تاريخنا الزاخر بالنضال ضد المستعمر!
بقلم / عبدالحميد الغرباني
هل يتكرر التاريخ ؟ هل يتكرر جزء منه ؟ فيما مضى من التاريخ تنفس الصبح في اليمن على وقت حملة استعمارية ضخمة للسلطة العثمانية بذريعة حماية البيت الحرام من غزو برتغالي، طريق عبوره الى مكة من اليمن ! لكن ممارسات حماة الديار في اليمن تقول إن العثماني واحد من أسوء المجرمين في العالم ! لقد أحرقوا المنازل والحصون وقادوا النساء سبايا وفي تعداد الأسرى الذين أخضعوهم لصنوف التعذيب حتى استشهد بعضهم في أقبية المستعمر العثماني الذي عمد إلى نفى عدد كبير ممن ناهضوه من العملاء ورجال القبائل والأعيان إلى إسطنبول كما يذكر المؤرخون !
لاندري لماذا لن يحصل الدفاع عن مكة من غزو برتغالي محتمل برأي العثمانيين ومن يبيضون صفحتهم_ إلا عبر احتلال اليمن وسحق شعبه في كل منطقة منه في يافع وفي ريمة ووصاب وفي الحجرية وفي شهارة وصنعاء ووو إلخ إلخ ..
على كل إن ذريعة غزاة الأمس تذكر بسخافة عكاكيز الاستعمار في المنطقة الذين يدعون الخوف على مكة والبيت الحرام من شعب الإيمان والحكمة ويتهمونهم باستهداف المقدسات الإسلامية !
وثمة في تاريخنا أيضا مايماثل الحاضر الذي نعيشه ونحن نكافح لأجل الكرامة والاستقلال، الغزاة راهنا يحاولون أن يسرقوا من الشعب اليمني محافظة الحديدة أو قل ساحل اليمن الذي يعني الكثير الكثير في معادلة الصراع الحاصل اليوم ليس على مستوى المنطقة فحسب بل العالم، وريشة تاريخ مقبرة الغزاة تفيد أن الإمام القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن علي قائد معارك تحرير اليمن من الغزاة العثمانيين والتي استمرت في المرحلة الأولى من المواجهة بقيادته خمس سنوات دوخ فيها الغزاة وأرهقهم لدرجة أجبرت فيها السلطة العثمانية على عزل قائد حملتها حسن باشا في سنة 1012هـ الموافق 1605م وعينت بديلا عنه سنان باشا الذي بدأ تجربته المرة في اليمن بحادثة تشابه صفقة “سلموا الحديدة مقابل رواتب موظفي الدولة” ، يروي المؤرخون أن سنان باشا عرض على الإمام القاسم بن محمد “الصلح ، على أن يقيم الإمام أينما أحب من الهجر ويجعل له جانب من البلاد”! هكذا بكل بجاحة وبعد سنوات من النضال اليمني والكفاح الذي سبق حتى مرحلة الإمام القاسم بن محمد، لقد اعتقد الغزاة العثمانيون أن الإمام القاسم يطمح لحكم ذاتي في جزء من البلاد وليس السيادة والاستقلال عن سلطتهم التي أذاقت اليمنيين المر وسلخت جلودهم وهم أحياء كما ثبت ذلك كل المؤرخين ! كان رد الإمام القاسم على مابعث إليه من رسالة ردا صاعقا ومعبرا عن العنفوان الذي يتوارثه اليمنيون حتى اللحظة قال لهم ( أما ماذكرتم من الميل إلى الراحة فهيهات اترك وقد قال الله تعالى “من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون” وأما ماذكرتم من القطاع بلاد فأنا أحق بها، بلى أن يتركوا شهارة وبلادها
ووادعة وبلاد خولان وجبل رازح مع برط ! ويعقد صلح ، سنين معروفة طولها وقصرها إليهم ، فإن ذلك مشروع ، فإن يرضوا فقد رضينا ولا ننقض إن شاء الله عهدا).
لم يوافق الغزاة بما طرحه الإمام القاسم من صيغة للصلح وشروط وأرسلوا يهددوا الإمام بأن يقبل بما عرضوه هم وإلا قتلوا أولاده الذين وقعوا في الأسر في معارك الإمام السابقة مع الغزاة ! فجاء رد الإمام أشد جسارة وقسوة من رده السابق يخبر الغزاة أن كل شيء يرخص في سبيل الله و لأجل حماية الديار اليمنية ! يقول ( أما ماعندكم من المأسورين فافعلوا بهم مابدا لكم ،وأقسم بالله لأبلغن في حربكم ونكالكم كل مبلغ ، ولأثبن عليكم وثوب الأسد)!! هل ذكركم هذا الرد بما قاله الرئيس صالح الصماد خلال حضوره حفل تخرج دفعات عسكرية في الحديدة ؟ بل هل ذكركم بما قاله قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي قبل عام من الآن في خطاب شهير له حين أقسم بالقول “والله لأن نبعثر في الهواء ذرات متطايرة أحب وأشرف لنا من ان نستسلم لأولئك الأنذال المجرمين”.
يقول المؤرخون أن رد الامام القاسم وقع في قلوب العثمانيين موقعا عظيما هد من قواعدهم فأيقنوا أن الإمام القاسم ليس بالشيء السهل الذي يستهان به او تغريه مباهج الحياة الدنيا فقد قدم أولاده فداء الغاية الكبرى وهي طرد العثمانيين وتشييد حق الحياة لليمنيين، كما أن الملاحظ من رد الإمام القاسم على المبادرات التي قدمها سنان باشا أن الإمام هو الذي أملى شروط الصلح على سنان باشا وهذا مايجب أن يلتقطه المفاوض اليمني فالرجل رفض عرضا مغريا بالنظر لما كانت الأمور عليه فالغازي يسيطر على المساحات الواسعة ويمتلك السلاح الذي يفتقر إليه المقاتل اليمني الذي يمتلك سلاحا أخر لم يكن بمعية العثماني ولا غيره من الغزاة وهو القضية العادلة والإرادة الصلبة والعزيمة والاستبسال ، يخيل إلي أن هذه الجزئية من الرد اليمني على الصفقة العثمانية تنادي مجلس النواب أيضا أن يفتش عن تاريخ اليمن ومكتبة المجلس بالمناسبة زاخرة بمختلف المؤلفات فقط لا أحد يقرأها ! وإلا لعرف النواب كيف يكون تمثيل الشعب.
الشعب الذي يريق دمه ويعاني أشد المعاني في سبيل السيادة والاستقلال والانتقال باليمن إلى موقعه الطبيعي والمؤثر في خارطة العالم، وللمجلس أيضا ولكل الساسة والأحزاب والتيارات والكل فردا فردا أن يعرفوا أن الآباء والأجداد لنا نحن اليمنيون جميعا أكلوا الشجر ولم يرضخوا لاحتلال وعلى الرغم من الظروف القاسية التي عانوها وعلى مر العصور ومنها عصر الهجمة العثمانية والحصار المزدوج لليمن من قبلهم ومن قبل البرتغاليين أيضا ، لقد روى صاحب اللآلئ المضيئة أن أحد أبناء الإمام القاسم سقط من الجوع وفي الأيام التي كان يعرض خلالها سنان باشا عليه التوقف عن مقاومة ومواجهة حملة السلطة العثمانية مقابل حكم ذاتي للإمام القاسم على أجزاء من اليمن ! لقد وثب الإمام وثبات جديدة ونازل الغزاة في أكثر من مكان وصولا إلى محاصرة الغزاة في شهارة حتى استسلموا وانتصر الإمام ودخل شهارة وفي هذا قال أحد الشعراء آنذاك :
وثبت إلى العليا بصدق عزيمة
فنلت الثنا والنصر والفتح عن يدى
هذا الانتصار أذل السلطة العثمانية من جديد فاضطرت معه إلى عزل سنان باشا وتعيين قائد جديد للغزاة هو جعفر باشا في عام 1608 م ، في المقابل شمر اليمنيون عن سواعدهم وواصلوا ملاحم الكفاح والإمام القاسم يقود الملاحم البطولية التي توقفت بعض الوقت لتلتقط انفاسها وتعيد ترتيب صفوف القبائل حتى تمكن اليمنيون بقيادة المؤيد محمد بن الإمام القاسم بن محمد من طرد الغزاة عام 1026م وحين قرروا غزو اليمن من جديد كان اليمنيون لهم بالمرصاد والتاريخ طويل فقط من يقرأه ويعتبر.