الخبر وما وراء الخبر

قلعة العصر !

144

بقلم / عبدالحميد الغرباني

تبقى المدينةَ الملهمةَ!
انتفضت من تحت الرُّكامِ ونيرانِ العدوان تحُــضُّ على النهوض نحو الأقصى وتدفَعُ به إلى الأما.
فلا مستحيلَ.. تقولُ تظاهرةُ مدينة السلام في الذكرى السنوية للصرخة.
خرجت صعدةُ لأول مرة في ظل العدوان خروجاً مشرِّفاً!
خرج الشُّعْثُ الغُبْرُ المكلومون وقد تعالَوا على الوَجَعِ والجراح ليُقَدِّموا نموذجاً يؤكِّدُ أن كُلّ شيءٍ دون أن يرتقيَ إلى وجع القُدس!
صعدةُ تملَّكها التحدي والتجدّدُ والاندفاعُ لأجل القضايا الكبرى حتى بات نهجاً يحكم أبناءَها ويمنحها قوةً أسطوريةً لا حدودَ لها!
هي صعدةُ التي أعدَّها صاحبُ هُتافِ الحرية لمواجهةٍ طويلةٍ مع أعداء الأمة ومَن في رِكَابِهم من أدواتٍ ومهما كانت هذه المواجهةُ مريرةً ومكلفة!
وصعدةُ للمرة الألف تُثبِتُ أنها في ميدان المواجهة، اليمن كله!
صعدةُ تُخبِرُنا من جديدٍ أن الموقفَ سلاحٌ والمعاناةُ معَ الكرامة سلاحٌ، وأنَّ دمَ الشهداء والتضحية سلاحٌ والصبر سلاحٌ وأن صعدةَ هي السلاحُ الاستراتيجيُّ وشارةُ النصر!
العدو يُدرِكُ هذا؛ لذلك هو يخافُ من اليمن..

وحين يتذكَّرُ صعدةَ سيمتلئُ سيلاً من الرعب يستوطنُه إلى ما لا نهاية!
سحقاً لمَن ظنوا أن صعدةَ قضت وقد ضربتها غاراتُ مقاتلات العدوان ونيرانُها التي سقفت سماءَها وأشعلت أرضَها ناراً!
صعدةُ أيتها الكبيرة، عدوُّك عدوُ اليمن المتخم بمال النفط، فقير للكرامة.. فهلّا تتصدقين عليه بشيءٍ من الكرامة الوافرة عندك وعند مواطنيك الكرام!
تحترقُ صعدةُ بعدوانٍ قذر وتقاتل بشرف!
تبعثِرُ الخططُ وتغيّرُ الموازينُ وتقلِبُ المعادلاتُ رأساً على عقب وتحدد قواعدَ الاشتباكِ وتعلن أن حساباتِ العدوان خاطئةٌ..
على وحش الاستكبار وثعالبه فيه المنطقة أن يدركوا أنه ليس بمقدورهم أن يجعلوا صعدةَ تنحني وأن المستحيلَ عينَه هو أن يستسلمَ اليمنُ الذي يقاتلُهم ببسالة لم يسجِّلِ التأريخُ نظيراً لها!
صعدةُ التي تناولتها عشراتُ المجازر المروعة _ترتقي بعضُها لمذابح_ وأكل العدوان منها صعدةَ المدينة وضحيان والملاحيظ والظاهر وبشكل مرعب! وتشعّب العدوانُ في استهدافها متراً متراً ومنزلاً منزلاً، يجرِّبُ كُلَّ الطرق وكل أنواع الأسلحة المحرِّمةِ والفتّاكة! فاغتال أبناءَها في منازلهم!
وفي أسواقهم التي يقصدونها!

وعلى قارعةِ الطريق!
وفي محلّاتهم التجارية!
وفي المدارس والمساجد!
وفي مختلف المرافق الحكومية!
وبقايا الأسلحة العنقودية تغدرُ بهم وتكمُنُ لهم في ربوعها! والأمراض الخطيرة تنهَشُ أجسادَ سكانها وهي الفريسة الدائمة لتوحُّش العدوان! وفيها يراكِمُ العدو سياسةَ التجزير وهي في بنك أهدافه تحتلُّ المرتبة الأولى!

والعالَمُ يشاهِدُ كُلَّ ذلك ثم يهجعون! لا يُنسيه كُلُّ هذا القدسَ، تُبعَثُ وتنتفِضُ كطائر العنقاء لتقولَ بملِء الفم ( يا قدس إنا قادمون ).
مظلوميةُ صعدة وثباتُها يكفيان لينسجا انتصاراً مدوياً على وحش الاستكبار وثعالبه هذا ما يخبرك به كُلُّ شيءٍ في صعدة.

الرجالُ والأطفال والنساء والحجر والشجر والتراب وفي غمرة احتدام المعركة وفي ذروة تحشيد الثعالب ما تبقى لها من أوراق في المعركة! تخبرك صعدةُ وتخبر وحشُ الاستكبار مباشرةً وراعي الصهيونية أنها ما تزال تخبِّئُ الكثيرَ من المفاجآت التي ستقودُ لتحولات! كما قادت الصرخةُ تغييراً في فترة زمنية قصيرة، هذه هي صعدة مدينة السلام وقلعة اليمن الفريدة ليست ديان بيان فون الفتنامية ولا هي ستالينغراد الروسية، هي صعدةُ اليمنية! قلعة العصر! التي ستواصِلُ المعركة ومعها كُلّ اليمن في روعة ثبات وجلال تضحية، وعظمة ولاء للحق وللقضية المركَزية للأمة وللكرامة الوطنية..

لقد خرجت جموعُ الجماهير الحرة والأبية في مدينة السلام تعلن وتردِّدُ معها صنعاءُ وحجة وريمة وتعز والخ الخ لن نكونَ نحن اليمانيين إلا وقودَ عبور للمستقبل الذي نحفظُ به قرارَنا وموقعَنا ودورَنا الرائد والمؤثر وَما دون هذا لن يحدُثَ إلا أن نصيرَ رماداً! أو نبعثرَ ذراتٍ في الهواء!

إن كُلَّ شيءٍ من اليمن، بدءً من خطوط النار وصولاً إلى مَن هم على مقاعد الدراسة، لا ينفكُّ عن التأكيد لإعدائه أنهم يقاتلون شعباً محارباً يملكُ همّةً تتسعُ لأمالِ أمته وَبالدم القاني يسقي ذلك وأن نزعةَ المقاتل بالثورة المؤمن بحتمية انتصارِها هو ما يضبُطُ إيقاعَ مسارِ بلد الإيمان والحكمة.