الخبر وما وراء الخبر

من وحي الجبهات.. (1): حرض وميدي.. بين الحقد السعوديّ وأسطورة الصمود

136

بقلم / حمود عبدالله الأهنومي

باتت الجبهاتُ هي القِبلةَ المفضَّلةَ لدى أحرار هذا الشعب اليمني في العيد، وبات شعارُ (أعيادنا جبهاتنا) أصدقَ شعار يجد نفسَه على أرض الواقع، فأفواجُ الزوار إلى الجبهات كانت في هذا العيد أكثرَ من المتوقَّع، والعيد في البيت أَصْبَح بلا طعم ولا رائحة؛ لهذا اكتظّت الجبهاتُ بالزوار والمغامرين والمجاهدين رغم الأخطار التي كانت تترقَّبهم لحظةً بلحظة، وبعضُهم نال الشهادةَ، وبعضُهم قُصفت سيارتُه.

في سلسلة حلقات، هذه أول حلقة منها أكتُبُ ما شاهدتُه أَوْ استوحيتُه من خلال معايدتي للأبطال المجاهدين في جبهة حرض والحثيرة وميدي والحديدة في عيد الفطر الكريم.

 

إلى تعز أم إلى ميدي؟

بعدَ صلاة عيد الفطر كنتُ ضمن فريقٍ من العلماء وقيادات وكوادر أنصار الله نعايد رجال النقاط الأمنية داخل صنعاء ومحيطها، وكانت السعادة الغامرة والشعور بالأمة الواحدة وأن الجميع في حالة جهوزية لأية حالة جهادية هو ما يمكن لأي ملاحِظ أن يلاحظه من مظاهر عديدة رأيتها أثناء تلك الزيارة، حيث لم يكن الوفد يصل إلى النقطة حتى يصطف رجال الأمن أولئك وتعلو الفرحة على وجوههم الساهرة وعيونهم اليقظة، مع مزيدٍ من الاستبشار والشعور بالأمة الواحدة وأنهم باتوا يقومون بمهمتهم من منطلق الشعور بالواجب الجهادي والوطني وليس فقط لإسقاط العهدة وتنفيذ الأوامر.

في طريق عودتنا ذلك اليوم همس في أذني سماحةُ السيد العلامة الهاشمي رئيس المجلس الزيدي الإسْلَامي قائلاً: غداً ستكونُ الزيارةُ لجبهة صرواح، فقلت: إن شاء الله، غير أن تنسيقاً تغيَّر فإذا به يتصلُ بي يطلُبُ مني التوجُّهَ إلى زيارة بعض جبهات تعز، وأن عليَّ أن أكونَ ضمن فريق من 4 إلى 5 أشخاص، فلبَّيْتُ الطلبَ وألقيتُ عليه مقترحا برغبتي العارمة في زيارة أبنائنا وطلابنا وإخواننا في جبهة حرض وميدي، وسألتُه عما إذا يمكن تحويلُ وِجهتنا إلى هناك؟ فوعدني بدراسة الأمر.

 

السيارة.. كأنما نشطت من عقال

جاء الإذنُ بالسفر إلى جبهة حرض وميدي، وكان نِصَابُ رحلتنا قد اكتمل بالأستاذ أحمد الأهنومي والأستاذ عبدالكريم الجوزي والأستاذ أكرم قاطة، ومنَّا من لم يسبق له أية زيارة للجبهات، بل كانت هذه الزيارة أولَ زيارة له، ومن دون شك فقد كان القلق واعتراضات الآباء والأمهات الذين علموا بالزيارة من الإعاقات التي تمَّ تجاوزها من قبل أفراد الوفد.

أخذنا للسيارة احتياجاتِها، وأصلحنا فيها ما لا يحتمِل السفرَ الطويلَ والشاقَّ، وكان جاري الكريم قد زوَّدني عارية بحقيبة فيها خازن كهرباء وبنشرٌ يدوي ومولِّد كهرباء، وبذلك حسِبت أنه قدَّم لي معروفا لا تنساه الأَيَّـام.

قدْتُ السيارةَ التي كانت رحلتها اختباراً لها بذهاب عِلَّتِها التي كانت تستوقفنا كَثيراً في السفر، فكانت في رحلتها هذه إلى أرض الأبطال كأنما نشِطَت من عقال، وكان لزاماً علينا شكر المهندس محمد السراجي، الذي تنبَّه لمشكلتها.

 

في مدينة حجّة.. نموذج المجاهد الأصيل

بتنا في مدينة حجّة في منزل الصنو علي، الذي لم نجدْه للأسف، إذ كان قد غادر ليلة العيد أَيْضاً إلى جبهة ميدي، ولكن كان بيته متَّسِعاً لنا رغم غيابه، ونلنا من الإكرام واللطف من زملائه ما غمرنا تكريما وتشريفا.

سمرنا مع بعض المجاهدين نذكر ما مَنَّ الله به على اليمنيين من خير جزيل، وما بلَّغهم الله إليه من نصر وعزة وتمكين، وبتنا نتبادل أطراف البشارات بالنصر القريب، ونشكر الله أن جعل أحرارَ شعبنا على هذا النحو من الانطلاق مع الله في مواجهة أولياء اليهود والنصارى المعتدين المحاربين.

في طريق الزيارة لا تعدم هنا أَوْ هناك أخاً أَوْ زميلاً يضن بك عن الوقوع في الخطر، وتجتاحه سلسلة من التساؤلات والقلق، وقد يقلق أحدنا على غيره ولكنه ينسى نفسَه، لكن الحقيقة هي ما تنهي أي جدل أَوْ حوار نفسي، وكانت الحقيقة هي أن اليمنيين قد عشقوا جبهات العزة والشرف، منذ باتت اختبارا للرجولة، ومقياسا للفضيلة، وترمومترا للحرية.

 

شهاداتٌ من أعماق الميدان.. شرفُ الانتصار اليمني بمواجهة جرائم العصر

 

في مدينة حجة قد تصادف مثل المجاهد العظيم أبي عبدالله الحاج من وشحة، الذي يتدفَّق حواليك حماسا وثقافة، ويضمخ سمعك بنصوص الشهيد القائد ويوظفها في الأحداث كما لو أنه من أعظم ثقافيي المسيرة القرآنية ومن نوابغ متحدِّثيها.. على الرغم من أنه يعمل في الجانب الأمني.

حمِدْتُ الرجلَ في نفسي لأمانته وإخلاصه ودينه الصادق، وعلِمْتُ أن هذه المسيرة على موعدٍ مع النصر المؤزّر؛ لأن مشروعها يحب الرجال الصالحين، ويُفْسِح لهم المجال، ولأن أدبياتِها وثقافتَها على عداءٍ مع ثقافة (حمران العيون) في الاختلاس والنهب، حتى ولو تسلَّل إلى مواقعِها ومراكزِها كثيرٌ من أولئك فالأَيَّـام كفيلة بمحاصرته وطرده إلى حيث أتى.

في الصباح زوّدنا المجاهدون ببعض الملابس العسكرية المناسبة للجبهة، ولكن بعضاً من رفقتنا لم تطب نفسه أن يأخذها حتى سلَّم ثمنها، فقيل له: الجبهة أمامك، أنفِقْ ثمنها هناك.

قضينا حَقَّ الزيارة والمعايدة لإحدى الخالات هناك، وإذا بي أفتقدُ أحدَ أولادها الذي لم يتجاوز سِنُّه السبعةَ عشَرَ ربيعاً، فقد عاد إلى الجبهة، وهو الذي سبق له أن ذهب إليها ورابط بها متجاوزا كُلّ توسلات أمه وأبيه وكل التوصيات منا جميعا، إذ طالما أخبرناه أن جبهة أمثاله في مواصلة تعلمهم.

لكن تلك التوصيات لم تصمد طويلاً عنده، فترك كُلّ شيء وراء ظهره، وعاد إلى الجبهة، ولم نملك مع أمه غير الحوقلة، والدعاء له بالحفظ، والإيقان أن هناك سراً عجيباً يستهوي الطاهرين من هذا الجيل الجديد ويسوقهم سَوْقاً إلى حياة الجهاد والمرابطة، ورغم منع قادة المسيرة لظاهرة التحاق صغار السن بالجبهات، إلا أن هناك منهم من يتسلل مرات عديدة إلى الجبهات، فلا يملكون إلا أن يبعدوه عن الخطوط الأمامية، وأن يكلفوه بأعمالٍ غير خطرة، وفي أماكن هي آمَنُ ما تكون في الجبهة.

 

من عقبة الفساد في حجّة.. إلى عقبة العدوان في حرض

كان أول ما صادفنا هو نقطة النصيرية في حجّة، وكان يبدو من وجوهنا لكثير من النقاط أنها مألوفةٌ لديهم؛ لهذا كنا نؤمر بمواصلة السير، ومع ذلك فقد كانت لدينا بطاقة خَاصَّـة، أرى أن لا داعي لتوضيح طبيعتها، كانت بمثابة جواز المرور السحري في كُلّ النقاط وعلى طول الطريق التي مررنا بها في رحلتنا الطويلة.

كشفت لنا عقبة حجة المنتهية بمنطقة الأمان ضحالة ضمير المسؤولين السابقين الذين استسلموا لثقافة الفيد والغنيمة، وأن ثقافة (أحمر العين) صاحب اليد الطويلة التي لا تبقي ولا تذر لا من مال الدولة ولا من مال المواطنين نقيرا ولا قطميرا ثقافة مغلوطة مئة في المئة.

(منجزاتُ بلادي) للأسف لم تكن سوى مساحيق رديئة يُطْلَى بها وجهُ الوطن المجدور بالظلم والغبن في بضع شهور قبيل موسم الانتخابات ثم إذا جاء المطر كشف سوءة دعاواهم، وأظهر عوار مشاريعهم وحجم وطنيتهم.

أعلى تلك العقبة كانت رصدتها عبارة عن رأس أصلع، انحلق (زفلتها) بفعل الأمطار، التي تعني سوءاً في التخطيط والتنفيذ وخيانة في مقاييس جودتها، وكميتها ونوعيتها، وتنصلا عن مسؤولية الحفاظ عليها، ومن المهم أن نطرح السؤال على مسؤولي اليوم: ماذا عساكم أن تفعلوا، وهل اقتنعتم بضرورة تغيير قواعد اللعبة؟ نأمل ذلك.

ثم كان علينا بعد ذلك أن نتدبر أمر التنسيق لزيارتنا عند مسؤولي الجبهة، فاتصلت بابن خالتي محمد علي المهلّا المرابط هناك ليتولَّى أمر التنسيق، فمكث غيرَ بعيد وإذا به يتصلُ بي مخبِراً إياي أنه تم التنسيقُ وأنه في انتظاري في نقطة محددة بالقرب من مدينة عبس، فحمِدْنا اللهَ على التيسير.

التقينا ومنسقَنا بين مدينة شفر وحرض، واطَّرحْنا تلفوناتنا لدى إحدى النقاط هناك، وكانت الحياة في طريق حرض تبدو طبيعية، لكن شيئا فشيئا تتضاءل نحو الشمال وتقل السيارات في الخط العام، ثم تكاد تنعدم.

استقلينا السيارةَ التي كانت لتوها قد أقلّت وفدا إعلاميا أمضى يومين في جبهة حرض وميدي، وأخبرَنا سائقُها أبو البتول النعمي (من ثقافيي الجبهة المخلصين)، أن طيران العدو الحربي والاستطلاعي في ذلك اليوم مكثف، وكانت الإشارة من جهازه بين الفينة والأُخْـرَى تنبِّه جميع الوحدات بتحليق الطيران في أجواء المنطقة، ولهذا لم نصل إلى أطراف حرض إلا واضطرَّنا التحليق أن نختفي في بعض أحراش المدينة، ثم ركبنا السيارة وأسرعنا قليلا، فإذا بنا نضطر مرة أُخْـرَى أن نعود للاختباء في أحد الأماكن التي أعدت للتمويه والاحتماء من طيران العدو.

جُلُّ رفاقي كانوا يعايشون هذه الحالة لأول مرة، وبالتأكيد فالقلقُ بادٍ على عيونهم، ولكن روحَ المغامرة والتحدي كانت سيِّدَ الموقف، وهي الروح التي جلبت آلاف الزوار الذين اكتظت بهم جبهات الشرف والعزة في هذا العيد، كأكثر من أي عيد مضى، وهو ما يشير إلى ارتفاع وتيرة الارتباط القوي والفاعل بين الجبهة والمجتمع الحاضن، وهو أمر يجب العمل على تفعيله وتمتين عراه من قبل المشرفين والمسؤولين وصانعي الرأي العام.

 

الهلاني.. النموذجُ المتكرِّر في المجاهدين

وصلْنا إلى الموقع الأول الذي كان يجبُ أن نصلَ إليه، وكان علينا أن لا نصل إليه إلا والجوُّ خالٍ من حشرات العدو – كما يحلو لأستاذنا عبدالحفيظ الخزان أن يسمِّيَها به – حتى لا نكشفَه لرصدها، وكان ذلك الموقع مخصَّصاً للثقافيين، لكننا وجدنا كَثيراً من أولادنا وطلابنا هناك يملأون حيزاً كبيراً فيه عزة وشرفاً وكرامة، فحمدت الله أننا شاركنا ولو قليلاً في تأهيلهم علميا، وإذا بهم الآن يشاركون في تثقيف وبناء ذلك المجتمع الجهادي العظيم.

في ذلك المكان تجد ولداً في سن ولدك، لكنه يقومُ بدورٍ أكبرَ من دورك الذي تقوم به، فتسأل اللهَ التمامَ والتوفيقَ والتسديد، والجهاد ميدان فسيح وكبير، به شرُف وتقدَّم أقوامٌ كانوا قد تأخَّروا، وبسببه تأخَّر أقوامٌ كانوا قد تقدّموا.

في هذا المكان وجدتُ بطلاً يمكن أن يشكِّل نموذج المجاهد الفريد، بطل (هلاني = من بني هلان) من قرية الوعلية إحدى قرى مديريتنا المفتاح، التي لم يكن يتوقع أحدٌ منا أن تقذِفَ بفلذات أكبادها على ذلك النحو المبهِر، فإذا بكثير من شبابها الأحرار يملأون الجبهات بطولاتٍ وأمجادا على نحو يدعو للفخر والمجد، شابٌّ عشريني قد دوَّخ المرتزقة وأسيادَهم في الخوبة، والحثيرة، وله صولات في صرواح، والآن يرابط في صحراء ميدي يلقن الجنجويد دروس اليمني الهادئ الودود الذي تُظْهِرُ الشدائدُ أيَّ أسد يربض في داخله؟

كان يرابط في صحراء ميدي ورغم إصابته بالحمى فلم يبرح مترسه ذلك، لولا أوامر أحد مسؤوليه التي أجبرته على ترك مترسه الشريف ليأخذ بعض الحقن والعلاجات، ورأيت فراشة الحقن لا تزال منغرسة في رسغ كفه الطاهرة.

أخبرني أن والدَه تربوي، فقلت في نفسي: كم كان عليه يوميا أن يفكِّر في هندامه قبل الولوج إلى فصله الدراسي، لكن وجه ولده هذا لم يعُد يأبَه هنا بذاك الهندام، بل بات يتشح بخط اعتراضي يقسم وجنته على اثنين، فدفعني الفضول أن أسأله عن سبب ذلك، وإذا بي أجد أنه بسبب قنابل عنقودية تعرَّض لها في الخوبة، ثم أراني – بكل فخر واعتزازٍ وببسمةٍ تملأ الدهرَ فخرا ومجدا – أماكنَ أُخْـرَى في ساقيه ويديه لجراحاته.

ومع تصبُّبِ عرقي الكثيف فلم أكف عن أسئلتي الكثيرة له عن زملائي من التربويين في قريته فرداً فرداً، وأيُّ بيوتها أخرجت مجاهدين أكثر، ومن انطلق منهم، ومن تثبّط، وما السبيل إلى تحريك المجتمع كله إلى سلوك طريق الجهاد، وإذا في إجاباته وتعليلاته من عمق التحليل، ووضوح الرؤية، وسمو الثقافة القرآنية ما جعلني أسبِّح اللهَ ربي أن جعل في المجاهدين أمثاله الكثير والكثير.

 

المجاهدون.. أسرةٌ واحدة

ليس المجاهدون هُنا من محافظة حجة، بل هم من كُلّ مكان، فها أنا ذا أجلس مع رجل خمسيني من بني مطر، مضى عليه شهور هُنا، وأراني صورةَ شهيد من أهالي قريته معلَّقاً في ذلك المكان، كما أن أحدَ أولاده يرابط ويجاهد في نفس الجبهة، ولقيتُ مساءً أحدَ المشرفين الكبار من بني مطر من بيت الحاكم، وسمعتهم ينادونه بكنيته التي قادتني إلى التعرّف عليه، إذ كنتُ قد سمعت عنه الطيِّبَ من القول والفعل، رغم أنه لم يعرفني ولم يشأ التعرف عليّ لكثرة الزوار، وكانت لهجاتُ المجاهدين فيها تشيرُ إلى مناطقَ عديدةٍ من اليمن، ومع ذلك فليس هناك أحدُ معنيٌّ بأن يسأل زميله: من أين أنت؟ بل الجميع ينطلق في مهمته كما لو أن الجميعَ من أسرة واحدة.

غادرَنا الأخ أبو البتول ليذهبَ في مهمة أُخْـرَى بتلك السيارة على أمل أن نراه مرة أُخْـرَى، والتنقل في الجبهة أشبه ما يكون بالتنقل بين أنياب الموت المتربِّص بفريسته في كُلّ لحظة، فكَثيراً ما قُصِفَت المركبات والسيارات ونجى أَوْ استشهد من كان عليها، ورُبَّ سيارةٍ ركبتَها اليوم وبعد ساعات تجدها حطاما محترقا في مكان آخر، ويقال لك: إن سائقها قد نجى بأعجوبة، كما هو الحال في السيارة التي دخلنا على متنها إلى الجبهة مع الأخ أبي البتول حفظه الله.

أصرَّ علينا المجاهدون أن نأخذ حظنا من الماء والاغتسال للتخفُّف من عبء العرق المتصبِّب وتلطيف الجو الملتهب في ذلك المكان، والذي يبدو أنه صار طبيعيا لدى كثير منهم، فها هم الآن قد قضى بعضهم هنا ستة أشهر، ومرت عليه وكأنه في جنات عدن بردا وسلاما، وكأنه ليس في تلك الأَرْض الملتهبة، وتحت تلك السماء التي تجوبها آلات الموت بذلك الشكل.

يا ألله ما ألطفَك بعبادك، وما أقوى هؤلاء الرجال وقد منحتَهم شيئا من قوتك، ومعيَّتك، فإذا بهم يعيشون هذا التحدي بوجوهٍ باسمة، وقلوب راضية، ونفوس مطمئنة، لا ترى منها إلا الرضا والبشاشة والمودة.

 

وجاء المَدَدُ

أخبرونا أن الطيرانَ يكثِّفُ طلعاتِه في لحظات قبل الظهر وبعده لإعاقة وصول المدد إلى المجاهدين، ومع ذلك فإن المجاهدين قد روَّضوا هذا الأمر وتروضوا له، وجاء الغداء وإذا بنا نأكُلُ معهم قطعَ الحنيذ اللذيذ، والأرز النظيف، والحقين البارد، وهذه قطع الثلج توضع في أوعية يسمونها (الترمس)، يضعون فيها قناني الحقين لتبريدها، الحقين الذي صار ملازماً للجبهات، ويتدفق عليهم بكثرة كاثرة، أما الخبز فكان من نوع خبز البيوت، وقيل لي إن هذا الخبز يغطِّي كلَّ مناطق تلك الجبهة، وأن بعض قرى مديرية المحابشة تتكفل بتوفير الخبز يوميا للمجاهدين، ويصل إليهم طريا كُلّ يوم.

وفي الحقيقة أن التغذية في كُلّ المناطق التي وصلتُ إليها وزُرتُها تكاد تكون على هذا النحو، وتتوفَّر بشكلٍ جيِّد، وأن المؤمنين أهلَ المدد يبذلون قصارى جُهدِهم لإيصاله إلى كُلّ مكان مهما كان الثمنُ ومهما غَلَتِ التضحيات.

يتبع..