الخبر وما وراء الخبر

عاصفة الفشل والكوارث

196

بقلم / سامح عسكر

مر الآن عامان ونصف على بدء العدوان على اليمن، ولم تتحقق كافة الأهداف المرسومة للعدوان وأبرزها إعادة منصور هادي لمنصبه والقضاء على الحوثيين، بل استفحل الأمر بسيطرة الميليشيات على عدن وإقامة حكم أشبه بسلطات أمراء الحرب في الصومال، كل جماعة لها مناطق يحرم دخولها، وكل أمير بإمكانه تحريك آلاف الجنود لصالح رغباته.

انتهت المعركة في عدن إلى حالة من الفوضى والعبثية ولم تتحقق الأهداف المرسومة بتنمية الجنوب، وطني أنه لم يكن هدف منذ البداية، فالهدف الأسمى للحرب كان أكبر وأقبح من مجرد تنمية تخسر فيها دول العدوان أموال على فقراء يكرهونهم ولا يكنون لهم مشاعر الود، فاليمني عند السعودية والإمارات شعب درجة ثانية لا يستحق العيش إلا إذا كان خادما لهذه الدول، بينما يمتلك اليمني عزة نفس وكرامة تمنعه من الوجود كخدم.

صحيح اليمن فقير بل هو أفقر شعب عربي، لكن لديه كرم وطموح نعرفه نحن المصريون، وشدة بأس في المعارك نتداولها عبر قصص وحكايا الآباء والأجداد منذ ثورة السلال في الستينات.
السعودية لم تتعظ مما جرى في الستينات بل انساقت خلف أهوائها كمن يتخطبه الشيطان من المس، ظنت أن امتلاكها القوة العسكرية والمالية كافية لإخضاع شعب فقير كاليمن، وحين بدا لها غير ذلك طاش عقلها وظلت تترنح يمينا ويسارا.. فمن مشكلة مع مصر إلى مشكلة مع العراق إلى مشكلة مع لبنان حتى مع الإمارات وأخيراً قطر، وصل السعوديون إلى حالة من الكُره والعداء تجاههم لم يسبق لها مثيل، بل يكاد يكون هذا العصر وتلك السنة تحديدا 2017 وصلت فيها السعودية لأعلى معدلات الكراهية العربية على الإطلاق.

حاول آل سعود تعويض هذا النقص وتلك المشاعر المعادية بشراء الأنفس والحكومات، وقد وقع البعض ضحية لذلك بالرشوة، وخضع الضعفاء لأوهامهم فظن عمر البشير أن بإمكانه أن يحصل على ما فشل فيه آل سعود والبريطانيون من قبل، وكيف لا وقد تعامى عن هزيمة الجندي السعودي في ميدي بمحافظة حجة ثم لجوء آل سعود لمرتزقة الجنوب ثم عند فشل هؤلاء جميعا لجأ للسوداني كقرار أخير ليذود به عن نفسه.

والسؤال: هل أعمى الله أعين البشير عن تلك الحقائق أم تعامي عمدا بغية المال صاحب النفوذ الأعظم عند كل نفس أمارة بالسوء، إن البشير وآل سعود وغيرهم، حتى آل نهيان في الإمارات وآل خليفة في البحرين لم ولن يأخذوا ما فشلت فيه الدول العظمى من قبل، فعلى أرض اليمن تحطمت قوى الاستعمار بل تكاد صنعاء هي المدينة العربية الوحيدة التي لم تطأها قوى العدوان، وظلت هذه المدينة عزيزة وأبية على الأغراب.

هذا من الجانب العسكري والقومي، الآن ماذا على الجانب الإنساني والسياسي؟

هذا المقام يطول شرحه لكن يكفي العلم أن اليمن رغم فقره لكن لديه نظام سياسي قوي في الشمال وتحالف شامل بين حزب المؤتمر وأنصار الله، وقد أنتج هذا التحالف القوي مجلس رئاسي وحكومة وطنية، صحيح يوجد تعارض أحيانا واختلاف في وجهات النظر لكن هذا من الجانب الديموقراطي صحي، أهم أن لا يتطور بحيث يؤثر على مقاومة الشعب للعدوان، تجربة نيابية جيدة ينقصها الانتخاب..وفي تقديري فور إيقاف آلة الحرب ستعود اليمن أقوى بالانتخاب وتأسيس نظام ديموقراطي فريد، فكل مقومات هذا النظام الآن موجودة من وحدة شعبية وتمازج قبلي وحشد ثقافي..

أما إنسانيا فالوضع كارثي بسبب الحصار السعودي والقصف اليومي، فآثار المجاعة قد تتخطى حدود محافظة الحديدة، وضحايا الكوليرا اقتربوا من 500 ضحية، هذا بفعل نقص المواد اللازمة للإغاثة وعدم تدخل الأمم المتحدة كما ينبغي وقصور الجامعة العربية في التعاطي مع الملف اليمني، ولولا أن مصر ضعيفة الآن سياسيا لتغير الوضع وتم تسليط الضوء على أوجاع اليمنيين، لكن أشهد كمصري أن الشعب هنا متعاطف مع اليمن، صحيح لا وعي كامل بما يدور هناك في صنعاء بفضل الآلة الإعلامية المرتشية الموالية لدول الخليج، لكن توجد حركة ثقافية قوية تشرح الأوضاع للعامة، ولن أذكر أسماء فقد أكون من ضمن هؤلاء وغيري لا يقصر في مهامه.

إن اليمن على مفترق طرق..ليس لذاته فقط بل لغيره، فهو حالة استراتيجية قد تتغير فيها قوى وتتبدل، وحتما سيأتي عقاب الجاني إما بالحق الإلهي..”وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا” [الإسراء : 16] وفسق آل سعود جاوز المدى، أو بحق البشر الذين ظلمتهم هذه الأسرة وينتظرون لحظة الفرج.