الخبر وما وراء الخبر

صرخةُ الحرية وشعارُ الإنسانية في وجه أمريكا وإسرائيل ومَن تولّاهما

191

بقلم / خالد موسى

في ذكرى إحياء انطلاق الصرخة في وجه المستكبرين ورفع الشعار في وجه أمريكا وإسرائيل كأبسط سلاح وَأقل موقف، لا بد من أن يقف كُلّ حر وغيور وشهم وباحث عن الخلاص وتواق إلى الحرية والحياة بعز وكرامة وقفةَ تأمل صادق مع الذات والضمير والعقل والفطرة والتأريخ والإنْسَانية التي لا زالت ترزَحُ تحت القهر وتعاني الذل وتذوق ويلات التفريط واللامبالاة ويسومُها الأعداءُ سوءَ العذاب ليلَ نهارَ.

إن وضعيةَ الأُمَّـة وحالَها يُطمِعُ الأعداءَ فيها ويجعلها تقدِّمُ المزيدَ والمزيد من التنازلات لخصومها المتآمرين عليها، مما يجعل حالة اليأس والإحباط هي الخيارَ والحل عند البعض، وهذا ما يسعى لتحقيقه الأعداء وفرضِه كواقع على العقل العربي والشعوب الإسلامية حتى يصلَ المسلم إلى حالة القنوط.

والعياذ بالله أن يقعَ الإنْسَان في ما يجعله متصفاً بصفات الكافرين البائسين اليائسين القانطين قال تعالى: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) وقال سبحانه: (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، فالأعداء يسعَون عبر وسائل الإعلام وأبواق العَمالة والفتنة والارتهان إلى تكريس حالة القنوط واليأس في الشعوب الحرة وضرب نفسيتها ضربة قاضية يتسنى لهم بعدها تنفيذ مؤامرتهم وتحقيق أحلامهم والسطو على خيراتها ونهب ثرواتها والتحكم في حاضرها ومستقبلها بكل يسر وسهولة وبأقل كلفة.

إلا أن الشعبَ اليمني والوطن العربي والشعوب الإسلامية أمام ذكرى تأريخية حية وشاهد يمني إيماني حكيم من شواهد الإيمان الصادق والحكمة البالغة والتجربة الناجحة التي انتشلت الشعب اليمني وأخرجته من النفق المظلم والوضع المُزري والمأساوي والهيمنة والوصاية التي كان يراد لها أن تكون قدراً حتمياً وأمراً مفروغاً منه لا يمكن إلا القبول به والتعايش معه كسياسة أمر واقع ومن ثم الشرعنة له والصمت عنه والرضى به كحل إذا أردنا أن نعيشَ بسلام كما كان يروج لذلك ولا زال.

لكن كُلّ هذا التسويق والترويج لهذه البضاعة الأمريكية الصهيونية الماسونية المنتهية الصلاحية في اليمن افتضح مصنعوها وانكشف مصنعها وسقطت كُلّ تلك العناوينُ البراقة وبان زيفُها وخبثها ودنسها وظهرت حقيقة المروجين والمطبلين للمشروع الماسوني من التيارات والأحزاب الدينية والشيوعية والعلمانية والليبرالية وغيرها.

فها هو مؤمن اليمن يسير على خُطَى مؤمن آل فرعون الذي جاء ناصحاً لموسى وبني إسرائيل ونحن جاء مؤمن يمننا ناصحاً لنا ومحذراً للحاكمين من فرعنة أمريكا وطغيانها وأن من يركن إليها سيغرق ويزولُ ملكه كما غرق فرعون وزال ملكه وشرب من ماء البحر، وشتان بين بحر فرعون وملأه وبحر آل محمد وشيعتهم الراكبين معهم والسائرين على خُطاهم والمجددين لمآثرهم وثوراتهم، فمن يركب على سفينة أمريكا نهايته ستكون كنهاية فرعون ومن يركب على سفينة النجاة سيكون من الناجين قال صلى الله عليه وعلى آله: أهلُ بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى.

وَمن مؤامرة فرعون الأمس وملأه الذين شحنوه وحرّضوه على موسى كعَلَم للحق والعدل والهدى وصوّروا له موسى تصويراً بشعاً وخطراً إلى مؤامرة فرعون العصر مع ملأ ترامب من آل سعود وملأ آل سعود من قيادات الإخوان والوهابية الذين يصورون للشعب اليمني وشعوب الأُمَّـة العربية والإسلامية بأن الصرخة والشعار والمشروع القُـرْآني وحمَلته والمؤمنين به خطرون بشعون متوحشون، وهم الوحشية والخطر ذاته وكله كما أثبتت الأحداث والوقائع.

وكما سقطت رهانات وخيارات وتهديدات فرعون الأمس أَمَــام مشروع موسى ها هي رهانات وخيارات وتهديدات أمريكا وإسرائيل والنظام السعودي ومرتزقته وأدواته تسقُطُ سقوطاً كبيراً ومدوياً وسريعاً أمام المشروع القُـرْآني الذي جعل أحد أسلحته الفتاكة والمؤثرة والمرعبة، الصرخةَ في وجه المستكبرين وجعل من هذه الصرخة تعبيراً قوياً عن اليقظة والصحوة والحرية والإنْسَانية وعنواناً بارزاً وشعاراً خالداً للمشروع القُـرْآني الاستثنائي والفريد الذي لا تزيدُه الأحداثُ والمستجدات والتحديات إلا صلابةً وقوة، والذي يزداد عظمة وهيبة وطُهراً وجمالاً وروعة ببركة دماء الشهداء وتضحياتهم في سبيل أن تكونَ كلمة الله هي العليا بعبارة (الله أَكْبَـر) وكلمة الكفر والشرك والعمالة والخيانة هي السفلى بعبارة: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، واليقين المطلق بالنصر لدين الله وللمؤمنين المستضعفين الواعين الذين هم على موعدٍ بالنصر المفرح والسعيد قال القائل: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) وقال سبحانه: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103) يونس

هذا المشروعُ هو مشروعُ الله المنبثق من القُـرْآن الكريم والمرتكز على محكمات الآيات منه قبل أن يكون مشروعَ السيّد حسين، إلا أن السيّد حسين رحمه الله ترجم هذا المشروع ونقله نقلةً نوعيةً من زاوية ضيّقة محدودة إلى الآفاق العملية الجهادية الواسعة بسعة القُـرْآن والحياة، فجعل القُـرْآن مشروعاً شاملاً ومنسجماً مع كُلّ متطلبات الحياة سياسياً واقتصادياً وزراعياً وفكرياً وتربوياً وأَخْلَاقياً وسلوكياً وجهادياً واجتماعياً وولاءاً وعداءً، فأعاد وجدّد مفهومَ الثوابت الحقيقية التي يصح أن تسمى ثوابت وألغى الثوابت السطحية والشكلية والتقليدية التي نشأ عليها الصغير وشب عليها الكبير فغير كُلّ المعادلات وتجاوز كُلّ الخطوط الحمراء المصطنعة من قبَل حكام الجور وسلاطين الفساد وأمراء السفه والعمالة وكشف الأقنعة عن أُولئك الدراويش الكاتمين لما أنزل الله من البينات والهدى الذين جعلوا من أنفسهم خدماً للظلمة والطغاة ومدجنين للأُمَــم والشعوب.

أراد السيّد حسين للصرخة والشعار أن يكون شعاراً مختزناً لتلك المعاني القُـرْآنية ومعبراً عن آيات الكتاب التي توجب الكفر بالطاغوت، ومن خلال الهتاف بالشعار ورفع الصرخة يمكن أن نعرفَ المستضعفين الواعين من غيرهم ويمكن أن نميز بين أناس يحترمون مَن يجلجل صوته بصرخة الحرية والعزة والكرامة فوق دبابة الإبرمز والبرادلي الأمريكية وعند قصف الطائرات التي يقصفها المجاهد اليمني بالصرخة مبتهلاً إلى الله ومناجياً ومتضرعاً إليه بهتاف ونداء: اللهُ أَكْبَـر موقناً ومعتقداً بأن الله هو الأَكْبَـر والأعظم والناصر والمعز والأقوى من كُلّ الطائرات والبارجات الله أقوى من كُلّ الصواريخ والأسلحة الله أعظم وأجل وأعلى وهو الكبير المتعال القاهر فوق عباده والمهيمن عليهم، فهيمنتُه فوق هيمنة أمريكا وقوته فوق قوتها وعزته هي العزة التي يستمد منها اليمانيون سِر صبرهم وصمودهم وانتصاراتهم، “وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ”.. والمكّارون والمنافقون والمرتزقة الخائنون إلى زوال وخسران وذل قال تعالى: “مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ” (10) [فاطر : 10]
هذا الشعارُ هو شعارُ حسين العصر وهذه الصرخة هي صرخة زيد اليوم في وجه أئمة الكفر والضلال وفراعنة الظلم والفساد والإفساد في الأَرْض، فيه تتجلى الروح الحسينية والبطولة الكربلائية من جديد، وبها تتجدد ثورة البصيرة القُـرْآنية، ثورة الإمام زيد المجدد للنهج الحسيني والمطلق للصوت الثوري في وجه المستكبرين قائلاً:
حكمُ الكتابِ وَطاعةُ الرحمنِ.. فَرَضَا جِهَادَ الجائرِ الخَـوَّانِ
فالمسرِعون إلى فَرائضِ ربهم.. برئوا مِنَ الآثامِ وَالعدوانِ
وَالكافرون بِفَرْضِهِ وَبحكمه.. كالساجدين لِصُورَةِ الأوثانِ
كيف النَّجاة لأُمّة قد بَدَّلت.. ما جاء في القُـرْآن وَالفُرْقَانِ

هذا الشعارُ هو صرخة وهتاف يعبر عن الحرية التي ينشدها الأحرار في اليمن، وهو علامةٌ على إنْسَانية من رفعه وصدق من صاغ حروفه بعقله ويده ودمه واختار كلماتِه العشرَ المعبرة عن الضمير الإنْسَاني الذي يتألم لآلام المستضعفين ويتوجع لأوجاعهم ويسعى لرفع الظلم الواقع بهم ولو بعبارة تسمى الصرخة أَوْ الشعار الذي أثبتت الأحداثُ مدى قوّته وأثره وفاعليته على الأمريكيين والمتأمركين والصهاينة والمتصهينين من العرب الذي يغيظُهم هذا الشعار أيما إغاظة ويستفزُّهم أيما استفزاز، وكأن بينهم وبين أمريكا وإسرائيل قرابةً وعلاقةً حميمية، مع بالغ الأسى والأسف والحزن أن يصل البعض إلى هذه الحالة من المعارضة الفجّة لهذا الشعار الذي لم تجلجل به حناجرُ أهل اليمن إلا بعد غزو وتدمير واحتلال دولتَين إسلاميتين أذاقها الأمريكيون سوءَ العذاب وارتكبوا فيها أبشع الجرائم والمجازر ومارسوا فيهما أشد أنواع التعذيب بحق الشعب الأفغاني والعراقي، حتى وصل الخطر والمد الصهيوني إلى زنجبار اليمن ويكلا البيضاء ومأرب والجوف، وهذا ما حذر منه السيّد القائد الحسين مبكراً واستشرف خطورة المرحلة وأدرك حجمَ المؤامرة الصليبية على الشعوب الإسلامية، فكان خيرَ ناصح من خلال تقديمه للهدى والوعي من خلال ملزمة الشعار سلاح وموقف وملزمة الإرهاب والسلام وملزمة الصرخة في وجه المستكبرين وملزمة خطر دخول أمريكا اليمن، هذه العناوين التي تختزن في محتواها كثيراً وكثيراً من الطرح السياسي والديني والفكري الذي يدرك قيمتَه وأهميتَه العقلاء المنصفون الخاليةُ قلوبهم من الهوى والمرض وفيروس الحزبية المقيتة والسقوط في مستنقع التنظيمات المغلقة التي يدخلها الشبابُ بإنْسَانية وحب للخير فيخرجون منها بلا إنْسَانية بل يخرجون منها متوحشين وبهيميين لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون إلا للمرشد، أما شعار الحسين وصرختُهُ ومشروعُه فهو مليءٌ بالتساؤلات التي تستثيرُ العقل والعقليات التي تستنهضُ الهمِمَ والعزائم وتجعل الناس أصحابَ موقف ومشروعٍ أمام مشاريع الهيمنة والوصاية.