الخبر وما وراء الخبر

العيد بنكهة الجبهات ( 1 ) نماذج مشرقة

175

بقلم / حمير العزكي

في رحلتي الأولى واليتيمة إلى معاريج السمو ومرافئ الإباء و سبل النجاة، إلى منابع الصمود ومصانع الرجال ومواقع الأسود ومزارع النصر المبذورة بالفداء والمروية بالدماء والمثمرة بأمجاد أصلها ثابت وفرعها في السماء، إلى قبلة البذل التضحيات وأقدس وأطهر الساحات، إلى جبهات العزة والكرامة حيث ينطق الشموخ من أفواه البنادق بلسان الهاونات و بنبرة المدافع المزمجرة، وحيث لاقيمة لفارق السنوات والأعمار بل القيمة لما تحمله القلوب والعقول من الإيمان والأفكار، ولا مكان للخوف والإرجاف، والحق واضح لا لبس فيه ولا خلاف.

وصلنا مساءً .. فاستقبلنا شباب كالملائكة في صورهم ووقارهم وسكينتهم واحتفائهم بنا واحتواء قلوبهم لنا، بالغوا في إكرامنا بالقدر الذي بلغوه من مكارم الأخلاق، أتيناهم معايدين فاستبقونا بالتهاني وجئناهم مؤنسين فبتنا في ضيافتهم مستأنسين، بعفوية صادقة لا تصنع فيها ولا تكلف جعلوا الاحراج فراشنا والخجل منهم غطاءنا.

تحركنا في اليوم التالي إلى عرائن الليوث ومكامن الأبطال المرابطين ومواقع وأرتاب المجاهدين المؤمنين ، كلنا شوق ولهفة لتقر أعيننا برؤية أولياء الله الذين طالما قرأنا عنهم الآيات المحكمات وسمعنا فيهم المواعظ البالغات من الاعلام الهداة وتشعبت أخيلتنا في تصويرهم وحارت وقد اجتهدت كلماتنا في وصفهم .

التقينا بهم وإن قلت تشرفنا بلقائهم فقد جانبت الإنصاف فلا شرف إلا شرفهم وشرف جهادهم ، وحين صافحناهم شعرنا بجينات الكرامة التي تجري في دمائهم ، وحين عانقناهم تعرفنا على هرمونات الشموخ التي تنبعث و تتدفق في أجسادهم، وحين تكلموا توقف بنا الزمن وخرست الألسن قبل الأقلام ونضب الكلام.

استمعنا إلى رسائلهم الصادقة التي حملتها كلماتهم القوية البسيطة ولهجاتهم الخالية من التنميق والتلفيق ، رسائل بالستية لو عقلها العدو لما غامر ولو فهمها العميل لما تآمر ولو استوعبها المتربص لما خاطر ، فإيمانهم الصادق بالله لايزول و إن زالت الكواكب والافلاك ، ثقتهم المطلقة بالله لاتهتز ولو اهتزت الأرضين ، ويقينهم الحق بنصر الله وتأييده لايتزحزح وإن تزحزحت الجبال التي انحنت إجلالا وإكراما لطهر اقدامهم .

لم نسمع منهم حرفا واحدا متذمرا او شاكيا، كل حروفهم رضا وكل كلماتهم طمأنينة وكل كلماتهم حمد وشكر وثناء وتسبيح، وكلما حاولنا أن نسمعهم كلمات تشعرهم بأهمية دورهم وعظمة عطائهم جعلونا نستشعر مسؤوليتنا وأهمية الدور المناط بنا، وكلما اجتهدنا في الحديث لرفع معنوياتهم أوقفتنا معنوياتهم البالغة من العلو مالايوصف، وكلما انتوينا أن نقول لهم ما يشد من عزائمهم ألجمتنا عزائمهم المتقدة وبدل الحوار الأدوار فما ذهبنا من أجله ها نحن عائدون به.

قال لي أحدهم عند مغادرتنا : ” اتقوا الله ولا تفرطوا .. دوركم كبير .. وعوا الناس ولا تتركوا فرصة للمنافقين والمرجفين .. حثو الناس على التكاتف والتكافل ” فشعرت كم هو ورفاقه عظماء وكم نحن صغار أمامهم فبرغم انشغالهم بجهادهم ومرابطتهم في موقعه لم ينس الانشغال والاهتمام بأوضاع واحوال الناس وواجب التوعية والتصدي للمرجفين والمنافقين ، فياالله ما أعز واكرم واعظم وأسمى رجالك ، وما أبلغه أثر كتابك وثقافته في قلوب عبادك المؤمنين، وما أصدق أولياءك وما أوضح سبيلهم الداعي إليك والساعي بهديك.