عسيري بين عُسرَين: أكاذيبُه تصطدم بأكاذيبه المضادّة
في مقابلته الأخيرةِ على قناة العربية، ظهر “أحمد عسيري” ناطقُ العدوان متناقضاً كالعادة، ولكن هذه المرة مهزوزاً بدرجة كبيرة، ومعبِّراً بأمانة عن حالة الهزيمة النفسية التي تعيشُها قوى العدوان حالياً، واصطدمت أكاذيبُه بأكاذيب مضادّة صدرت عنه في الشهور الماضية، غير أنها هذه المرة امتدت لتطالَ مَن يفترض أنهم (حُلفاء) كما حدث مع مصر التي قال إنها عرضت على النظام السعودي إرسالَ قوات بريّة إلى اليمن قبل أن يعود ويتراجع؛ بفعل الضغط المصري، فكيف يواصل العسيري مهمتَه والجميع من حلفاء وأعداء يكذبّونه بل ويكذّب نفسه؟
تحدث عسيري عن تدخل إيران كالعادة، ولكنه هذه المرة قال إن الأسلحة التي يهاجم بها اليمنيون المملكة، روسية وكورية شمالية، وبغض النظر عن لفتة المغازلة لأمريكا في موضوع كوريا الشمالية، إلا أن ذلك كان تحولاً مرتبكاً في طريقة اختراع الأعذار التي اعتمد عليها عسيري من قبل في إثبات إيرانية السلاح اليمني، ما يدل على عدم جدوى الشماعة الإيرانية التي عكفت دولُ العدوان تحاول إقناع الجميع بتعليق كُلّ شيء عليها طيلة أكثرَ من عامين من الحرب، وبعبارة أُخْـرَى: يبدو أن بعضَ سلع “التدخل الإيراني” صارت بائرةً بالنسبة لتحالف العدوان، وخاصة في اليمن.
وبينما يعرف الجميعُ أن السعودية اعتبرت مناطقَ يمنيةً كثيرة مأهولة بالسكان، كمناطق عسكرية، بدءاً بمحافظة صعدة كاملة، ومروراً بمدينة الحديدة، والمخاء وبعض مناطق الجوف وتعز؛ لغرض احتلالها صراحة، إلا أن نبراتِ الفشل والتهرب من الجريمة وحدها كانت تسيطر على كلام عسيري وهو يتحدث عن عدم وجود نيّة سعودية لاحتلال اليمن حفاظاً على سلامة الأرواح؛ لأن ذلك “سيكون له ثمن” حسب تعبيره.
في الحقيقة أن ذلك “الثمن” هو ما جعل عسيري يتهرب من الاعترافِ به، ولعله لم يعرف كيف يوفق بين ذلك التهرب وبين مظهر التصلّب الذي هو مطالب بإظهاره، ليقول إن لدى السعودية في الحدود 100 ألف جندي قادرين على احتلال اليمن في أيام، وبغض النظر عن التناقض إلا أنه لم يحدد ما إذا كان يقصد الجيش السعودي الذي وصفه حلفاؤه الأمريكيون أولاً بأنه “نمرٌ من ورق” وَ”مخيّب للأمل”، أم أنه جيش أجنبي يجعل موقفه أكثر سوءاً، أم أنه يتحدث عن مرتزقة الجنوب الذي يذهبون إلى الحدود طمَعاً في استلام راتب يعودون به إلى بيوتهم؟!
إن المأزق العسكري الذي حُشرت فيه السعودية منذ بداية عدوانها على اليمن، صار اليوم أكثر ضيقاً عليها من أي وقت مضى، وعلى مدى عامين استخدمت السعودية كُلّ ما تستطيعه في سبيل الخروج منه أو توسيعه قليلاً، اشترت المرتزقة واستوردت الجيوشَ على مرأى ومسمع من الجميع، ولأن ذلك لم يغيّر شيئاً على الميدان، فمن الطبيعي أن يخرّف العسيري؛ لأنه لم يعد يمتلك شيئاً آخرَ، ولذلك قال إن مصر قد عرضت على السعودية إرسال 40 ألف جندي مصري إلى السعودية للمشاركة في الحرب على اليمن، ولكن السعودية رفضت؛ لأنها لا تريد قوىً أجنبية في اليمن.
وبرغم تلك المحاولة البائسة للحديث بكبرياء، لم يستطع العسيري أن يفرَّ من ضرورة التراجع عن ذلك التصريح، بعد ردود فعل مصرية غاضبة، حيث نشرت قناةُ العربية السعودية يوم الثلاثاء تصريحاً مناقضاً يفيدُ بأن عسيري لم يكن يقصُدُ مشاركةَ مصر في اليمن، وإنما في ما يسمّى “القوة العربية المشتركة”، وهكذا وجد ناطقُ العدوان نفسَه مضطراً لتغطية ما ظن أنه تلميعٌ للسعودية.
خمسون دقيقة قضاها العسيري على قناة العربية، يدورُ في أفلاك وهمية متباعدة ولا علاقة لها ببعضها، ويستعينُ بتفاصيل خيالية يجعلُ منها أولوياتٍ وهو يتهرَّبُ من الاعترافِ بفشل كُلّ ما تم التخطيطُ له، ليقدِّمَ فكرةً واضحةً عن حالة قوى العدوان التي يتحدث باسمها، ملخص تلك الحالة هو التخبط والوصول إلى ألف طريق مسدود.
صدى المسيرة – ضرار الطيب