سجون “أبو غريب” ولكن هذه المرة في جنوب اليمن
بقلم / أحمد يحيى الديلمي
تثبت التجارب السابقة أن من يرحب ويهّلل بالمحتل الغازي لاحتلال أرضة ووطنه سيدفع الثمن غالياً على الكارثة التي حلّت به ، فبعد دخول المحتل الغازي تطفوا على السطح الكثير والكثير من جرائم التعذيب والسجون السرية التي يقوم بها ، ناهيك عن انتشار جرائم اغتصاب النساء بين الفينة والأخرى.
وهذا هو حال في جنوب اليمن بعد أن تواطأت بعض القيادات الجنوبية وهيأت الساحة للاحتلال الإماراتي السعودي الأمريكي ليبسط سيطرته على ارضهم تحت ذريعة إعادة ما يسمى بالشرعية “المنتهية أصلاً”، وحرضّت أبناء المحافظات الجنوبية ضد أبناء الجيش واللجان الشعبية وأنه بمجرد خروج الجيش واللجان الشعبية فإنهم سيحظون بالأمن والاستقرار… الخ ، فلم نسمع عن الامن والاستقرار الرخاء والديمقراطية بعد دخول الغزاة والتي كانت تتشدّق به قوى العدوان السعودي الإمارتي الأمريكي تجاه أبناء الجنوب ؛بل سمعنا وشاهدنا أمنهم وديمقراطيتهم تجلت بوضوح عبر سجون سرية وأساليب تعذيب وحشية وكانت خيراتهم عبارة عن عبوات ناسفة وسيارات مفخخة هنا وهناك تفتك بأرواح أبناء الجنوب ناهيك عن الزج بهم في معارك الدفاع عن جنوب مملكة الشر تحت يافطة قضيتهم الجنوبية التي تلاشت وأصبحت سراب بقيعة بعد تفريطهم بسيادة وطنهم وكرامة ارضهم .
وفي تفاصيل ذلك ،نشرت وكالةُ «أسوشييتد برس» الأميركية في أواخر يونيو الماضي تحقيقاً استقصائياً كشفت فيه عن وجود شبكة من السجون السرية في جنوب اليمن، تديرها القوات الإماراتية ، مشيرة إلى اختفاء مئات الأشخاص في تلك السجون بعد اعتقالهم تعسفاً ،وبشكل يعيد إلَـى الأذهان ما كان يحدثُ في سجن “أبو غريب” بالعراق، وكشف التحقيقُ عن جرائم تعذيب فظيعة تحدث بداخل هذه السجون خصوصاً وأن الوكالةَ نبّهت إلَـى مشاركة أَمريكية كبيرة ، وذلك من خلال وجود قوات من الجيش الأَمريكي وخبراء أَمريكيين عسكريين ويقومون بتعليم القوات الإماراتية عدةَ أساليبَ لعمليات الاستجواب والتعذيب.
وخلافاً لما كان يتوهم به بعض أبناء الجنوب ممن رحبوا بالمحتل الغازي ،نقل تقرير «أسوشييتد » عن سجناء سابقين تعرضهم لـ”التعذيب الوحشي”، مشيرين إلى أنّهم كانوا يُحاصرون معصوبي الأعين بأعداد مكتظة في حاويات شحن تم تلطيخ جدرانها بالبراز، على مدى أسابيع، كما نقلت تقارير صحفية تضمنت تصريحات لمعتقلين سابقين استجوبتهم بعد الإفراج عنهم من بعض تلك المراكز السرية، أكدوا أنهم تعرّضوا للضرب، والاعتداء الجنسي، والتعذيب، ، وقالت «أسوشييتد» أن “تقنية الدجاجة المشوية” هي إحدى الطرق المستخدمة داخل السجون الإماراتية السرية في الجنوب، وهي طريقةٌ يتم فيها ربط الضحية على عمود أفقي “مثل آلة شواء الدجاج ” ثم تدوير الضحية باستمرار فوق النار!، وذلك في إعادة لما كان ينقل عن أحداث معتقل غوانتنامو الأميركي الشهير.
إن الشواهد التي أوردتها «أسوشييتد» تجعل من هذه السجون نسخةً مطابقةً لما كان يحدث في العراق، وليسَ من المبالغة القول أن الأمر يتفوق على “أبو غريب” في الإجْـرام والبشاعة طالما وإن المدرب أمريكي والمُعذب مرتزق لأمريكي، ولعلنا لن ننسى كل ما ارتكبه الأمريكيين من جرائم بشعة ولا أخلاقية من تعذيب وتنكيل واهانة وإذلال وانتهاك صارخ وواضح لحقوق الإنسان في افغانتسان ،والعراق وبالأخص في سجن أبو غريب كخير شاهد على إجرام الأمريكيين وطغيانهم بحق أبناء الأمة العربية الإسلامية .
إن ما جرى على العراقيين في “سجن ابوغريب” كان بسبب تفريطهم بسيادة بلدهم وتخاذلهم في اتخاذ موقف صارم ومشرف ضد تواجد الأمريكيين في بلادهم ، وإنها لعمري كارثة عظمى فعلاً أصابت اليمنيين في الجنوب بلا استثناء، عندما يحلّون سجناء أذلاء في تلك السجون القمعية الأمريكية في أراضيهم اليمنية، فلن تحميهم هتافاتهم بالترحيب بالمحتل الغازي ، ولا عضويتهم في حكومة المرتزقة ، ولن يستطيع القادة السياسيين ، ولا مشائخ القبائل ، إطلاق سراحهم بكفالة أو ضمانه من تلك السجون ، ولن تطلق سراحهم المنظمات الحقوقية المحلية ولا الدولية ،لأن من باع وطنة وارضة سيكون جزائه الخزي والمذلة ،وهذا هو نتيجة تفريطهم وتخاذلهم وعدم اتخاذهم لموقف صارم ومشرف ضد تواجد المحتلين والغزاة في اليمن.
ولطالما وأن القوات الإمارتية والسعودية احتلت الجنوب اليمني بإيعاز واشراف أمريكي مباشر فبدون ادنى شك أن تلك القوات المحتلة ستقوم باستخدام الأساليب الأَمريكية في الاحتلَال وبسط نفوذها وقمع كل من يعارضها ومن ضمنها سجون التعذيب وأساليب التعذيب الوحشية ، وهذا يعيدُ للأذهان فضيحة سجن “أبو غريب” الأَمريكي في العراق ولكن هذه المرة ليس سجناً واحداً وإنما 18 نسخة من “أبو غريب” ، لاسيّما وأن «أسوشييتد» قالت بأنها رصدت ما لا يقل عن 18 سجناً سرياً في أنحاء الجنوب اليمني، هو رقمٌ غير بسيط بالنسبة إلَـى جنوب اليمن ، وأن هذه السجون موزعة على عدد من مناطق نفوذ المرتزقة، وأن بعضَ المعتقلين تم نقلُهم إلَـى قاعدة إماراتية في أرتيريا.
وبعد مدة قصيرة جداً من تحقيق «اسوشيتد»، فتحَت منظمة «هيومن رايتس ووتش» المِلف بشكل أَكبَـر ونشرت تقريراً موسعاً كشفت فيه عن عددٍ من أبشع الجرائم التي ترعاها القوات الإمارَاتية والقواتُ التابعة لها في اليمن، وأكّدت وجود سجون سرية من بينها اثنان تديرهما الإمارات، وأخرى تديرها قوات أمنية يمنية مدعومة من الإمارات، وقالت المنظمة أن محافظتي عدن وحضرموت تشهدان حالات احتجاز تعسفي وإخفاء قسري، حيث أَكَّــد تقرير المنظمة وجود السجون السرية والتعذيب فيها، مشيرة إلى أنها وثّقت 49 حالة.
وكشاهد على التورط الأَمريكي في جرائم التعذيب الوحشية جاءت مطالبات بعض أَعْضَاء الكونجرس الأَمريكي بالتحقيق في أمر السجون السرية في اليمن ومشاركة الضباط الأَمريكيين في التعذيب، وفي سياق ذلك قالت مستشارةَ الأمن القومي في منظمة «هيومن رايتس ووتش» لورا بيتر ، بأن الأمر يمثل تذكيراً مؤلماً بـ “مشاركة وكالة الاستخبارات المركزية الأَمريكية والجيش الأَمريكي بشكل مباشر في برامج تعذيب مشابهة في فترات سابقة”، ووصفت ذلك بـ “محاولة تنصل عن المسؤولية”.
وبرغم أن أمريكا نفت رسمياً تورّطَها في هذه السجون وما يحدث بداخلها إلا أن وجود الحقيقة الدامغة التي تؤكد أن كُلّ دول تحالف العدوان لا تستطيع أن تفعل أي شيء في اليمن إلا بإشراف وايعاز مباشر من الإدَارة الأَمريكية، فأننا لسنا بحاجة لإثبات ذلك ،فالأمر أصبح َأكثـر وضوحاً في مارتكبة الأمريكيين من جرائم وحشية واتباع أساليب تعذيب وحشية في سجون “أبو غريب” و”غونتاموا”.