة القوّة ولأنّ خلفية الحوثي إيمانية فتقديره أنّ القوّة لله جميعا وأنّ القوّة له وحده وأنّه يصرّفها كما يصرّف الأرزاق والأزمنة والملك. ليس لدى الغربيين فلسفة قوّة بمعنى تفكير إشكالي فيها. لأنّهم ببساطة لا يتجاوزون الطبيعة ويلاحظون أنّ القوة قانون طبيعي وإذ صار الإعتقاد بينهم أنّ الإنسان إمتداد للطبيعة فقانون القوّة يفسّر كلّ أمر الإنسان. هم منذ قرون بفرح القوّة والفرح يلهي عن التفكير. تكون قويا أكثر بمزيد من مراكمة القوّة. هذا ما يستخلصونه دوما. تفكيرهم في تكييف القوّة ضعيف. وأقصد بتكييف القوّة ما يفترض أن يجتهد فيه القوي لتحصين كمّ القوة بكيف حيوي. الكيف بعدٌ يرتبط بالثقافة والمعنويات وقد كان من الكيف بداية نهوض الغربيين. بعد ذلك ضمُر الثقافي والمعنوي وتعرّت القوّة الغربية قوّة صلف ورعونة وخشونة. قوّة بين قارونية وفرعونية وقوّة هكذا لا تدوم. إذا كانت القوّة للله فإنّ دوامها يشترط ربطها بمالكها الأصلي. ترامب لا يعرف هذا ولا يعيه أمّا الحوثي فيعرفه ويعيه جيدا. وعليه فانّ قوّة ترامب فاتحة على ضعف اما ضعف الحوثي ففاتح غلى القوّة.

خلال السنوات الماضية تواترت أخطاء الأمريكيين بشكل لافت. أخطأت الفهم أولا فبالحسابات والمقاييس المعتادة والمعلومة لا تكون ظاهرة كظاهرة الحوثي ولا تكون ظاهرة نصر الله ولا تكون حماس. هي ظاهرة لا تمتلك قوة منافسة فكيف كانت؟ هي كانت بحسابات المعنى والثقافة لا بحسابات القوة والكثافة. بحسابات الكيف لا بحسابات الكم. بحسابات الروح لا بحسابات الجسد وما يتدرّع به. ليست صدفة أن يشقى السيد الأمريكي بسبب ديناميات تعتمل قي الشرق الذي حفظ بقية صلبة من حصانته المعنوية. ليست صدفة أن يسبب الشيعة كثيرا من الصداع الأمريكي فالمعتقد الشيعي صمدا هامشيا منبوذا ولم تفتنه حسابات القوّة لذلك فإن جرأته على قوي اليوم واضحة وجليّة. وليست صدفة أن يكون من اليمن ما يحذر الأمريكيون فرأسمال اليمنيين منذ قرون تشبّث مشهود بالقديم ووفاء لمعنى بلقيس.

لا أعلم الغيب ولا أتطفّل على أمر الله وما يأذن به ولكنني، توسّما واستشفافا أقول : إنّ مجرّد ظهور الحوثي في مشهد التاريخ دليل على نهاية وشيكة للأمريكيين. نهايتهم بما هم تطاول وتجاوز للحدّ. لم يظنّ أحد أنّ ذلك الرضيع المتسرّب إلى قصر باذخ عبر اليمّ سينهي العرش الفرعوني. هذا ما كان وهذا ما يكون لأنّ الأمر قانون. لا فرعون كان يعلم عن هذا القانون ولا ترامب يعلم عنه اليوم. من لا يعلم عن هذا القانون لا يدوم.