الخبر وما وراء الخبر

أُمُّ الشهداء تروي لحظات “استشهد الفقيه”: كان رحيماً بالناس، بكوا عليه العالم حتى الصومال والأحبوش

282

ذمار نيوز | صدى المسيرة 14 سبتمبر، 2017

  • قدمتُ 3 شهداء من أبنائي و6 ما زلوا في الجبهة “مع الله.. نذرناهم في سبيله”

  • قالوا “عزاء شهيدكم غريب، فيه الأحمر والأخضر والأسود والأبيض” لأنه كان رحيماً بالناس بالصغير والكبير، وبالصومال والأحبوش

  • أحِبُّ السيد عَبدالملك أعظمَ من أولادي، ليتي أذهب الجبهة، لو أمرَنا لتوجّهنا نحن النساء لجهاد الأعداء ولن نتأخر دقيقةً كما يعلم الله

  • الشهيد عاطف كان ينفق في سبيل الله دائمًا حتى من قوته، لو لم يكن لديه ما يأكل

  • أقول للشباب وللرجال: إذهبوا إلى الجبهات، دافعوا عن شرفنا وعن كرامتنا

  • أقولُ للمجاهدين بأن يشتدوا على الغزاة والمرتزقة يقاتلوهم بعزة وقوة؛ لأننا على الحق

في حَيٍّ شعبي بمديرية الصافية تسكُنُ (أُمُّ الشهداء) والدةُ الشهيد العلامة فيصل عاطف، ومن أول لقاء معها تراها تزيّنت بالإيْمَان وترفّعت عن زخرف الدنيا، وحوّلت منزلها المتواضع البسيط إلى جامعة يتخرَّجُ منها الأبطالُ وصُنَّاعُ النصر.

أُمُّ الثلاثة الشهداء، الشهيد عاطف والشهيد زكريا وثالثُهما الشهيد العلامة فيصل عاطف، لم تكتفِ بأن قدمت فلذاتِ أكبادها، ومَن تبقى دفعت بهم إلى جبهات القتال لتقرَّ عينُها كما تقول، نكتفي بهذه المقدمة لننتقل إلى نص الحوار.

 

  • ما الذي يجعل من أُمّ لثلاثة شهداء محدودة الدخل تسعى لتقديم قافلة غذائية باسم الشهيد فيصل عاطف؛ دعماً للجبهات وأبطال الجيش واللجان الشعبية؟

الحمدُ لله والشكرُ لله على نِعَمِه لنا، والحمدُ لله أن تقبَّلَ ثلاثةً من أبنائي شهداءَ في سبيله وهم يقاتلون أعداءَ الله وأعداءَ الوطن وأعداء الإنْسَانية وأعداء لكل شيء.

عندما يتأمل الإنْسَان لكل ما يعملُه أَوْ يقدمه في مقابل ما أنعم الله علينا فإنه يدرك أن ما قدّمه لا يساوي شيئاً أمام ما وعد اللهُ به عبادَه المؤمنين في الدنيا عزةً وكرامةً وفي الآخرة رضواناً ونعيماً وجنة واسعة.

ولو يتأمل الشعبُ اليمني ما يقوم به أبطالُ الجيش واللجان الشعبية في مختلف الجبهات، تعبهم وسهرهم وسط البرد والشمس والريح والغبار والجوع لعرفوا أن هؤلاء يستحقون أن نقدمَ لهم عيونَنا وليس فقط قافلة، وايش هي القافلة أمام ما يقدمونه.. نعيش بين أطفالنا آمنين مطمئنين ببركتهم وبفضل تضحياتهم.

 

  • لا ندري عن أي الشهداء من أبنائك نتحدث، فكلهم عظماء ونريد أن نتعرفَ على حياتهم عَلَّها تكونُ للأجيال منهجاً وقُدوةً، وبالتزامن مع ثورة ٢١ سبتمبر حدثينا عن أحد أبطالها الشهيد فيصل عاطف؟

اللهم صَلِّ على محمد وآله، الشهداءُ كلهم أولاد صالحون تربَّوا على الأخلاق الفاضلة والقيم الحميدة، وكان العلامة الشهيد فيصل ذكياً منذ بدء دراسته، وطائعاً ومؤدباً لطيفاً، درس العلوم الشرعية في الجامع الكبير، ومن ثم درس بمركز بدر على يد الشهيد الدكتور المرتضى المحطوري حتى أصبح خطيباً لجامع الرحبي وقيّماً له وكان عمره تقريباً ١٢ سنة، وكلما كبر في السن كان يزيده اللهُ عِلْماً؛ لأنه كان على ذكر الله دايماً “يا الله اهدينا.. يا الله زدني علماً.. يا الله أرني الحق حقاً وارزقني اتّباعه” وربي يستجيب له ولا يخيب له رجاءً.

 

  • بماذا كان يتميز الشهيد فيصل عاطف؟

كان الشهيدُ العلامة فيصل عاطف عائشاً في قلوب المجتمع؛ لأنه طيب وطائع وحنون ورحيم بالناس، لا يقسو على أحد سواء خارج البيت أَوْ أسرته وأهله، يحمل مسؤولية الكل وكأن ما به إلا هو.

إذا كان إخوته يسيرون الجبهة، ما ينسى أسرهم أولادهم ينتبه لهم ولا يتركهم أبداً، ومش على إخوته بس حتى مع الجيران والناس، كان محسناً، لو تعرفي ما كان أحلاه للصغير والكبير، للصومال والأحبوش، في بداية العدوان عمل مشروع ماء للناس ويهتم به ويتفقدهم؛ لذلك أحبه الناس وكانوا حواليه يا أستاذ فيصل.. يا أستاذ فيصل- يهتم بالضعيف يهتم بالمسكين، يهتم بالفقير. ما كان معه كان ينفقهفي سبيل الله ينفق دائمًا حتى من قوته، لو لم يكن لديه ما يأكل، ينفق من طعامه الذي ليس له غيره لمَن سألوه، أَوْ يدعوهم للغداء معه.

 

  • قيل إن الشهيد فيصل كان يخرُجُ بغدائه للشارع لعله يجد مسكينًا يشاركه غداءه؟

نعم كان يخرج بغدائه، واسأله: يا ابني هل سنتغدى سويًا؟ فيجيبني: “لا يا أُمّي أنا سأتغدى خارجًا معي ناس”، ويخرج يتغدى في الصوح “تعال يا فلان.. تعال يا فلان” يناديهم للمائدة، سبحان الله العظيم.

حينما استشهد بَكَوا عليه العالم. قال أحد الجيران: “عزاء شهيدكم قد استغربت منه، فيه الأحمر والأخضر والأسود والأبيض“.

الشهيد فيصل كان أمة لحاله، يعلِّم الناس، يحثهم على الإنفاق والتحَرّك للجهاد في سبيل الله ومواجهة الظالمين، إمام جامع، يؤذن، يخطب الجمعة، يعقد للناس في الزواج، وسبحان الله العظيم كان الناس يستمعون له ويتوجهون له، وكانوا يرتاحون له، وهو كان مريحًا حتّى في البيت، وكان طائعًا جدًا جدًا، وقارئًا للقرآن.

 

  • كيف كان الشهيد مع زوجته وأولاده؟

كان رائعًا، وظل متزوجًا لمدة 17 سنة، ولم يُعرف قط عن زوجته أنها تركته مغاضبةً إلى أهلها، كانت زيجتهم رائعة.

 

  • كيف كانت تربيته لأولاده وبمَ كان يوصيهم؟

كان يربّيهم تربيةً حسنة، ويوصيهم بالصلاة، وأن ينتبهوا لدراستهم، ويبتعدوا عن التلفاز والبرامج غير المفيدة.

 

  • متى التحق الشهيدُ فيصل بالمسيرة القرآنية؟

التحق أيامَ الحرب الثالثة على محافظة صعدة، كان يذهَبُ إلى صعدة بالخفاء، لم أكن أعلم بذهابه، والناسُ كلهم لم يتعرفوا بعدُ على هذه المسيرة، وبدأت السلطةُ السابقةُ الديكتاتورية تركز عليه وتراقبه، ثم بدأوا بتهديده وجهاً لوجه، وكانوا يتصلون به هاتفيًّا “أنت أصبحت مع الحوثة.. أنت كذا” لكنه لم يخف منهم أبدًا، وقال: “نحن على الحق وقضيتنا عادلة ولن أترك هذه المسيرة لو يقطعوا رأسي”، ثم التحقَ به إخوته من بعده، وأنا لم أكن أعلمُ بعظمة هذه المسيرة، وكنتُ أخاف كثيراً، لكن الحمد لله أتم الله نورَه وظهرت المسيرةُ القرآنية لكل أَبْنَاء الشعب اليمني ولم يعد أحد يستطيع إيقافها.

 

  • حدثينا عن بداية انطلاق الشهيد فيصل إلى الجبهات؟

الشهيد فيصل تحَرّك في سبيل الله منذ وقت مبكر، كان يقول نجعل حياتَنا ومماتَنا لله، ويحب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حُبًّا عجيباً أَكْثَر من كُلّ شيء، ويثق في قيادته وعظمته، وإذا حاكيناه قال يا اماه هذا عَلَمُ هدى اصطفاه الله لنا واحنا مع الله، وبعناه أنفسنا في سبيل الله وحماية الوطن والشعب وإعانة المظلومين ونُصرة المستضعفين.

شارك أثناء حرب عمران، وكان أحد أبطال ثورة ٢١ سبتمبر، وشارك في فتح الفرقة الأولى مدرع ودار الرئاسة والنهدية هو وإخوته.

كان فيصل يحرص على إعداد نفسه وسلاحه من ماله ولا يأخذ من مال سبيل الله، وكان يحاول يوفر كم ما كتب اللهُ من المصروف ويشتري بها رصاص، ويقول “وأعدوا لهم ما استطعتم…”، ويوصينا بالإعداد، والله العظيم أنه ليس معه حتى معبر واحد من مال الدولة، دخلوا الرئاسةَ، دخلوا الفرقة وجدوا أسلحة سلّموها للدولة. قال: “لدينا مجاهدون بدون سلاح أما نحن الحمد لله أسلحتنا من بيوتنا”.

 

  • كان الشهيد فيصل عاطف من العلماء الأفاضل وخطيباً مصقعاً، وله دورٌ كبيرٌ في توعية الناس في الجبهة الثقافية فكيف انتقل إلى الجبهات؟

كانت روحُه معلقةً بالجبهة والقتال في سبيل الله، كان يذكرني بقول الله (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)..

وعندما استشهد أخوه عاطف واستشهد زكريا بعده كان يقول: “يا أماه اشتي أسير الجبهة اسمحي لي“ وأنا كنتُ متمسكةً به، قلت له: “لا تسير ولا شيء”، قال: (يا اماه لا تحسديني على الجهاد في سبيل الله، شوفي اخوتي فازوا فوز عظيم، يا اماه اذا استشهدنا فاحنا في ضيافة الله الكريم العظيم، في دار أفضل من هذه الدار ونعيم أَكْبَر، اسمحي لدي اسير ادافع عن أرضي وعرضي…”، فقلت له: “إذا هذا شيء من عند الله الله معك”، بعدين فرح قوي قوي، ويقول لابن عمه بفرحه يا عبداللطيف أُمّي اذنت لي أُمّي أذنت لي، وفي اليوم الثاني سار وانا بين ادعي له.

 

  • في أي جبهة كان الشهيد فيصل؟

المرة الأولى كان الشهيد في جبهة جيزان، وجلس فيها شهراً ونص شهر، لم نكن نعرف عنه شيئاً، ثم اتصل ثاني يوم من عيد رمضان، كانت زوجته تحاول تأثر عليه يرجع وتقول له: ايحين عترجع والجهال يشتوا يشوفوك، وووو، فرد عليها: ”لكم الله يا بنت عمي لكم الله، وأمي، أُمّي ستنتبه لكم”.

 

(الوالدة والشهيد.. الوداع الأخير)

  • حدثينا عن لحظة تلقّيك نبأ استشهاده؟

بعدَما رجع الشهيد الأستاذ فيصل كان فيه تقرحات في يديه ورجليه؛ بسبب شدة الحر هناك في الجبهة، قالوا له ضروري تروح تتعالج، وجاء من الجبهة جلس عشرة أيام بس ثم رجع إلى الجبهة، وآخر مرة جاء زارنا كان فرح قوي قال لي: انا فرح قد معي عمل عظيم في سبيل الله؟ سألته ما هو العمل؟ قال: قناص أصبحت قناصاً، قلت له: فقط هو هذا الذي مفرحك يا ابني الله يحفظك اجلس الناس محتاجين لك هانا؟ قال: في سبيل الله يا أُمّي قد اذنتي لي فليش الآن تمنعيني؟ المهم بعدين قلت له: “لن أمنعك، في يد الله الله معك، الله معكم صاحبًا ورفيق”. ثم ذهب ومكث عشرة أيام.

وفي ذلك اليوم استيقظت صباحًا وحسن ولدي يناديني من باب غرفتي، قال: “أماه”، قلت: “أمي” قال: “الفقيه استشهد” -كانوا يسمونه الفقيه- الفقيه استشهد.. قلت: “الحمد لله والشكر لله، بكيت قليلاً وقتها، وبعدين حمدت الله وشكرته على كرمه باختيار ابنائي إليه شهداء سعداء، هذا فضل من الله في سبيل الله وفي سبيل الوطن، وفي سبيل المظلومين وفي سبيل الشعب، ومع المسيرة القرآنية ومع سيدي وعيني وتاج رأسي السيد عَبدالملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله، ماذا أقول بعد هذا؟!، هذه نعمة نعمة.

 

  • ما هي رسالتُك للسيد القائد حفظه الله؟

أقول له الله يحفظه، الله يشد به الظهر، الله يكفيك شرَّ الأعداء، الله ينصر مَن نصرك ويخذل مَن خذلك.

أقول له: يا سيدي ومولاي ويا حفيدَ رسول الله نحن معك بالروح بالدم بالأولاد بالأموال بكل ما نستطيع أن نقدمه، لو تخوض بنا البحر لخُضناه، ونحن تحتَ أمرك وتحت طاعتك، لو أمرتنا لتوجّهنا نحن النساء لجهاد هؤلاء الأعداء ولن نتأخر دقيقةً كما يعلم الله.

ويا ليت والله وأنا أذهب الجبهة، ويعلمُ اللهُ أني أحِبُّ السيد عَبدالملك أعظمَ من أولادي، وأعظمَ من روحي قسَماً بالله، الله المطّلع، ومَن عاد معنا غيره، أقول للناس للشعب اليمني: هذا صاحبُ الكلمة الحق، والقول الصادق، هذا صاحبُ الأمانة هو السيد عَبدالملك حفظه الله.

وأقول للشباب للرجال: “أذهبوا إلى الجبهات، أذهبوا دافعوا عن شرفنا وعن كرامتنا، وسيدي عَبدالملك لا نفرط بشعره من شعر رأسه، سيدي عَبدالملك لا نفرط في حذائه.

أمانة حين قال في خطابه “رأسي هذا فداء لكم”، بكيت حتى الصباح، ونفرّط؟! نفرط بسيدي عَبدالملك؟! الله المستعان، ما عشنا ولا كنا ولا بقي لنا أحد من أولادنا، نحن فداؤك يا سيدي عَبدالملك يا تاج عيني وتاج رأسي نحن فداء لك، ونحن نفديك بأرواحنا بأولادنا بكل ما نستطيع، نموتُ نحن وأنت الله يحميك الله وينصر بك الدين والأمة العربية والإسلامية ويحرر بك الاقصى إن شاء الله.

 

  • كم عاد معك أَبْنَاء في الجبهة؟

الآن معي خمسة في الجبهة، والسادس ابن ابني في الجبهة، الحمد لله. الناس يقولون لي: “لا تأذني لهم لا تتركيهم يذهبوا، لقد استشهد الأول واستشهد الثاني واستشهد الثالث يكفي، لقد قدمتي الكثير يكفي”. قلت لهم: “مع الله.. نذرناهم في سبيل الله“.

 

  • ما هي رسالتُك لمن تبقى من أبنائك وذهب الجبهة؟

أقولُ لهم الله يرضى عنكم، ويوفقكم وينصرك على أعدائكم وكل عام وأنتم وكافة المجاهدين بألف خير وسلامة ونصر عزيز من الله.

 

  • بماذا توصيهم؟

أقولُ لهم بأن يشتدوا وينتبهوا للدواعش المرتزقة يقاتلوهم بعزة وقوة؛ لأننا على الحق، يقاتلوهم حتى النصر أَوْ الشهادة، نحن بسعدهم وبفضلهم جالسين في بيوتنا آمنين مطمئنين، نحن بهؤلاء الرجال أنصار الله الذين قدموا أنفسهم، ويقدمون دماءهم الطاهرةَ وأرواحَهم الزكية، نحن في بيوتنا ولو كان دخلوا الدواعش لكنّا في وضع سيء ومُضل.