الخبر وما وراء الخبر

السعودية تتجه نحو حرب أهلية وصراع على العرش (ترجمة)

112

ذمار نيوز | ترجمة: شاميه الحيدري| المراسل نت:

بعد عقود من الزمن لعبت خلالها المملكة العربية السعودية دور الوسيط بين الدول الخارجية بتنصيب نفسها على أنها قوة اقليمية، يبدو اليوم أن سياسة التدخل في شئون البلدان المجاورة التي تتبعها الرياض بالإضافة إلى دعمها للإرهاب هو السبب الرئيسي في تفاقم المشاكل في البلدان والذي من شأنه أن يغرق المنطقة برمتها في موجة من الفوضى العارمة.

ويليام كراديك|موقع “لاموندياليزاسيون” الكندي:

الاستياء المتزايد إزاء محاولات إتباع سياسة التقشف بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية المرتبطة بالسعر المتقلب للبترول ناهيك عن الخلاف الملكي التاريخي على من سيحل خليفاً للملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، جميعها تشير إلى أن المجازفة السعودية في البلدان الخارجية تستعد لعاصفة صارمة وصراع مدني من شأنه أن يؤدي إلى حالة جديدة من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

وعواقب هذه الاضطرابات تكمن في قيام بعض الدول الأخرى مثل إيران وتركيا بتنصيب نفسها على أنها منافس متوقع لقيادة العالم العربي.

 

مؤشرات متزايدة لعدم الاستقرار

شهدت المملكة العربية السعودية العديد من المشاكل التي ساهمت في زعزعة استقرارها الداخلي، ففي ابريل من العام الجاري، ذكرت بلومبيرغ وهي مجموعة أمريكية مالية متخصصة في الأسواق المالية والمعلومات الاقتصادية، أن الملك سلمان اضطر إلى استعادة العلاوات والبدلات التي تم منحها لموظفي الدولة، وذلك من خلال عودته لمحاولات إصلاح برنامج التقشف في المملكة.

إذ أصرت المملكة العربية السعودية على أن القرار كان ناجماً عن “ارتفاع العائدات المتوقعة” على الرغم من أن المراقبين لاحظوا في مارس أن احتياطي النقد الأجنبي للرياض كان منخفضاً في حين أن ثلثي دول مجلس التعاون الخليجي وتشمل: الإمارات العربية المتحدة، البحرين، المملكة العربية السعودية، عمان، قطر والكويت شهدت انخفاض في تصنيفاتها الانتمائية، كما أن هذه الدول تزيد خلافاتها يوماً بعد الآخر حول السياسة الخارجية المشتركة حيال ايران.

بالإمكان تفسير المشاكل المالية المتزايدة للمملكة بشكل جزئي من خلال انخفاض أسعار البترول، ففي يناير من العام المنصرم، أشارت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن انخفاض أسعار البترول سيضر برنامج الإنفاق السعودي وأضافت أن ثلثي الشباب بين 15 إلى 24 عام لا يعملون.

من جانبها توقعت مجلة علوم الهندسة والبترول أن المملكة العربية السعودية ستصل إلى ذروة إنتاج النفط بحلول العام 2028 بيد أنها تقديرات من الصعب تصديقها، أما موقع ميدل است آي نقل عن بعض الخبراء الأمريكيين تأكيدهم على أن الصادرات الصافية للنفط السعودي تشهد انخفاضاً منذ العام 2006، وقد استمر هذا الانخفاض بنسبة 1.4 سنوياً منذ العام 2005 وحتى العام 2015.

في الوقت نفسه، قدرت شركة سيتي جروب الأمريكية أن المملكة قد تشهد نفاذ البترول للتصدير بحلول العام 2030، وهذا يعني أن نهاية البقرة الحلوب ستتسبب في مشاكل للأمة التي اتهمتها مجلة ذا اتلانتك الأمريكية بأنها تدير نفسها وكأنها “مؤسسة إجرامية معقدة”.

 

مؤشرات متزايدة لصراع داخلي

هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد على أن العائلة الملكية في المملكة العربية السعودية تعيش عدة صراعات داخلية، فقد تسبب الملك سلمان بإثارة موجة من الاضطرابات باتخاذه خطوة مثيرة للجدل حيث كسر قواعد الخلافة في المملكة العربية السعودية وذلك من خلال تعيينه لابنه محمد بن سلمان ولياً للعهد. إذ أن هذا القرار يعد خطوة خطيرة من شأنها أن تتسبب في انقسام العائلة الملكية، وبهذا الخصوص أشارت مجلة فورين بوليسي إلى أن قوات الأمن في المملكة العربية السعودية لا تنطوي تحت سلطة قائد واحد، الأمر الذي يعني أن الجيش سوف يواجه خطورة الانشقاق في حال تفاقم الصراع الداخلي في أوساط الأسرة الحاكمة.

في العام 2015، أجرت صحيفة الأندبندنت البريطانية لقاء مع أحد الأمراء السعوديين الذي  كشف من خلال اللقاء أن 8 من أصل 11 من أشقاء الملك سلمان كانوا غير راضين عن توليه السلطة، واعتزموا على سحب المنصب منه ليحل محله وزير الداخلية السابق الأمير أحمد بن عبد العزيز. في حين كشفت قناة ان بي سي نيوز الأمريكية أن ترقية الملك محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد أثار غضب الأمير محمد بن نايف الذي كان من المفترض أن يسبق محمد بن سلمان في ولاية العرش، والذي عرف أيضاَ بموقفه الصارم تجاه ايران. بدورها ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في 28 يونيو من العام الجاري أن محمد بن نايف تم منعه من مغادرة المملكة العربية السعودية وحبسه في قصره في جدة مع تبديل الحراسة الخاصة به والاستعاضة بآخرين يقرون الولاء للملك محمد بن سلمان.

من الجدير بالذكر، أن الأمير محمد بن نايف يتولى الحكم على المناطق الشرقية للمملكة العربية السعودية والتي اتسمت بأنها أحد المحافظات الأكثر احتمالاً للتمرد في حال حدوث صراع أهلي كون سكان المنطقة أغلبهم من المسلمين الشيعة. وبشكل عام كان بن نايف أحد الدعاة الرئيسين لإعدام رجل الدين نمر النمر في العام 2016، وهو الموقف الذي أثار غضب شديد  في الأوساط الإيرانية. تمتلك أسرة نايف روابط تاريخية مع الجماعات المتمردة التي استخدمتها المملكة العربية السعودية كأداة في سياستها الخارجية، ذلك أن الأب نايف بن عبد العزيز آل سعود كان وزيراً للداخلية وسيطر على أجهزة الاستخبارات الداخلية في المملكة، الشرطة، القوات الخاصة، وكالة مكافحة المخدرات وقوات المجاهدين.

(الترجمة خاصة بموقع المراسل نت ويرجى التنويه لذلك في حال الاقتباس أو إعادة النشر وكذلك المصدر)

استخدم الملك سلمان الحرب على اليمن لمواجهة عدم رضا النخبة وذلك من خلال إثارة ما أسمته واشنطن “موجة المشاعر القومية” بين المواطنين. وفي الوقت نفسه، تم استخدام هذا القرار في محاولة لاتخاذ تدابير استباقية حيال الدعم الإيراني المقدم للحوثيين في اليمن ومنع زعزعة استقرار الربيع العربي. بيد أن التدخل قد يعود بالفائدة قصيرة المدى على المملكة العربية السعودية، كما ان هذا التدخل تسبب في تزايد الكسر الحاصل في منطقة الشرق الأوسط وعبد الطريق أمام الدول المجاورة باتخاذ خطوات جادة لتنصيب المملكة العربية السعودية على أنها قوة مهيمنة في المنطقة.

 

زيادة احتمالية الصراع جراء التغيرات الجيوسياسية

ليست اليمن فقط من تشكل مصدر قلق للسعوديين، إذ أن سنوات من التدخل تعني أن المملكة اليوم تصب قضاياها الخارجية بشكل متزايد على هدف واحد وهو تجنب زعزعة الاستقرار الداخلي وبغرض خلق نوع من التوازن في أوراق اللعب لهذه المباراة الإقليمية. هذا وقد كشفت بيانات البرقيات السياسية التابعة لوزارة الخارجية السعودية التي أصدرها موقع ويكيليكس  عن تعهد المسئولين بالمساهمة في تدمير النظام السوري خوفاً من أن تتمكن حكومة الأسد من الانخراط في انتقامات لا حصر لها ناجمة عن الحرب الأهلية المدمرة.

ساهمت المملكة العربية السعودية في تأجيج الصراع السوري من خلال دعمها للجماعات الإرهابية ، إذ تشير أيضاً برقيات وزارة الخارجية التي نشرها موقع ويكيليكس إلى أن المملكة العربي السعودية تعتبر أحد أكبر الممولين للجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، ولكن كما هو الحال بالنسبة للتدخلات الخارجية، يتم استخدام الإرهاب كأداة للاتجاه نحو الطاقة التدميرية القصوى.

فمنذ فترة طويلة، هناك العديد من المخاوف حول الطريقة التي من الصعب أن تتطور من تلقاء نفسها وبالتالي خلق مشاكل بالنسبة للمستفيدين من الإرهاب، فلطالما واجهت قوات الأمن السعودية العديد من المشاكل المتعلقة بتسلل الجماعات الإرهابية، إذ انه في العام 2001، لاحظ مركز ستراتفور- مركز دراسات استراتيجي وأمني امريكي- القلق المتزايد للعائلة المالكة فيما يتعلق بزيادة أعداد المتعاطفين مع الإرهابيين في أوساط الجيش وبالتالي الخوف من إمكانية تواجد بعض الجماعات المتمردة ضد المملكة. ومن ضمن هذه الجماعات، هناك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي نفذ عدد من الهجمات ضد أهداف سعودية، من ضمنها الهجوم الانتحاري الذي استهدف المدينة المنورة والمسجد الحرام في مكة المكرمة.

بصورة تقليدية تم تقسيم السلطة في منطقة الشرق الأوسط بين الحكومة الإسرائيلية والسعودية، ولكن من الممكن البدء في تغيير هذا النظام الإقليمي وذلك بسبب دمج الاستراتيجية الأمريكية المتقلبة مع محاولات الدول الأخرى في الشرق الأوسط لتصبح عنصراً أكثر أهمية في المنطقة. وفي مارس 2016، أوضح جوليان اسانج- صحفي وناشط ومبرمج استرالي، مؤسس موقع ويكيليكس- في الاستراتيجية الدولية الجديدة الأمريكية،  وجون برينان رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية أن الرابط الإسرائيلي السعودي يعتبر أكثر فأكثر بمثابة عائق أمام المصالح الاستراتيجية الواسعة لاسيما فيما يخص إيران.

 

يترجم هذا التغيير نفسه من خلال الأزمة الحالية في قطر، فقد تم تعيين قطر تاريخياً على أنها مركز دبلوماسي في منطقة الشرق الأوسط حيث أبقت على علاقتها الودية مع إيران كما أتاحت للعديد من الجماعات المتمردة مثل حركة طالبان فرصاَ للتفاوض. فقد أظهرت رسائل البريد الإلكتروني التابعة لجون بودستا أن قطر قامت بدعم الجماعات الإرهابية مثل تنظيم (داعش) جنباً إلى جنب مع المملكة العربية السعودية، ولكنها فعلت ذلك بقصد التنافس مع الجماعات الإرهابية الأخرى. في حين أن هناك فصائل أخرى أيضاً في قطر قامت بدورها بدعم جماعات أخرى مثل تنظيم القاعدة، النصرة، حماس وحركة طالبان. فضلاً عن ذلك، قامت قناة الجزيرة الإعلامية بإثارة غضب المملكة العربية السعودية من خلال تغطيتها المقلقة لمشاكل سابقة غير معترف بها في منطقة الشرق الأوسط (على الرغم من التحفظ على التغطية الناقدة للسياسة القطرية). وأشارت الإذاعة الوطنية العامة أن قطر كانت تتنافس علناً مع المملكة العربية السعودية خلال فترة الربيع العربي، وذلك عند قيام الطرفين بدعم فصائل متعارضة في بعض الدول مثل مصر. وهذا يعني أن الصراع مع قطر سيخلق خطراً حقيقاً وهو انتشار الأعمال العدائية في المملكة العربية السعودية نظراً للدعم الذي قدمه كلا الطرفين للجماعات الإرهابية.

 

كشفت الثورة الحالية أيضاً ظهور نظام جديد في منطقة الشرق الأوسط بين الدول التي دافعت عن العلاقة القديمة بين السعودية واسرائيل وبين الدول التي تطمح إلى إعادة تشكيل ميزان القوى، ذلك أن المملكة العربية السعودية وجدت الدعم من قبل مصر، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، اليمن وجزر المالديف، في حين أن قطر تم دعمها من قبل الأعداء الإقليميين للمملكة العربية السعودية وهم ايران وتركيا. فقد استمرت تركيا في تغذية دورها في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة واعتبرتها الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة عنصر مناسب لتحقيق توازن النفوذ السعودي في بعض الدول مثل باكستان. واليوم أخذت تركيا وإيران على عاتقهما وبهمة عالية مسئولية التصدي للمملكة العربية السعودية حيث قامت تركيا بنشر قواها في قطر في الوقت الذي تقوم ايران بدعم قطر وتقديم المساعدات الإنسانية. وفي حال استمرت هاتين الدولتين في زعزعة استقرار ونشر الانقلاب والإرهاب، فإنها حتما ستستفيد من أي تدهور قد يشهده النفوذ السعودي في المستقبل.

 

مخاوف من الوصول إلى حرب أهلية سعودي

سواءً كانت حرباً أهلية أو صراع داخلي في المملكة العربية السعودية فإنها سرعان ما ستأخذ أبعاداً دولية، إذ أن صناديق التمويل السعودية أصبحت تتودد أكثر فأكثر لرجال الدفاع في محاولة ترمي لإعادة استرجاع الجيش الذي انضم جزء منه في الاتفاق الأخير الذي تم ابرامه مع الولايات المتحدة الأمريكية والذي بلغ 100 مليار دولار، كما أن الرياض لجأت في الفترة الأخير وبصورة متزايدة للشركات العسكرية الخاصة مثل بلاك ووتر التي تزودها حالياً بأفراد يشاركون في قوات التحالف العربي الذي تقوده ضد اليمن.

تسبب شبح انتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط في إثارة العديد من المخاوف التي تكمن في أن الأسلحة من الممكن أن تسقط في الأيدي الخاطئة أو أنها من الممكن أن تستخدم بطرق عشوائية، فقد حث جوليان اسانج على تصريحات مدير قناة الجزيرة في العام 2010 فبحسب هذه التصريحات أن بحوزة قطر سلاح نووي، في حين أن المملكة العربية السعودية يشتبه بأنها هي أيضاً تمتلك أسلحة نووية. وفي العام 2013 أعلنت قناة بي بي سي نيوز أن الرياض تمتلك أسلحة نووية “عرفت بأنها من باكستان” حيث أن برنامجها النووي تم تمويله من قبل السعودية. كما أنه في العام 2012 ابرمت السعودية اتفاقاً بالتعاون النووي مع الصين والذي بموجبه ستقوم الرياض ببناء 16 مفاعل نووي في البلد في مده لا تتجاوز العام 2030. وقد أثارت حيازة بعض الدول العربية لأسلحة الدمار الشامل مخاوف مسئولي المخابرات الإسرائيلية، خشية أن تقوم هذه الدول باستخدام مثل هذه الأسلحة بطريقة غير فعالة.

(الترجمة خاصة بموقع المراسل نت ويرجى التنويه لذلك في حال الاقتباس أو إعادة النشر وكذلك المصدر)

وإذا كان الصراع مع قطر (أو أي منطقة أخرى ممن تدخلت بها المملكة العربية السعودية) خارج عن السيطرة، فإن الانتشار المحتمل لأنظمة الأسلحة النووية سيشكل خطر كبير، ذلك أن الصراعات الدولية، التدخلات الإقليمية والعمليات الإرهابية خلقت بيئة ملائمة لاستخدام مثل هذه الأسلحة سواءً بقصد أو بدون قصد. ناهيك عن أن الحرب الأهلية السعودية ستشكل خطورة على المجتمع الدولي حيث ستكون هناك مشاكل كبيرة في حال تضررت إحدى المدن المقدسة مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة.

إن انخفاض احتياطي النقد الأجنبي، التقليل من واردات النفط، الصراعات الداخلية بين الأسرة الحاكمة والتهديد الحاضر دوماً للجماعات الإرهابية جميعها تشير إلى أن المملكة العربية السعودية على وشك الوقوع في أزمة، فالصراع القطري ما زال مستمراً في التأجج والأسئلة الصحيحة التي ينبغي علينا طرحها وتسليط الضوء عليها لا تدور حول النهاية المحتملة للإرهاب ولا تتمحور على مبيعات الأسلحة الجديدة في البلدان العربية وإنما تكمن في ماهو الذي يؤمله العالم لمنطقة الشرق الأوسط حالما تنجلي عنها عاصفة الغبار.