التراجُعُ إلى الوراء مستحيل
بقلم / أحمد ناصر الشريف
بداية نؤكِّدُ لأولئك الذين ما تزالُ قلوبُهم تحمِلُ أمراضاً شَتَّى ويغردون خارجَ السرب بأن المسيرة الوطنية انطلقت ولن يستطيعَ أي طرف إيقافَ عجلة انطلاقتها مهما فعل وتآمر عليها وأن التراجع إلى الوراء مستحيل.. وإذا لم نَسِــرْ في هذا الطريق الصحيح لإخراج بلدنا اليمن من عُنق الزجاجة التي تم حشرُه فيها من قبل من لا يحبون الخير لليمن وشعبها فإننا سنظل نحن اليمنيين نندُبُ حظنا العاثر إلى ما لا نهاية في حالة استمرارنا على نهجنا العقيم وأُسْلُوْبنا العاجز وتفكيرنا الذي حصرناه فقط لخدمة مصالحنا الخَاصَّـة على حساب قضايا وطن وشعب بأكمله وهو ما جعلنا نسير بعكس التيار الذي أوصل من حولنا إلى أعلى مراتب التقدم والرقي برغم أننا في فترات مضت كنا الأفضل.. لكن لأنهم فكروا في بناء أَوْطَانهم وغلّبوا مصالحها العامة على مصالحهم الخَاصَّـة فقد استطاعوا أن ينهضوا بها ويتقدموا في مختلف المجالات السياسية والاقْتصَادية والثقافية والاجتماعية.. كما أن اهتمامهم ببناء الإنْسَان قد ساعدهم أَيْضاً على الارتقاء بشعوبهم وجعلها رقماً صعباً في معادلة التطور والتقدم العلمي والتقني الذي يشهده عالم اليوم.
بينما نحن في اليمن عملنا بعكسهم تَمَاماً، حيث اهتمينا ببناء الحجر على حساب البشر وتعامل حكامنا السابقون مع قضايا الوطن وكأنها قضايا خَاصَّـةٌ بهم سخروها لخدمتهم بدل ما يكونون خداما لها حيث كان لا همّ لهم إلا تقاسم الغنائم والوظائف والإدارات ونهب خيرات البلاد وإذلال الإنْسَان وتجهيله من خلال تعمدهم إضعافَ التعليم لتغييب وعيه الوطني بحيث يظل تابعاً ولا يرى إلا بعين الحاكم وإشغاله بالبحث عن لقمة العيش وتضييق عليه كُلّ سبل الحياة في هذا الزمن الصعب الذي أَصْبَح كُلُّ شيء فيه غيرَ ميسَّر؛ بسبب تكالب الناس على بعضهم وتحريض الأنظمة المتخلفة والحكام للشعوب لخوض معارك جانبية تخدم استمرارهم واطالة انظمتهم تحت اغطية شتى منها: الحزبية والمذهبية والاختلافات الفكرية والتعصب لها بلا وعي.. إضَافَة إلى الولاءات الضيقة للمسؤولين وللجهات السياسية التي ينتمي اليها كُلّ فريق ويعتقد أنه على حق وغيره على باطل.
ومن سُخرية الأقدار بنا نحن اليمنيين فإن مثل هذه الاشكالات والقضايا المعقدة هي أَكْثَر ما تتواجد في بلادنا فدفعنا الثمن غالياً؛ بسبب انشغالنا بها وتركيزنا عليها حتى كدنا نفقدُ هُويتنا وأصالتنا اليمنية المستمدة من الشهامة العربية وأَخْلَاق الإسْلَام التي عرفنا بها في فترات كثيرة من تأريخنا القديم حيث كان اليمنيون يشكلون نصف العرب بحكم تواجدهم في كُلّ البلدان العربية والإسْلَامية من مشرقها إلى مغربها.. ولا ننسى دور اليمنيين في نصرة الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام في الوقت الذي تخلّى فيه عنه أهله وقومه وأخرجوه من مكة المكرمة.. كما لا ننسى دورهم في الفتوحات وترسيخ جذور الدولة الإسْلَامية وكانت دَائماً كفتهم هي المرجحة في مختلف المواقف والأحداث بدليل أنهم طالبوا بعد وفاة النبي محمد عليه الصلاة والسلام أن تكون الخلافة فيهم أَوْ يكون خليفة منهم وخليفة من الجانب الآخر لما كانوا يشكلونه من ثقل.. وأثناء الفتوحات الإسْلَامية اتجه اليمنيون شرقاً فوصلوا إلى الصين واتجهوا غرباً فوصلوا إلى بلاد الغال وهي ما تُعرَفُ اليوم بفرنسا.. وكانوا على مدى التأريخ الإسْلَامي أصحاب الكلمة المرجحة لا يستغني عنهم لا خليفة ولا أمير.. وحتى في العهود التي تعرضت فيها اليمن للغزو والاحتلال كانت رؤوسُ اليمنيين مرفوعةً إلى عنان السماء حيث لم يكونوا يخضعون أَوْ يسكتون على الظلم وانما استمروا في مقاومته من خلال ثورات كانت تتفجر هنا وهناك وقد توجت بقيام ثورة 21 سبتمبر الشعبية التي جاءت مصححة لمبادئ وأَهْدَاف الثورة الأم (سبتمبر وأكتوبر) لتنطلق باليمن للحاق بالركب ومواكبة العصر الحديث والتي استطاعت فعلا أن تضع حجر الأَسَاس لبناء الدولة الوطنية الحديثة من خلال المشروع الذي حملته والمتمثل في تحرير اليمن وقرارها من الوصاية الخارجية مما جعل المتضررون من هذا التوجه الوطني أن يشنوا العدوان الثلاثيني على اليمن وشعبها؛ بهدف اجهاض هذه الثورة الشعبية العظيمة وإعَادَة اليمن إلى بيت الطاعة متحدين بذلك إرَادَة شعب بأكمله؛ لأنها زلزلت الأرض من تحت اقدامهم واقدام المتحكمين في القرار السياسي طيلة العقود الماضية فأحيت الأمل في نفوس اليمنيين لاستعادة دولتهم وبناء اليمن الجديد.. وأن كانت التركة الثقيلة وثقافة الفيد الموروثة تحتاج إلى وقت طويل حتى يتم القضاء عليها بحيث لا تظل حائلا دون تحقيق أَهْدَاف الثورة الشعبية كاملة ليتم بسط نفوذ الدولة وهيبتها على كُلّ الأرض اليمنية وهزيمة العدوان بإذن الله.