الخبر وما وراء الخبر

أحكامٌ رمضانيةٌ في الإمساك والإفطار وقيام الليل وختم القرآن

638

الشيخ الباحث/ حسن فرحان المالكي

مع أنني أتجنَّبُ الفتوى في ما يسمَّى (الفقه)، إلا أن الأبحاثَ الفقهيةَ أمرٌ آخر، فالبحثُ الفقهي – مع التحفّظ على مصطلح الفقه – هو وجهةُ نظر وليست فتوى، أنت تعرض بحثاً وللناس مناقشته ونقده وتسديده والزيادة عليه الخ، وسأذكُرُ خلاصاتٍ لبعض الأبحاث دون التوسع فيها، بل سأذكر الشيء ودليله من القرآن باختصار، وربما سيتفاجأ البعض – كالعادة – بمخالفتنا لبيان القرآن:

1- وقت الإفطار: جرت العادة على ترديد أحادث وفتاوى نابعة منها في وقت الإفطار، مع هجر ما ذكره القرآن عن ذلك من تأخير الإفطار إلى الليل، النص القرآني المهجور في الإمساك والإفطار: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل)، هنا أجد أكثر المسلمين يخالفون الآية في موضعين:

1- الإمساك قبل التبين للفجر (حتى يتبين لكم) لم يقل حتى يطلع الفجر.

2-الإفطار قبل دخول الليل.

1-الإفطار قبل دخول الليل، إذ قال الله (ثم أتموا الصيام إلى الليل)، ولم يقل (إلى المغرب) أَوْ (إلى غروب الشمس)، أي التأخير نحو ربع ساعة يكفي، فلماذا العجلة؟ والسبب في الأمرين – أي في عدم الالتزام بالوقتين – يبحَثُ لاحقاً، وستجدون السبب روائي، وخلف الرواية إرَادَة سياسة لإماتة سنة بعض الناس الموافقة للنص.

2- الإمساك قبل تبين الفجر: سبق في الآية السابقة (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم)، لم يقل حتى مطلع الفجر، يباحُ لك الأكل إلى أن ترى أنت ضوءَ الفجر.

3- ختم القرآن: لا شرعية لختم القرآن، لا في تلاوة ولا قيام ليل، إنما المشروع هو التدبر، فمن تدبر ولو سورة واحدة في رمضان، أفضل ممن يختم بلا تدبر.

4- صلاة التراويح: الأصل فيها الصلاة فرادى، ولعل البيت أفضل من المسجد؛ لأنها نافلة فردية في الأصل، لم يشرع لها جماعة كالجمعة والعيدين والاستسقاء، ويمكنك أن تصليها جماعةً مع أهل بيتك ونحوهم؛ لأن قيام الليل في سورة المزمل فيها جماعة أيضاً (وطائفة من الذين معك)، مع أن الدلالة غير صريحة.

4- الغاية من الصيام التقوى، فلا بد أن تستحضرَ في الصيام معاناة الجياع وتتقيَ اللهَ ببذل حقهم من مالك (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) الذاريات 19، وأنا أخشى على التجار – وأصحاب الأموال خَاصَّـةً – عندما يظنُّون أنهم بصيامهم قد أنجروا فريضةَ الصيام وهم يكنزون الكنوز، ويظنون أن الواجبَ فيها هو الزكاة، كلا، الكنوز محرَّمة مطلقاً بنص القرآن، ويجب إنفاقها في (سبيل الله) بطريقين:

1- بالتبرُّع.

2- بتشغيلها في السوق ليجدَ الناسُ عملَهم في هذا التشغيل.

وأقولُ لأصحاب الأموال والتجار: بارك الله لكم في تجارتكم وأموالكم، لكن الناصحَ بالقرآن قليلٌ، لا تصدقوا من يسوّغون لكم الكنوز.

 

نصيحةٌ لوجه الله

وأضيف لهم، الواجبات في المال غير ما تعرفونه من الزكاة، كلا، في القرآن واجبات غير الصدقات – التي نسميها الزكاة – ويمكنكم أن ترجعوا إلى القرآن..

لا تصدق الناس، صدق القرآن، وأسباب هجر أحكام القرآن في الأموال سياسي أيضا، فمن وعى التاريخ سيجد أن الذي حرف الناس عن الواجب القرآني في الكنوز ونحوها هم السلاطين وفقهاؤهم، غاية الصيام هي التقوى، فاتق الله أيها التاجر الفاضل، واعرف واجبك المالي تجاه اليتيم والمسكين وذوي القربى.. فهذا كتابُ الله ينطِقُ بين يديك. أما غير التاجر، فيستطيع تحقيق غايي الصيام (التقوى) بتذكر الجائعين ومواساة الفقير والمسكين وابن السبيل، ولو بغير المال، ولو بالمشاعر، هذه تكفي..

الله يقول (فاتقوا الله ما استطعتم)، كُلّ يجب أن يحقق الغاية من الصيام على حسب جهده، التاجر قد يتوب من كنز الكنوز، والرجل العادي يواسي بقدر جهده، وفي المقالين أعلاه بيان شبه وَافٍ، والتقصير وارد، فالموضوع غريب والناصح بالقرآن قليل، وقد هندس لنا الشيطان ما يريح الأقلية ويشقي الأكثرية.. الشيطان يريد أن يكون له إخوان من المسرفين والمبذرين (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين)، ولابد أن يؤسس لإخوانه فقه الإسراف والتبذير، فاحذروه.

الغاية من الصيام هو التقوى، فابحثوا عنها وستعرفون النهار إذا عرفتم الليل، التقوى ضد التبذير، ضد الإسراف، ضد كنز الأموال، ضد الفقه السلطاني.. الخ.

لو حقق المسلمون الغاية من الصيام، وهي التقوى، لما أمسى في العالم جائع قط ولا عاطل عن العمل، ولا كانت تلك الجرائم من السرقة والاغتصاب والغش الخ، اصحوا أيها المسلمون، أنتم مخدوعون، تظنون أن الصيام لله هكذا، تجوع وتظمأ لأجله، كلا، أمرك بالصيام لتحقق (التقوى)، فاعرف غاية الصيام ثم حاسب نفسك..

في المقالين أعلاه ستكتشفون كيف استطاع الشيطان تعطيل بركات هذا الدين، التفّ عليه من قديم بروايات السوء وفتاوى السوء وسلاطين السوء وفقهاء السوء، لن يسألك الله عن تلك الأحاديث والفتاوى، انتبهوا لسؤال الله يوم تلقونه (ألم تكن آياتي تتلى عليكم)، (يسألونك ماذا ينفقون قل العفو).. فأعدوا الجواب.

صحيحٌ أن القرآن قد أصبح غريباً؛ لأنه مهجور، أنتم ممحَّصون بهذا الكتاب، هو النور الذي تكشفون به كُلّ شيء، هو النور الكاشف للفتاوى والأحاديث والعوائد، وما يضرك أخي التاجر لو تحتفظ لنفسك وعائلتك بالقدر الكافي، تشغل الكثير من أموالك في السوق والقليل تتصدق به؟ أية فائدة لكنز يصاحبُك في جهنم؟ أعرف أن التاجر سيجدُ من يزيّن له التنصُّـل من غاية الصيام (التقوى)، أعرف أنه سيأتي من شياطين الإنس والجن من يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ولكن اسمع واستفتِ قلبك: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) [التوبة/34، 35].

احذر. لا تنخدع بمن قد خدعوا الأمة من قديم، انجُ سعد فقد هلك سعيد!

كل نعمة يجب أن تتقيَ الله فيها لتؤديَ شكرها بتفعيلها، الصحة، المال، العقل، العلم، المنصب، الجاه، كُلّ شيء (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)، فاستعد.