الخبر وما وراء الخبر

قراءة .. في خارطة التحرك

171

بقلم / علي جاحز

أحيانا يأخذنا الوقت بسرعة إلى زمن آخر وظروف أخرى، فننسى أهدافنا ونبتعد عن منطلقاتنا، بل قد يصل الأمر إلى أن نضيع خارطة تحركنا وبالتالي نفقد وجهتنا، فنتوه ونخسر أنفسنا التي ليست إلا ما فقدناه في رحلة التيه .

هذا للأسف ما لا نود أن نسقطه على رحلتنا في دروب التغيير والثورة، ولا نتمنى ان نكتشف انطباقه على وضعنا في قادم الأيام بعد أن نكون قد فقدنا مشروعنا وأضعنا وجهتنا وخسرنا كل ما جمعناه من منجزات ودفعنا ثمنه من الدمع والدم ما لو جمع لسال نهرا .

حري بنا ونحن في منتصف الطريق أن نتوقف لنقرأ خارطة تحركنا منذ الانطلاق مادامت الخارطة بيدنا، وسنعرف أين كنا وماذا كنا نحمل وأين أصبحنا وماذا صرنا نحمل الآن، حينها سيمكننا تقييم رحلتنا وتقويم مسارها وتلافي الانزلاق في منعرج الضياع .

قد يعتقد البعض أن من الذكاء أن نتنازل أمام العقبات والمعوقات لنعبر، ربما يكون ذلك مفيدا، لكن ما هو الذي علينا أن نتنازل به وما أهميته وما قيمته وأين موقعه بين أشيائنا وفي ترتيب أولوياتنا .

أن التنازل للظروف والعوائق عن ابجديات المشروع أو عن منطلقاته وثوابته كمن يتنازل عن خارطته مقابل أن يمضي، وكمن يتنازل عن الطريق مقابل أن يتجاوز الحواجز، خيارات تبدو في نظر من لا قضية لديه سهلة، بينما هي خيارات صعبة وتحتاج الوقاية من الوقوف أمامها دون تحوط ودراسة مسبقة .

المرحلة التي نعيشها قد تكون أسهل من المرحلة القادمة، فالعدو الذي نواجهه لديه ثوابت ومنطلقات لا يمكن أن يتخلى عنها وكلها ترى فينا وفي مشروعنا الثوري التغييري القرآني عدوا وينطلق من كون القضاء علينا هدفا أساسيا وضرورة لا مناص منها ما لم نتنازل عن ثوابتنا ومنطلقاتنا التي بدورها تنطلق من كونه عدوا يقف بوجه المشروع ومن أهداف المشروع التحرر من سيطرة هذا الشر وهذا الخطر وتحرير البشرية أيضا منه .

وهذه متوالية لا فرار منها ضمن مسلسل الصراع بين الخير والشر والحق والباطل والتحرر والتسلط، وما دمنا حملنا مشروعا امميا فلزاما علينا أن نكون متوقعين لتحمل تبعات ومآلات حملنا له ونكون جاهزين لمواجهة ما يمكن أن يقف بطريقنا، بل يتوجب علينا أن نستقرئ كل ما قد يواجهنا في اسوأ إشكاله، وهو ما سيجعلنا نعد العدة ونمتلك الخيارات.

هناك الكثير من التيارات حملت مشاريع عملاقة للبشرية، منها من نجح ومنها من فشل وأخفق، وليست حركة الإخوان المسلمين ببعيد، فقد حملت مشروعا امميا وتغنت به وشغلت الدنيا بضجيج شعاراتها، وفي آخر المطاف تحولت إلى سيف صدئ بيد مشروع أمريكي صهيوني في المنطقة مزقت به تماسكها وأنهكت قواها، وفي الأخير سلمت اخر ورقة بيدها هي القضية الفلسطينية التي باعتها حركة حماس الاخوانية بلا ثمن قبل أيام باعترافها باسرائيل وإقرارها بالاستسلام للمحتل على غرار فتح.

لا نريد أن نكون انموذجا مكرورا من تلك النماذج التي لفظها التاريخ، فمنطلقاتنا القرآنية كافية لننجح في دحر كل زيف وباطل على هذه الأرض، ولا ينبغي أن نظل نجاري الآخرين في اعتبار كون منطلقاتنا قرآنية أمراً معيباً أو مثار خجل، بل بالعكس القرآن هو دستور عالمي منزل من عند مالك الملك الكوني، ومن المفترض أن يكون من اولوياتنا في مسيرتنا أن نكرس هذه القناعة لتصبح محل تسليم كل من يؤمن بالقرآن أولا، ثم ننطلق من هذه القناعة إلى حيث ينبغي أن يكون مستقر التحرك .

صار واقعاً لا مفر منه إننا صرنا نواجه العالم، اعني الأنظمة المستبدة والظالمة والمستكبرة التي أنهكت البشرية بشرورها، وهذه هي معركة حتمية طرفاها أنصار الله وأنصار الشيطان، وكم هو ضعيف كيد الشيطان إذاً تمسك أنصار الله بما رسمه لهم دستورهم الذي انزله الله مفصلا ومحكما، ولعل هذه الحقيقة كافية لنكون ثابتين ونثق في النصر .