هل منع الحوثيون فعلا دخول الماء الى تعز؟ّ 1- مقاربة تحليلية
ذمار نيوز -يمنات
صلاح علي صلاح
بغض النظر عن اختلافنا او اتفاقنا معهم حتى وان كانت نقاط اختلافنا معهم قد تكون اكثر من نقاط اتفاقنا وخصوصا فيما يتعلق (بجبهات القتال الداخلية) الا انني لا اعتقد ان الحوثيين قاموا او يقومون فعلا بمنع وصول الماء الى المواطنين المدنيين في محافظة تعز وذلك لأسباب ومعطيات عديدة سأحاول التطرق اليها هنا ..
هناك حملة كبيرة يشنها عدد من الناشطين ووسائل الاعلام المعروفة بخصومتها الواضحة لحركة أنصار الله (الحوثيين) منذ ايام عن موضوع محاصرة محافظة تعز ويتهمونهم فيها بأنهم منعوا دخول المياه الى المدينة للمدنيين …الخ.
يعرف الجميع ان هناك فعليا أزمة مياه “مزمنة” في تعز منذ سنوات ومن البديهي ان تزيد وطأة هذه الأزمة وتأثيرها خصوصا مع ضروف وأحكام القتال الدائر فيها .. ولكن هذه الحملة وفي هذا التوقيت بالذات وما فيه من أحداث ومتغيرات تقول ان المقصود منها ليس فقط الحرب الاعلامية (كما حدث سابقا في أحداث ومواقف كثيرة) ولكنها قد تخفي فعليا أهداف اكثر وأخطر من ذلك وسأحاول هنا تسليط الضوء على اهم نقاط هذا الموضوع وملابساته والنتائج التي تراد منه خلال هذه السطور وسأورد ما اريد طرحه على شكل نقاط تجنبا للإطالة وهي كالتالي :
1- عند الخوض في اي عملية تحليل من هذا النوع لا بد من البحث بشكل محايد في معرفة المستفيد من اي افعال من هذا النوع فمن المعروف ان لكل فعل هدف يراد تحقيقه منه وبالتأكيد ان هناك بالضرورة مستفيد يسعى لتحقيق مصلحة مرحلية او استراتيجية منه ولو فكرنا قليلا لوجدنا ان الحوثيين لا يمكن ابدا ان يكونوا مستفيدين من هذا الفعل (أي منع وصول المياه لتعز) وان الطرف الاخر (السعودية وحلفائها) قد يكون فعليا هو المستفيد الاكبر من هذا وذلك لزيادة تأجيج مشاعر المعارضة والرفض ضد خصومهم وليس العكس.
2- من خلال التجربة السابقة يمكن للمتابع “حتى البسيط” معرفة ان الحوثيين ليسوا بهذا المستوى من الغباء حتى يقدموا على مثل هذه الخطوة خصوصا في هذا التوقيت وهذا الضرف بالذات وهم محتاجين لأكبر قدر من التماسك والتأييد الداخلي والخارجي لهم خصوصا في هذه الفترة وخطوة كهذه بالتاكيد لن تحقق لهم هذا الهدف.
3- خاض الحوثيين الكثير من المعارك في عدد واسع من المناطق والمحافظات اليمنية ويعرف اعدائهم قبل اصدقائهم انهم يستخدمون اسلوب التعامل الجيد وتقديم الخدمات كعنصر اساسي في استراتيجيتهم القتالية وذلك لاستقطاب الخصوم او القوى الاجتماعية والعسكرية والمدنيين في مختلف المناطق (او حتى لتحييدهم من مواجهتهم مستقبلا على الأقل) وقد بدء هذا العامل في الضهور منذ بداية العمل المسلح للحركة منذ فترة الحروب الست وبرز بشكل واضح من خلال اسلوب تعاملهم مع الاسرى العسكريين الذي تم احتجازهم في صعدة خلال الحروب السابقة وكذلك حرصهم على حل المشاكل والنزاعات القبلية وتقديم الخدمات الاجتماعية في المناطق التي تخضع لسيطرتهم وليس من الان .. وهذا الفعل ينافي هذه الاستراتيجية التي يعرفها الكثير عنهم.
4- لم يعرف عن الحوثيين استخدام اسلوب الحصار في معاركهم السابقة وقد كان هناك حملة مشابهة لهذه خلال معارك دماج اتهم الحوثيين فيها بفرض حصار خانق على سلفيي دماج وثبت عدم صحتها بشهادة الجهات والمنظمات المحلية والدولية التي عملت على جهود الاغاثة هناك والذي اكدت على تعاونهم -اي الحوثيين- معها اضافة الى تأكيدات عدد من الناشطين والاصدقاء الذين شاركوا او انخرطوا في هذه الجهود خلال تلك الفترة ..
على العكس تماما استخدم التحالف اسلوب الحصار منذ بداية انطلاق عملياته العسكرية في اليمن كعنصر رئيسي في استراتيجيتهم الحربية وذلك من خلال عملية السيطرة الجوية والبحرية التي فرضت على اليمن بالاضافة الى استهداف المطارات والموانئ المدنية والطرق والجسور الرئيسية الرابطة بين المحافظات بالاضافة الى مصانع وناقلات الاغذية (مصنع الألبان انموذجا) وغيرها من الأهداف الغير عسكرية التي تزيد من معاناة المدنيين واعتقد ان الجميع يدرك ذلك او سيدركه لو تمت مراجعة الاحداث بشكل منهجي وهادئ غير متحيز.
5- اتت هذه الحملة بالتزامن مع زيادة وتيرة الضغوطات الدولية والمحلية والاقليمية الموجهة نحو السعودية ودول التحالف والتقارير الانسانية ومطالبتها بشكل واضح برفع حالة الحصار الذي يفرضه التحالف على اليمن منذ أشهر وهذا يؤكد ويشير بشكل واضح ايضا الى استراتيجية الحصار الذي يستخدمه التحالف كعنصر رئيسي في حربه والذي اشرت اليه في النقطة السابقة.
6- يعرف الجميع ان الحوثيين يعتمدون على ابناء القبائل اليمنية من مناطق مختلفة وكذلك على عدد من القوات والوحدات العسكرية التي ينخرط في إطارها العديد من ابناء البلد من مختلف المناطق والمحافظات اليمنية ومنهم مقاتلين ومناصرين من نفس ابناء المحافظة وتوجيههم بتنفيذ مثل هذا الفعل -منع المياه- سيجعلهم في مواجهة مباشرة مع القيادات او المشرفين الذين وجهوهم بذلك وسيرفضون هذه التوجيهات (او سيفضحونها على الاقل ان لم يستطيعوا الرفض) …
بعض الاخبار غير الرسمية التي يتم تداولها بين الناس وسمعتها بنفسي ان الحوثيين (يبولون) داخل عربات نقل المياه “الوايتات” التي يسمحون بدخولها الى المدينة .. لا يمكن ان يصدق عاقل هذا في اعتقادي ولا اعتقد ايضا ان انسان سيقوم بمثل هذا الفعل مهما بلغت درجة الكره او العداء ؟!!.
…. يتبع
هل منع الحوثيين فعلا دخول الماء الى تعز؟ 2- مقاربة تحليلية
استكمل اليوم ما بدأت كتابته بالامس حول اعتقادي بعدم صدق المعلومات الواردة حول منع حركة أنصار الله (الحوثيين) لدخول المياه الى محافظة تعز وكنت قد أوردت في (الجزء الأول) من هذه المقاربة التحليلية عدد من الاسباب اختزالتها في ست نقاط اتوقع انها تدعم هذا الاستنتاج الذي وصلت اليه واستكملها هنا بنقاط جديدة وهي كالتالي:
7- تعز تتميز عن المحافظات الاخرى بعدد من النقاط الهامة وخصوصا من حيث الكثافة السكانية وكون ابنائها منتشرين في كل المحافظات والمناطق اليمنية تقريبا وايضا يمثلون غالبية اعضاء الجاليات في الخارج (سواء عاملين او طلاب او دبلوماسيين) وهم من اكثر اليمنيين حضورا في وسائل الاعلام المحلية والاجنبية ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وكذلك هم الأقدر على التواصل مع المنظمات والمؤسسات الدولية والانسانية المختلفة والاكثر قربا مع الوسط الثقافي والاكاديمي والاعلامي محليا واقليميا ودوليا …الخ ، الامر الذي يؤهلها أكثر من اي محافظة أخرى لتحقيق اكبر قدر ممكن من الادانة والاستنكار محليا وخارجيا وخصوصا في قضية انسانية كهذه وليس الحوثيين اغبياء (كما اشرت سابقا) للقيام بهذا الفعل في محافظة كتعز.
8- هناك حالة من الغضب والسخط المجتمعي في محافظة تعز بسبب شعورهم بعدم جدية التحالف في دعم معركة تعز ونية التحالف جعلها فقط ساحة للاستنزاف وانه ليس هناك نية للحسم كغيرها من المحافظات وقد صرح بهذا عدد واسع من ناشطي المقاومة وهذا تسبب في تراجع عدد واسع من مؤيدي التحالف وعملياته العسكرية .. ولن يكون هناك افضل في اعتقادي من موضوع (المياه) لاعادة تحشيد الناس في تعز وغيرها ضد الحوثيين واعتقد ان هذا ما حصل.
9- حاول التحالف اكثر من مرة ان يحشد الناس ضد الحوثيين في مناطق الشمال القبلية (صنعاء عمران ذمار …الخ) من خلال التواصل المباشر مع عدد من الشخصيات الاجتماعية والوجاهات القبلية وشراء الولاءات او من خلال الاعلام وقد سمعنا الكثير من الاخبار عن “مقاومة آزال” ولكن محاولاته جميعا بائت بالفشل وهذا الفشل أدى الى قناعة التحالف بأن هذه المناطق لا يمكن تثويرها الا من خلال فرض الحصار عليها وجعل الناس يثورون ضد الحوثيين تحت وطأة الحاجة الاقتصادية وتأتي هذه الخطوة ايضا بعد سقوط ورقة القدرة على الحسم العسكري من اتجاه مارب التي صرحت قيادات التحالف ان عملية سقوط صنعاء ستتم (خلال ثلاثة ايام فقط) بعد وصول قواته الى مارب وبالرغم من ضخامة الامكانيات والمعدات الا ان هذه الخطوة سقطت ايضا فلم يتبقى الا استراتيجية الحصار وموضوع تعز سيكون الموضوع الأفضل لتبرير الحصار مهما كان جائرا واعتقد ان محاولات التقدم الجارية من قبل قوات التحالف باتجاه المناطق الساحلية (باب المندب المخاء الحديدة ..الخ) قد تكون مؤيدة لاعتقادي الذي اشرت اليه سلفا عن نية التحالف فرض الحصار على صنعاء وخنقها وموضوع مياه تعز سيكون له دوره البارز في تخفيف حدة الادانات الذي ستواجه التحالف اذا ما اقدم على مثل هذه الخطوة ..
هناك العديد من النقاط التي تجعلني لا اعتقد ان موضوع منع الحوثيين لدخول المياه الى محافظة تعز وأبنائها صحيحا ولكني سأكتفي بما طرحته حول هذا الموضوع من نقاط .. ولكن في النهاية تبقى قظية المعاناة الانسانية في تعز موضوع ملح يلزم منا جميعا ان نتكاتف ونتحمل مسئولياتنا الوطنية والاخلاقية والانسانية لمواجهتها ايا كانت الاسباب المؤدية لها وايا كانت الاطراف التي تقف وراءه كما انني اؤكد ان التوظيف والاستغلال السياسي لمعاناة الناس ليس ابدا اقل بشاعه من مسببات ودوافع نشوئها.