شرارةُ الانتفاضة تُسقِطُ حصادَ التطبيع مع العدو
ذمار نيوز |صدى المسيرة| إبراهيم السراجي: 17 يوليو، 2017
اكتسبت عملية الأقصى التي نفّذها شبان فلسطينيون يوم الجمعة الماضي، أهمية كبيرة كونها أفرزت واقعاً جديداً ومثّلت بحد ذاتها عودة نوعية لعمليات اختفت من القدس المحتلة على مدى عقود مضت وجعلت سلطات العدو تتخذ قرارات انتقامية لأول مرة منذ نحو 50 عاماً. ليس ذلك فحسب، فالعملية أحدثت زلزالاً لم تتوقعه أجهزة الأمن الصهيونية، وقد تمتد تداعياتها إلى مستوى تهديد مستقبل حكومة الكيان الصهيوني، خصوصاً أن العملية جاءت في ذروة تهافت الأنظمة الخليجية والعربية للتطبيع مع الكيان وتفاخر نتنياهو وترامب بتحويل العدو الصهيوني إلى “صديق” لتلك الأنظمة، لكن عملية الأقصى أثبتت أن الهرولة نحو الكيان لن تحمي الأخير من المقاومة بقدر ما ستمثّل فضحاً لزعماء تلك الدول أمام الشعوب العربية والإسْلَامية.
في تفاصيل العملية، قام ثلاثة شبان من أسرة واحدة وهم “محمد حامد جبارين، محمد أحمد جبارين ومحمد مفضل جبارين” بمهاجمة جنود الأمن الصهيوني عند “باب العمود” داخل باحات المسجد الأقصى وأطلقوا النيران على جنديين إسرائيليين من “مسافة صفر” ليلقيا مصرعيهما على الفور، قبل أن يتحول الأمر إلى اشتباكات في إحدى باحات المسجد تسفر عن إصابة 3 جنود صهاينة، واستشهاد الشبان الثلاثة.
عناصر العملية بما فيها الزمان والمكان والسلاح المستخدم وطبيعة الهدف، جميعها قلبت كُلّ الموازين العسكرية والأمنية، ومن المؤكد امتداد تأثيرها للميدان السياسيّ والداخل الصهيوني؛ لأن العملية بعناصرها المجتمعة تمثّل سابقة أنهت الوضع القائم في القدس المحتلة منذ ستينيات القرن الماضي وقضت على ما بنته أجهزة العدو الأمنية خلال الفترة التي أعقبت انتفاضة الأقصى في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات.
- عملية أولاد جبارين وما بعدها
عشية عملية الأقصى، أي مساء الخميس الماضي، نشر “محمد حامد جبارين” أحد منفذي العملية صورتَه في صفحته بموقع الفيسبوك إلى جانب أحد رفاقه الثلاثة في العملية، وكتب معلقاً “وابتسامة الغد أجمل بإذن الله”. إدَارة الفيسبوك حذفت الصفحة على الفور بعد العملية، لكن بعد أن جرى تداوُلُ صورة للمنشور على نطاق واسع في وسائل الإعلام. ولم يكن مجرد منشور عادي، فالتلميحُ بالعملية التي خطّط لها في اليوم التالي عكست ثقة منفذي العملية بالخطة التي وُضعت رغم أنها وقعت في أكثر الأماكن تشديداً للأمن من قبل الأجهزة الإسرائيلية؛ ولذلك كان ذلك أول الضربات التي هزّت العدو الصهيوني.
توالت الضربات التي تلقاها العدو الصهيوني عندما تم اكتشاف أن العملية جرى تنفيذها بواسطة الأسلحة الرشاشة خلافاً للعمليات التي شهدتها القدس المحتلة بواسطة الخناجر، وهو تطوّر آخر مثّل صدمة للعدو وأعطاه إشارة بخطورة موقفه، وسط تساؤلات حول فشل أجهزته الأمنية في منع المقاومين الفلسطينيين من إدخال السلاح النار للأراضي المحتلة.
في تقريرها عن العملية، قالت جريدة الأخبار اللبنانية إن عملية أولاد جبارين كسرت حالة الهدوء التي عاشتها مدينة القدس بعد انخفاض وتيرة العمليات الفدائية فيها، ووسط حالة قدّرت فيها قيادات العدو الأمنية أن “انتفاضة القدس” قد انتهت. مضيفة أن “عملية الأقصى” أكدت أنه برغم انخفاض وتيرة العمل الفدائي في القدس والضفة المحتلة، فإن الانتفاضة لا تزالُ مستمرةً ولن تتوقف في القريب العاجل.
وأشارت الصحيفة إلى أنه وعلى الصعيد نفسه، وجهت العملية ضربة جديدة لأجهزة العدو الأمنية والاستخبارية، إذ قالت شرطة العدو في بيان، إن “الشبان الثلاثة لا يوجد عنهم أي ملف أمني لدى الشاباك”، ما يعني أنهم كانوا خارج دائرة الرصد. ووفق المتحدث باسم الشرطة، ميكي روزنفيلد، فإن “الشرطيين القتيلين هما هايل ستاوي (30 عاماً) من سكان بلدة المغار، وكميل شنان (22 عاماً) من بلدة حرفيش”. كما قالت إن الشهداء الثلاثة “أطلقوا النار على أفراد الشرطة عند إحدى بوابات المسجد… وهربوا إلى داخله بعدما طاردتهم الشرطة وأطلقت عليهم النار، ما أدى إلى مقتلهم”.
في الأوساط الصهيونية، ما تزال العملية مستمرة بتأثيراتها على الأجهزة الأمنية التي باتت في مرمى الاستهداف من قبل السياسيين الصهاينة الذين استغلوا العملية لمهاجمة الحكومة الصهيونية، غير أن الهاجس الذي بات يؤرق الكيان الصهيوني برمته هو العملية القادمة التي يمكن أن تحدث في القدس المحتلة.
- إغلاق الأقصى وفشل التطبيع
على وَقْعِ زلزال العملية التي نفّذها الشبان الثلاثة، اتخذت سلطاتُ الاحتلال قراراً بإغلاق المسجد الأقصى بتوجيه من رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، في أول اختبار لنتائج التطبيع المتسارع من قبل الأنظمة الخليجية وبعض الأنظمة العربية.
قرار إغلاق المسجد الأقصى قوبل بتنديد وغضب حركات المقاومة في فلسطين ولبنان ومكونات سياسية وحزبية ودينية في دول عربية، بينها موقف أنصار الله التي نددت بإغلاق المسجد، وقبل ذلك أيدت عملية الأقصى.
دول الخليج والأنظمة العربية المتصدرة للتطبيع تجاهلت العملية، ولكنها أوعزت لصحفييها ونشطائها بإدَانة العملية الفدائية، فيما توّلى وزراء سعوديون وبحريون إدانة العملية بطريقة غير مباشرة وكذلك الاستمرار في التذكير بوجود عدو آخر أخطر من “إسرائيل”.
وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد، كتب بصفحته بموقع تويتر “الصلاة في المسجد الأقصى حق للمسلمين لا يُمس وَلا يمنع. أما مسألة قتل شرطة الاحتلال فتحكمها المعاهدات وَبالأخص اتفاقية جنيف الرابعة”.
الوزير البحريني لم يقدم جديداً في أحقية المسلمين بالصلاة في الأقصى، لكنه بطريقة غير مباشرة أقر بأحقية الكيان الصهيوني باحتلال وإدارة المسجد، وبعد ذلك أدان عملية الأقصى بطريقة عكسية عندما تحدث عن الاتفاقات، وهو ما يمكن تفسيره بسهولة بأنه يقصد أن العملية مخالفة للمعاهدات مع الصهاينة.
أما وزير الدولة للشؤون الخليجية بالحكومة السعودية، ثامر السبهان، فحاول لفت الأنظار عن إغلاق المسجد الأقصى بتأكيد النظريّة السعودية الجديدة التي تنتج أعداء جددا غير “إسرائيل”، وهذه المرة وقع الاختيار على قطر. وكتب السبهان بصفحته في تويتر قائلاً: “في الماضي نشتكي من عداوة “إسرائيل” والآن أَصْبَـح إخوة لنا أشد كرهاً وحرباً علينا منها، مجازر تهجير تنكيل إعلام مدسوس وإثارة فتن”.
ورغم تواطؤ أنظمة الخليج وأنظمة التطبيع العربية، إلا أن الكيانَ الصهيوني أدرك أن تلك الأنظمة رغم تحالفها معه، إلا أنها لم تكن في يوم مساندة للمقاومة، وبالتالي فانضمامها للمحور “الإسرائيلي” لم يضر المقاومة ولن يفيد الكيان فيما يخص المواجهة، ولذلك وبعد يومين من إغلاق المسجد الأقصى ومنع رفع الآذان عادت سلطات الاحتلال وفتحت المسجد بعدما وضعت بوابات الكترونية رفض الفلسطينيون الخضوعَ لها وأدّوا صلاتهم في محيط المسجد على أن يستمر الضغط على الكيان لحين سحب تلك البوابات.