الخبر وما وراء الخبر

نص كلمة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ورعاه ذكرى عاشوراء 1437هـ الموافق 24-10-2015م

327

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد ألا إله إلا الله الملك الحق المبين وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله خاتم النبيين ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل أبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وارضى اللهم برضاك عن صحبه المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين ،

السلام على سبط رسول ، السلام على سيد شباب أهل الجنة ، السلام على الحسين بن علي أمير المؤمنين وبن فاطمة سيدة نساء العالمين ، بنت خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ،

شعبنا اليمني العزيز ، ايها الأحرار والشرفاء السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ،

وعظم الله لنا ولكم الأجر في هذه الذكرى الأليمة والفاجعة الكبرى ، ذكرى استشهاد سيد شباب أهل الجنة ، حفيد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وريث الهدى وقرين القرآن ، الإمام الحسين عليه السلام ، ومن الواقع المرير والمأساوي الذي تعيشه الأمة الإسلامية ، ومن ساحتها الممتلئة ظلماً وظلاماً وجوراً نستذكر مأساة الأمة ، يوم العاشر من محرم ، تلك الفاجعة ، التي لم تكن حدثا عابرا وغابراً مضى وانقضى وعفى عليه الزمن ، ومحت أثاره وتبعاته القرون المتعاقبة ، بل هو حدث له ارتباط وثيق بالأمة ، لأنه بأسبابه وحيثياته ، ومجرياته , وأطرافه ، في صميم قضاياها الكبرى وأحداثها العظام الجسام ، ذات الارتباط الوثيق والعميق والمؤثر في تكوين توجهاتها ورسم مسارها وصناعة مستقبلها وصياغة مفاهيمها ، وليس من الصدفة ما تعانيه الأمة الإسلامية اليوم وبالأكثر في المنطقة العربية ، من شتات وفرقة ونزاعات وظلم وجور وقهر ، وطغيان وإجرام ، من داخلها على يد بعض الأنظمة ، أنظمة العمالة والخيانة ، التي جعلت من نفسها أداة قذرة إجرامية لخدمة الطغيان اليزيدي الإجرامي ، المتمثل في هذا العصر بأمريكا وإسرائيل وعلى أيدي أعدائها من الخارج ، تلك المآسي التي نراها اليوم في فلسطين واليمن وسوريا والعراق وسائر الأقطار الأخرى وعلى نحو لا نظير له في الأمم الأخرى فالواقع الأسواء في كل الدنيا بكل ما فيه من تجرد من الأخلاق واستهتار بمبادئ الإسلام والقيم ا لإنسانية الفطرية ، هو الواقع الذي تعاني منه الأمة الإسلامية وخصوصا في المنطقة العربية وهي الأمة التي تؤمن بكتاب الله ورسله ونبيها خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبين ظهرانيها القرآن الكريم ، ولها في ذلك ما يضمن لها أن تكون على درجة عالية من الوعي والبصيرة وأن تتحلى بمكارم الأخلاق وأن تجتمع كلمتها على التقوى ، وعلى الخير والفلاح وأن تقيم العدل في الحياة ، وأن تكون ساحتها نظيفة من الطغيان والمنكر , ومن هيمنة المجرمين الجائرين الظالمين ، فما الذي أفقدها تأثير هذا الانتماء ما الذي جعل واقعها الأسوأ بين كل الأمم بالرغم مما تمتاز به من مبادئ وقيم ، وهدى ، أين أثر الأنبياء وأين أثر القرآن ، أين أثر الرسول والرسالة ، لماذا لم يكن هو السائد في واقع الإمة ، ما الذي أوصلها إلى هذا المستوى ، أمة يحكمها الجائرون الظالمون ، أمة فاقدة للوعي والبصيرة ، سوق مفتوحاً لكل من يروجون الفتن والظلال والباطل ويمكن لكل ضال أو مجرم أو مفسد أو ظالم ، أذا امتلك مال ومنال وسلطة وإعلام ، أن يجد ضالته في هذا السوق وأن يشتري الكثير .. الكثير من عباد المال .. وفاقدي الوعي ..واسر العصبيات والجهالات وذوي الأطماع والأهواء والنزوات  وساحة مكشوفة لا أسوار لها ولا حواجز يدنسها الجبابرة والمفسدين وميدانا محطم التحصينات كل من أراد أن يدخل إليه دخل وأن يؤثر فيه أثر وأن يفسد فيه أفسد وأن يعبث فيه عبث ، الأمريكي أتى من أخر الدنيا إلى هذه الساحة مستعمراً محتلاً ناهبا ظالماً مثيرا للفتن والحروب مستهدفا للقيم والأخلاق ومتحكماً في مصائر الشعوب ومتدخلاً فيما به المضرة بالأمة في دينها ودنياها ومصادرة حريتها واستقلالها وعزتها وكرامتها وضرب مصالحها والاستئثار بخيراتها وثرواتها ، والإسرائيلي تمكن من إنشاء كيان له في قلب المنطقة مقتطعا جزءا عزيزا من بلاد المسلمين ومن المنطقة العربية ، ومن الأرض التي باركها الله ، محتلا لفلسطين ، مدنسا ومهددا للأقصى الشريف ، وسائر المقدسات في فلسطين ، وممارسا لأبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني العزيز، وامتداد فساد ومؤامرات هذا الكيان إلى سائر المنطقة ، والمؤامرات من كليهما ، الأمريكي والإسرائيلي وبواسطة عملائهما من المحسوبين على الأمة في بقية دول المنطقة جلبت الشر والفتن والمآسي ، على شعوب  المنطقة وأفقدتها الأمن والاستقرار والسلام ، واستهدفتها في قيمها ووعيها وسعت لتمزيق نسيجها الاجتماعي ، وتفريقها تحت كل عناوين التفرقة ، ولا يحتاجون إلى صعوبة ، في عملية الخداع والتظليل التي يؤثرون بها على الكثير من فاقدي البصيرة وأسرى الأطماع والأهواء والرغبات الشيطانية ، وباستثناء القوى الحرة والمستنيرة في أوساط الأمة التي تعي حقيقة المؤامرات والمكائد المعادية وتتحرك بدافع المسئولية بالتصدي له ومواجهتها ، فإن الغالب وللأسف الشديد في واقع الامة هو غياب المشروع والهدف ، فالكثير من أبناء الأمة لا يعي مسئوليتها ودورها ولا يدرك المخاطر والتحديات التي تواجهها ويقع بالتالي ضحية لذلك الجهل ، لقد كان المسار الطبيعي للأمة هو الارتقاء لو أنها في الاتجاه الصحيح وهي أمة الألف والأربعمائة عام ، وأمة الرسالة والهدى ذلك المشروع الالهي الكفيل بالارتقاء بها في كل المجالات لتكون أهدى وخير الأمم وليعم خيرها العالم وتوصل نور الله إلى شتى أقطار الأرض ، لذلك فإن من حقنا بل من واجبنا أن نبحث عن الأسباب فطريقنا للخلاص يبدأ من تشخيص الداء وأسبابه ومعرفة علاجه ، بعد أن وصلت ، أوضاع الأمة إلى الواقع المظلم والأسوأ وبلغت معاناتها الى الحد الذي لا يطاق ولا يمكن تجاهله والتغاضي عنه ، والواقع المرير والمأساوي بكل ما فيه من ظلم وظلام وعناء وشقاء ، ليس وليد اللحظة ، حتى نكون فجأة رأينا الأمة الإسلامية تنتقل من وضع ينسجم كل الانسجام مع مبادئها وقيمها وقرآنها وإسلامها خيرا وعدلا وعزة ومنعتا واخاء ووحدةً وتعاونا  على البر والتقوى وتجسيدا لأخلاق الإسلام إلى واقع مغاير ، لا أنما هذا الواقع هو امتداد للماضي ، ونتاج له ومن هنا نتطلع إلى التاريخ ليس من زاوية مذهبية ، التاريخ وفق ما نقله المؤرخون ، من كل الأمة نتطلع إلى التاريخ من واقع ما ما امتد به هذا التاريخ من تأثير تجلى في هذا العصر فيما عليه الأمة الإسلامية ، من واقع هو الأسوأ في كل الدنيا ، وبين كل الأمم ، وحينما نتطلع إلى التاريخ ، نجد ما تعانيه الأمة اليوم ,، وما تغشاه أيضا قد وقع مثله والأسوأ منه ، فيما مضى ، بما في ذلك الاستباحة لصفوة المسلمين وأخيارهم ولعامتهم، وفي طليعتهم عترة رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله ، وبقية صحابته من المهاجرين والأنصار وذريتهم والاستباحة للمقدسات بما فيها مكة والكعبة ، والمدينة ، وإرساء دعائم الجور والاستبداد والملك العضوض في حكم الأمة والتحكم بها والاستئثار بفيدها بخيراتها والاستهداف لها في أخطر ما تستهدف فيه من خلال عملية التظليل ، بتحريف المفاهيم الدينية وافساد ا لنفوس وتحويل الإسلام إلى حالة شكلية ، وطقوس معينة مفرغة من أي مضمون ومعنى وانتماء غير واع بحقيقة مبادئ الإسلام الكبرى التي بها عزة الأمة وقوتها وحرية الإنسان من العبودية للطواغيت وصلاح الحياة وإقامة العدل ، وبناء الإنسان في زكائه وقيمه وأخلاقه ووعيه وبصيرته ، ليبني الحياة ويطبعها بطابع الخير ، أن الطغيان والظلم والجور الذي تعاني منه شعوب المنطقة ليس حالة جديدة وواقع الأمة فيما يعانيه الكثير من أبنائها من نقص في الوعي وقابلية للتضليل والخداع وانسياق خلف الجائرين المستبدين والمفسدين المظلين هو نتاج لتراكمات ذلك الانحراف الكبير والخطير الذي افقد الكثير من أبناء الأمة الفرقان والاستنارة ببصائر الهدى والقرآن وأزاح المعايير والاسس الكبرى وعلى رأسها الحق .. الحق كمعيار أساس للموقف ، ذلك بأن الذين أمنو اتبعوا الحق من ربهم وأصبح البديل عن الحق هو المال والمنال ، والطمع والأهواء أشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، ولذلك نجد الكثير من الناس في دوافع قراره وموقفه أين يكون وفي أي ساحة ومع من ، وضد من ، يلغي الحق من حساباته ، ويجعل البديل عنه المال ، فهو مع الموقف الذي فيه مال ، فيه سلطة وليس مع الموقف الذي يستند إلى الحق ، يجعل البديل المال أو السلطة أو العصبية و الأهواء ، سماعون للكذب ، آكلون للسحت ، يتحركون مثلما الحيوانات بدافع الغريزة والأطماع ، بدلا من المبادئ وبعيدا عن الحق والمسئولية ، والحكم الأموي لعب الدور الأسوأ في ذلك ،،فهو أتى في مرحلة حساسة ومهمة ، وسخر ووظف الإمكانات الهائلة للدولة الإسلامية يوم كانت الدولة الإسلامية هي الأكبر والأقوى في العالم، يوم كان بإمكان الدولة الإسلامية ، أن ترسي دعائم الحق والخير في كل العالم ، فحرف مسار الأمة وأفسد واقعها وبدل وغير ، وكما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فيما قبل عنهم بأنهم إذا تمكنوا من السيطرة على مقاليد أمور الأمة ، أتخذوا دين الله دغلا وعباده خولا وماله دولا ، فيما يعنيه هذا من إفساد للدين بتحريف مفاهيمه وطمس قيمه وتضييع أخلاقه ومن استعباد عباد الله تحويلها إلى خول يعني إلى خدم إلى عبيد ، والاستئثار بالمال العام، مال الأمة والافقار لها وهذا الذي كان بما تجمعها هذه العبارات من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من توصيف شامل ودقيق ، فكانت جنايتهم بذلك على الامة وعلى البشرية من وراء الأمة عظيمة ، تفوق التصور والخيال، وأثارها اليوم ماثلة في واقع الأمة ، فيما تعانيه من ظلم وقهر وطغيان , حيث عمدوا وسعو وحذا حذوهم في ذلك حكام الجور ، في الحقبة العباسية وما بعدها ، وبمساعدة علماء السوء ووعاظ السلاطين إلى فصل الأمة عن كل عوامل ومنابع ا لهداية والصلاح والاستقامة والعزة والخير ، عن الأخيار والهداة والصالحين ، عن المفاهيم العظيمة الهادية ، عن القيم والأخلاق والمبادئ الحقه ، لقد أراد الله لهذه الأمة أن تكون أمة الأنبياء وأمة خاتم الأنبياء صلى الله وسلم عليه وعلى آله ومرتبطة بورثتهم الصادقين، قال تعالى : “يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين” ، وقال تعالى : ” واتبع سبيل من أناب إليك ” وأن لا تقبل أبدا بالمظلين والمنحرفين والفاسدين والجائرين والظالمين , أن يحكموها وأن يتقلدوا أمرها ويتحكموا بها

قال تعالى : ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه ، وكان أمره فرطا ”

أراد الله لهذا الأمة أن تكون مع الصادقين ، لا أن تكون مع أصحاب الدولارات ، مع أصحاب الدينار والدرهم ، مع أصحاب النزوات والرغبات ، أن تكون أمة الحق ، إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر،

ذلك بأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم ، أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ، أن تكون أمة العدل ، كونوا قوامين بالقسط ، أن تكون أمة النور والوعي وبالبصيرة ، قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها ، قد جاءكم من الله نور وكتاب منير ، ولكن للأسف أولئك المجرمون حرفوا مسار الأمة وحرفوا مفاهيم دينها وأفسدوا قيمها وكانت النتيجة صناعة نموذجين النموذج الأول ألبسوها التدين لاستيعاب واحتواء المتعطشين للتدين في أوساط الأمة باسم الدين وباسم الاسلام ، بينما حقيقة الأمر صناعة لخليطين من المفاهيم المزيفة والأباطيل والأفكار المنحرفة المحسوبة على الدين ، والنموذج التكفيري الذي هو أداة بيد أمريكا تضرب به شعوب المنطقة وتشوه به الإسلام هو امتداد لذلك النموذج الذي كان له وجود في المراحل الماضية من تاريخ الأمة بتدينه الذي لا قيم فيه ولا رحمة ولا عدل بوحشيته و إجرامه ، بواقعه أداة طيعة بيد المتجبرين والمفسدين ، ونموذج آخر منفلت لم يعد له ارتباط أصلا بالمبادئ الدينية على قطيعة تامة معها ، يتحرك في مواقفه وأعماله وتصرفاته بالغريزة والأهواء والرغبات والأطماع كالحيوانات بدلا من المبادئ ، فهو مع المال وليس مع الحق ،مع المناصب وليس مع المبادئ ،مع الأطماع وليس مع القيم، وساءوا بقية الأمة سوء العذاب استبدادا وقهرا وإذلالا وظلما، من موقع القدرة والسلطة والحكم وهذه هي الخطورة الكبيرة التي عم بها الضرر والخطر وتضاعف بها التأثير السيء وبالجبروت والطغيان وبالتضليل والإفساد عملوا على تدجين الأمة وإخضاعها لجورهم وسيطرتهم فضلوا وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ، ولكن كانت مشكلتهم الدائمة والممتدة عبر التاريخ هو ذلك الامتداد في المقابل للرسالة والحق للإسلام النقي للقران في حملته الحقيقيين الصادقين ورموز وأعلام الهدى والذين معهم من الأحرار والشرفاء في الأمة ، والحسين عليه السلام هو معلم من معالم الحق وأعلام الهدى، وحين قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيه وفي أخيه الحسن: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما) وحين قال صلى الله عليه واله وسلم: (حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا ، حسين سبط من الأسباط ) فليس ذلك مجرد ثناء وإنما يقدمه إلى أمته امتدادا لهديه وتأكيدا على الدور المهم له عليه السلام في مرحلة من أخطر المراحل التي مرت بها الأمة ، المرحلة التي وصل فيها يزيد بكل ما هو عليه من طغيان وفسق وفجور واستهتار بالإسلام ونبي الاسلام وقيم الاسلام وصل إلى سدة الحكم ليكون خليفة للمسلمين وحاكمهم والمتحكم فيهم بما يترتب على ذلك من طمس لمعالم الاسلام كما قال سيدنا الحسين عليه السلام قال: (وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد) فتحرك الحسين عليه السلام ونهض نهضته التي امتدت بأثارها المباركة في أجيال الأمة حرية وعزا وإباء ، وحفظت للإسلام خلوده وللحق بقاءه وللهدى امتداده وأرست دعائم الحق المحمدي القرآني الأصيل الذي لا يقبل بالإذعان والاستسلام للطغاة الجائرين والمستكبرين، وقال عليه السلام عن حركته ونهضته تلك: (ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما إنما خرجت للإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) والحسين عليه السلام بموقعه في المسؤولية وريثا للهدى وقرينا للقران وبمكانه الإيماني العظيم لم يكن أبدا ليقبل بأن يفرغ الاسلام من مبادئه وقيمه ، تحرف مفاهيمه وتهان الأمة وتضام وتستعبد وتتحول ساحة المسلمين إلى ساحة لا وجود فيها للحق ، أي إسلام هذا الذي يكون واقعه وواقع أبائه فيه واقع مفرغ من الحق ؟ يسود فيها الباطل بكل امتداده في الحياة بكل ظلم وفساد ، لأن خلو الميدان من التحرك بالحق لمواجهة الباطل معناه أن تتحول إلى ساحة للشر والاشرار وتمتلئ بالظلم والضلال معناه ضياع للحق من واقع الحياة ولهذا قال الإمام الحسين عليه السلام: (ألا ترون أن الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما ) معناه ضياع للإسلام ولكل الجهود التي قدمها الأنبياء وقدمها خاتم الأنبياء رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهداية البشرية والسمو بالإنسان والسعي لتحقيق العدالة والخير والارتقاء بالحياة نحو السعادة في الدنيا والاخرة ، وبجهاد الحسين عليه السلام وتضحيته مع الخلص والصفوة من صالح الأمة القلة القليلة الوفية التي تحركت معه وبشهامته عليه السلام وبما قدمه في ملحمة عاشوراء بالقول وبالفعل خلد للأمة مبادئ الاسلام نقية وجسد أخلاق السلام وأحيا الشعور بالمسؤولية والاستعداد العالي للتضحية والوعي الراسخ والعميق بخطورة الإذعان للذل والهوان مناديا للامة بمسؤوليتها في الجور والظلم والتصدي للظالمين والمتجبرين قائلا) : أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فمن لا يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله )، وحين واجه التحدي باطمئنان وساوموه بين الذلة والهوان أو القتل والشهادة قال عليه السلام: بعزة الإيمان بمبادئ الإيمان بروحية الإيمان لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد ، وقال عليه السلام: ألا فإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة وبين الذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ونفوس أبية وأنوف حمية تؤثر مصارع الكرام على طاعة اللئام  ، وبذلك كانت نهضته عليه السلام بكل ما فيها مدرسة معطاءة غنية كل الغناء بالروحية والقيم والمبادئ والدروس والعبر التي تحتاج إليها الأمة ويستفيد منها كل الأحرار من البشر في مواجهة التحديات مهما كبرت ومواجهة الطغاة والأشرار والمستكبرين والجائرين مهما كان جبروتهم ومهما بلغت وحشيتهم وفظاعة جرائمهم، وأمتنا اليوم تواجه نفس الطغيان اليزيدي بنفس وحشيته واستكباره وإجرامه وأهدافه في استعباد الناس وممارسة الإجرام والظلم وتدمير الحياة متمثلا بأمريكا الشيطان الأكبر والكيان الإسرائيلي الغاصب منبع الشر والفساد وراعي الإجرام الممتد إلى شتى أقطار العالم والمستهدف بالدرجة الأولى شعوب امتنا الإسلامية في المنطقة العربية وغيرها مستفيدا من أياديه الإجرامية القذرة التي اخترق بها الأمة من الداخل من قوى العمالة والخيانة والارتهان التي خانت الاسلام وخانت الأمة وجعلت من نفسها بكل ما تملك جنودا في خدمة أعداء الإسلام والمسلمين وضد أبناء الأمة وعلى رأسها النظام السعودي المجرم والتكفيريون المتوحشون الذين لا يألون جهدا في خدمة أمريكا و إسرائيل ، وما يقوم به النظام السعودي تحت قيادة أمريكا وبإدارتها وتوجيهها ورعايتها ولخدمتها من عدوان غاشم وأثيم إنما يخوض به ومن معه من العملاء والمرتزقة معركة أمريكا وإسرائيل على يمن الإيمان والحكمة وبنفس الأسلوب والممارسات الأمريكية والإسرائيلية المتجردة من كل الأخلاق والقيم من قتل جماعي للأطفال والنساء ومن تدمير لكل مقومات الحياة ، لا يرعى حرمة من الحرمات، يقتل الأطفال الرضع والشيوخ الركع والأنعام الرتع والنساء والرجال، يحاصر شعبا بأكمله ، يتجاوز وينتهك تعالم الإسلام ويستهتر بها والمواثيق والقوانين الدولية ، لا يختلف في وحشيته وإجرامه وعدوانيته عما تفعله إسرائيل ولا أمريكا ولا كأنه ينتمي إلى الإسلام ، ويسعى بكل ما يستطيع ومن معه من المرتزقة الذين اشتراهم بالمال وأرخصوا أنفسهم من بعض القوى بالخارج وبالبعض من الداخل يسعى لاحتلال البلد ليجعل منه ساحة محتلة لأمريكا ولإسرائيل وليجعل من الشعب اليمني الحر الأبي العزيز شعبا مستعبدا لا استقلال له ولا إرادة له ولا قرار له ولا حرية له ذليلا مقهورا مستسلما خانعا .

إن هذا العدوان الغاشم هو أمريكي القرار، أمريكا من قررت وأمرت ، أمريكي الإرادة أمريكي الفعل والتدبير بإشراف مباشر ومشاركة من أمريكا وتحالف مفضوح مكشوف مع إسرائيل، وشعبنا اليمني العزيز وبعد أكثر من نصف عام منذ بداية هذا العدوان معني بأن يواصل معركته بالدفاع عن نفسه وعن حريته وعن استقلاله وعن أرضه وعرضه وعن قيمه ودينه ، وقد تعرى المعتدون واتضحت حقيقة أهدافهم بعد سقوط كل المبررات والذرائع الواهية التي جعلوا منها عناوين وشعارات لعدوانهم، فبات اليوم من الواضح أن هدفهم بكله هو احتلال البلد واستعباد وإذلال الشعب اليمني العزيز ، ونحن كشعب يمني مسلم ينتمي إلى قيم الاسلام ومبادئ الاسلام التي تحرك بها الإمام الحسين عليه السلام، ونادى بها في الأمة وتمسك بها ، وواجه بها الطغاة والمجرمين ، ونحن نقول بأعلى أصواتنا من أعماق قلوبنا وبكل إحساسنا ومشاعرنا كما قال الإمام الحسين عليه السلام هيهات منا الذلة ، ونقول : لا والله ، لا نعطيهم بأيدينا إعطاء الذليل ولا نقر إقرار العبيد وعلى خطى الحسين عليه السلام في درب جده رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ، بتوكلنا على الله واعتمادنا عليه ، لن نتوانى أبدا في مواجهة أولئك الغزاة المجرمين ، لن نقبل بالهوان ولن نخنع ولن نخضع ولن نركع إلا لله تعالى ، نعيش أعزاء أو نلقى الله في ساحات القتال والشرف كرماء ، وبهذا الإيمان وبهذا العزم وبهذه الروح وبهذا الوعي فإن كل الأحرار والشرفاء في بلدنا حاضرون ومستعدون للصمود وللتضحية مهما بلغ حجم التضحيات ومهما كان مستوى الطغيان لأن المسألة ليست قابلة للمساومة ، المسألة مسألة حرية أو استعباد ، عز أو ذل، حق أو باطل ، شرف أو هوان ، أن تعيش إنسانا أو يجعلوا منك حمارا وحيوانا ممتهنا ، ولذلك فإنه مهما طال أمد العدوان ومهما كان حجم التطورات لن يوهن ذلك من عزمنا ولا من ثباتنا ولن يكسر إرادة شعبنا لأنه صمود وثبات وعزم مستمد من التوكل على الله والثقة بالله والاعتماد على الله سبحانه وتعالى ، ومن القيم الراسخة قيم الحرية والعزة والإباء ومن الوعي بالأهداف الشيطانية لهذا العدوان السعودي الأمريكي الإسرائيلي ، وأقول لشعبنا العزيز أنت بتوفيق الله تعالى وبعونه تمكنت من الصمود لأكثر من نصف عام بالرغم من حجم الإجرام وتكالب المعتدين وما مارسوه بحقك من القتل والدمار والاجرام ، وأنت باعتمادك على الله تعالى وبوعيك وعزتك وحريتك وإبائك وشموخك قادر ليس فقط على الصمود وإنما على هزيمة ودحر الغزاة المعتدين وتحرير كل شبر من أرضك قد احتلوه ، وكسر أطماعهم بكلها ، ولم يكن هذا الصمود عديم الجدوى كان صمودا مجديا وفاعلا ومؤثرا ، خيب آمال الأعداء إلى حد كبير ، كسر أطماعهم إلى حد كبير ، كبدهم الكثير والكثير من الخسائر ، على مستوى المال المليارات الكثيرة التي قد خسروها ، على مستوى الإمكانات طائرات أسقطت ومئات العربات والآليات العسكرية دمرت ، بارجات أيضا حربية دمرت ، عدد كبير من الجنود والمرتزقة قتلوا والبعض منهم أسروا ، وأنت يا شعبنا العزيز أنت بالله الأعلى والأقوى ، إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم وبيدك الخيارات الفاعلة والمؤثرة في الميدان ، وأوجه النداء لكل الأحرار والشرفاء في هذا الشعب أن يرفدوا الخيارات الاستراتيجية الفاعلة التي بدأت بتقدم أبطال الجيش واللجان الشعبية في محاور القتال في جيزان ونجرن وعسير وكبدت المعتدين خسائر فادحة قتلا وأسرا وتدميرا لمعداتهم الحربية ، وبرفد الجبهات الداخلية لصد المحتلين ومواجهة المرتزقة الذين أرخصوا أنفسهم وباعوها ، وباعوا شعبهم وبلدهم ، وخانوا أمتهم ، وللأسف الشديد وصلت بهم الدناءة والانحطاط والخيانة أنهم الآن يقومون بخطف البعض من أبناء الشعب اليمني  وبيعهم للنظام السعودي ليكونوا أسرى لديه بعدما افتضح في وهنه وضعف جيشه ، فجيشه يقتل والبعض منه يؤسر .

ولا يفوتنا اليوم ما يقوم به الجيش وعلى رأسه القوة الصاروخية من توجيه ضربات مدمرة وقوية بصواريخ سكود وغيرها للقواعد العسكرية وللبارجات الحربية مؤملين منه الاستمرار بفاعلية ، وفي هذا اليوم في ذكرى ملحمة عاشوراء يوم العز والتضحية والصبر ، يوم الثبات والوفاء ، يوم مقارعة الطغيان والاستكبار نؤكد ما يلي:

أولا: مهما بلغت معاناتنا كشعب يمني ومهما كان حجم العدوان لن ننسى ما يحدث في فلسطين من تهديد للمسجد الاقصى والمقدسات , ومن احتلال للأرض ومن اضطهاد ومن ظلم للشعب الفلسطيني العزيز، ونؤكد تضامننا ووقوفنا إلى جانب الشعب الفلسطينيين ، بل أننا نرى المعركة واحدة والقضية واحدة .

ثانيا: مهما بلغ العدان فأن الشعب اليمني مستعد للتصدي للغزاة والمحتلين ، ولن يقبل مهما بلغت التضحيات بالإذلال والاستعباد ومصادرة حريته واستقلاله ودينه وأرضه , وانتهاك كرامته ، ونصيحتي للمعتدين أن يأخذوا الدروس والعبر مما قد حصل ، وأن يعرفوا أنهم أنما هم يغرقون أكثر وأكثر في مستنقع الهلاك والخسائر ، فليعيدوا مراجعة حساباتهم ،

ثالثاً : كما في كل المناسبات ، نؤكد على أهمية وضرورة التعاون والتفاهم بين كل المكونات والقوى في البلد ، فالخطر على البلد بكله ، وواهم وغبي من يتصور أن المعركة لا تعنيه ، أو أنه غير مستهدف بهذا العدوان الأمريكي الإسرائيلي السعودي، والله أن كل يمني ويمنية مستهدف ، حتى في حريته واستقلال بلده ، وإذا كان الاستهداف حتى بالحرية والاستقلال ، اليس استهداف للجميع ، حتى المرتزقة ، الذين رضو لأنفسهم بيع الحرية ، وأن يكونوا عبيدا مأمورين لعبيد العبيد ، عبيداً لعبيد أمريكا .

رابعاً: نؤكد من جديد على أهمية الدور الذين يقومون به كل الاحرار والشرفاء من علما ء ومثقفين ووجاهات اجتماعية واعلاميين ، بالتعبئة المعنوية ومواجهة الحرب التضليلية الإعلامية وأبواق الخيانة والإرجاف ، ونحث على الاستمرار على ذلك بفاعلية أكبر ونشاط أكثر ، كما نشيد من جديد بالدور المتميز للقبائل اليمنية .

ونسأل الله تعالى أن يرحم شهدائنا الأبرار وأن يشفي جرحانا , وينصر شعبنا ويخيب أمالِ المعتدين .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته