الخبر وما وراء الخبر

المحاور الرئيسية لبناء اليمن قراءات في خطاب السيد القائد

228

بقلم / عبدالغني جغمان

في مناسبة الاحتفال بصمود الشعب اليمني أمام أعتى عدوان وهمجية عرفها القرن الحالي والتي سببت دمار لكل مقدرات الدولة في ظل حصار متواصل منذ عامين.. أطل السيد القائد في خطاب قوي ذكر فيه محددات معينة لازمة للخروج من المعاناة الى افق البناء والتنمية ودولة القانون وبقوة. وتطرح المناسبة ذاتها كفرصة، إن جاز القول، للاستفادة من تجربة عالمية وشخصية محورية حيث كتبت صحيفة الإيكونوميست عن صانع المعجزة السنغافورية “لي كوان يو” الذي قاد مسيرة من الإنجازات التي وضعت سنغافورة بجدارة على خارطة العالم. فأصبحت سنغافورة بفضل “لي كوان يو” نموذجًا مثاليًّا للتنمية يحتذى به في المثابرة والعزم والتنمية والسير قدمًا نحو التقدم والازدهار.
وسنوضح هنا تماثل رؤية السيد القائد “عبدالملك بدر الدين الحوثي” في خطابه الأخير (مارس ٢٠١٧م) والراحل “لي كوان يو” باني نهضة سنغافورة والتي لا تزال تصلح اليوم كدروس مستفادة من التجربة السنغافورية، والتي يمكن لبلدنا اليمن، بدرجة أو أخرى وفي مجال أو آخر، الانتفاع بها والتعلّم منها لتعظيم الفوائد وتحجيم الأضرار في مسيرة التحوّل الاقتصادي والاجتماعي التي نمر بها في وقتنا الراهن.

الاقتصاد كلمة السر
أوّل المحددات، والذي سنوليه التركيز الأكبر ونفرد له المساحة الأطول هنا نظرًا إلى أهميته وتعدد دلالاته، هو أن الاقتصاد يُعتبر كلمة السر والبداية والمدخل ونقطة الانطلاق لتمكين المجتمع من التحرك قدمًا للإنجاز في مختلف مناحي الحياة. وهذا يعني أن قوة الاقتصاد تشكّل القاطرة التي تدفع مناحي الحياة كافة في المجتمع إلى الأمام. ان فكرة الاهتمام والتركيز كأولوية على هدف تحقيق العدالة الاجتماعية دون النظر بشكل كاف إلى أولوية النهوض باقتصادياتها وتنويعها وتقوية قاعدتها الإنتاجية وهياكلها التصديرية، كشرط ضروري مسبق للسلام والسلم المجتمعي اثبتت فشلها على ارض الواقع (على سبيل المثال دول الخليج رفاهية بلا اقتصاد) كحقيقة منطقية أثبتت صحتها على المدى الطويل. وهنا أشار السيد القائد في معرض حديثة بالتركيز الجاد على الاقتصاد والبحث عن مبادرات اقتصادية وبلا تأخر لأنه إذا لم تحضر التنمية فمن الصعوبة أو المستحيل النظر لحقوق الإنسان ولو بشكل جزئي.
وهنا نجد ان لي كوان يو كان يركز على التعجيل ببناء قدرات اقتصادية متعاظمة، ويعمل على حسن توظيف موقعها كجزيرة صغيرة الحجم تحتل موقعًا جغرافيًا وجيوسياسيًا لم يكن على الإطلاق في ذلك الوقت بالبعيد من أماكن حافلة بالصراعات والحروب التي كانت في معظمها تجليات للصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي خلال مجريات الحرب الباردة. ووسط ذلك كله، عمل لي كوان يو بقوة على أن تكون لسنغافورة ميزة تنافسية في العديد من المجالات الحائزة على مكانة متصاعدة في الاقتصاد الدولي آنذاك، فأصبحت سنغافورة لها تخصص في التقسيم الدولي للعمل في مجالات عالية، بل وكثيفة، من حيث مكوّن التكنولوجيا الأكثر تقدمًا، في الوقت الذي أصبحت بلاده أهم مركز في العالم، ولسنوات طويلة، للتجارة العالمية في ذلك الجزء من العالم، بخاصة فيما يخص «تجارة الترانزيت»، وكذلك مركزًا عالميًا للنقل البحري والجوي على الصعيد الدولي، وحاضنة لمكوّن مهم من القطاع المصرفي الدولي بتفريعاته المختلفة.
وكان لي كوان يو مدركًا بالدرجة ذاتها حدود قدرات بلاده على الصعيد الاقتصادي، فلم يدخل في مجالات كان يعلم سلفًا أنه لن يكون لسنغافورة فيها أي ميزة نسبية. وعندما تحسّنت الأوضاع الاقتصادية (التنمية)، توافرت الموارد اللازمة للارتقاء بنوعية الحياة للشعب السنغافوري ورعايته من الجانب الاجتماعي وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية له على مستوى يليق بآدمية كل مواطن (حقوق الانسان)، خاصة الموارد التي توافرت لدعم أنشطة التعليم، بكل درجاته، والتدريب، وأنشطة البحث والتطوير، مرة أخرى في مجالات كان بالفعل قد تحقق لسنغافورة السبق فيها.
مفهوم بريكس وطريق الحرير الجديد:
وهنا نشير الى مبادرة فعلية وعلى ارض الواقع بدلا عن الكلام الصحفي والتقارير الوهمية .. نشير إلى بريكس وطريق الحرير التي تقدم الحل الأمثل في الوضع اليمني.. وهي عبارة عن فلسفة تعني زيادة الاقتصاديات والإعمار التي لا تعرف للإنسان حدا ولا للنمو سقفا بتوظيف الطاقة والتكنولوجيا، بريكس مفهوم السلام الحقيقي القائم على مفهوم التنمية وهو المفهوم الحديث الذي غلب مفهوم التنمية المستدامة بالطاقة البدائية التي تديم الفقر…! فبين وحشية العالم التي يمثلها نظام العدوان الوحشي، وبين عبقرية بشرية تقدمها خمس دول؛ روسيا والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند، ظهر اسم بريكس..وهي تشكل اليوم مفهوم العلاقات الدولية الجديدة الذي يقوم أولا علی الاقتصاد..
وقد التحقت بها للآن مائة دولة في بنكها الائتماني، وسبعون دولة في أهم مشاريعها المعروف بطريق الحرير الجديد، ويتبعه 26 طريقا آخر تشكل ما يسمی الجسر البري العالمي، وعدد يقارب 15 دولة في منظمة شانجهاي للتعاون، تضم 4 دول نووية، وهي المنظمة التي تقدمت لعضويتها مؤخرا إيران ومصر وسوريا، ويمكن لليمن بحضور قوتها وجيشها ولجانها أن تشكل رافدا لهذه المنظمة علی طريق تأمين طريق الحرير الجديد للعالم لتقديم اليمن لؤلؤة في عقد طريق الحرير الجديد…
فإذا حضر إعلان يمني بتأمين طريق الحرير الجديد الذي يمر من الصين عبر العالم مع التعهد بحماية وضمان أمن مرور التجارة العالمية عبر مضيق باب المندب باعتباره طريق الحرير البحري، مع الترتيب لإطلاق سكة حديد في اليمن تربط الشمال والجنوب بما من شأنه أن يكون الصمام الحقيقي للوحدة اليمنية، والانضمام إلی طريق الحرير البري الذي سيمر من الصين عبر آسيا الوسطى الى إيران ومنها عبر مضيق هرمز وجنوب الجزيرة إلى اليمن ومنها إلى جيبوتي وأفريقيا بحيث تصبح اليمن مركزا بل لؤلؤة بين قارتين بدلا من زاوية معزولة…
وحيث تعطي المساحات البرية فرصة العيش الكريم في المحافظات الحبيسة بالمقاربة مع المحافظات القريبة من مرور خط الحرير بحريا..
فإنه يمكن أن يكون مدخل تقديم اليمن لبريكس كسوق لشركات البنية التحتية الصينية وكذا الروسية لخط الحرير الجديد مقابل مؤخر في الطاقة والمعادن التي يتم اكتشافها معهم، وفي المقدمة يكون تسويق التعاون في سكة الحديد الداخلية لليمن وجسر ما سمي مدينة النور، طموحا واستحقاقات، وذلك يتطلب الاتفاق علی الترتيب المالي عبر بنك إعادة الإعمار، كما جاء تفصيله في تقرير ” من طريق الحرير الجديد إلی الجسر البري العالمي ” www.alfouadsolutions.com

التعليم والتدريب وبناء الانسان
وتنقلنا النقطة الأخيرة في الفقرة السابقة، أي التعليم والتدريب، إلى الدرس الثاني المستفاد من التجربة السنغافورية، وهو التركيز على تطوير الموارد البشرية كأولوية قصوى، مرة أخرى في بلد شديد الفقر من جهة الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة وغير ذلك من المتطلبات الأساسية والضرورية للنمو الاقتصادي، فيجب أن يكون الرهان على المواطن، وعلى الاستثمار بكثافة وقوة واستمرارية في رأس المال البشري، بحيث يكون هذا المواطن عماد النمو الاقتصادي من جهتين، فهو القوة المحركة للنمو والدافعة له من جهة، وهو المستفيد من هذا النمو من جهة أخرى، وفي الوقت نفسه تسليح هذا المواطن معنويًا وفكريا وبما يخدم القطاعات التي تحظى بالأولوية في استراتيجية النمو الاقتصادي. عندها ستنتقل تدريجيًا إلى مجالات جديدة ومتنوعة ولن تقتصر على أحد مجالات العلوم من دون الأخرى، وستغطي مناحي العلوم كافة، من طبيعية إلى تطبيقية إلى جامدة إلى علوم اجتماعية وإنسانية.
إنفاذ القانون بشكل حاسم وفعّال
أشار السيد القائد في خطابة بضرورة تفعيل مؤسسات الدولة ومراجعة أدائها والقيام بمسؤولياتها وإصلاح وتفعيل الأجهزة الرقابية للقيام بمسؤوليتها لمحاربة الفساد والحد منه كما نوه وبشده الى ضرورة تفعيل القضاء مع إصلاحه واليقظة من حالة السبات.
وفي التجربة السنغافورية نجد انه تم انفاذ القانون بعد صياغة مجموعة متكاملة من القوانين المطلوبة في كل المجالات، والحرص على مراجعة وتحديث التشريعات بشكل مستمر يتلاءم مع احتياجات المجتمع ودرجة تطوره ومتطلبات التعامل مع العالم الخارجي. وأكدت الحالة السنغافورية أنه ليس المهم فقط الاكتفاء بوجود القوانين في حد ذاتها أو صياغتها، بل تأكيد هيبة الدولة والمجتمع من خلال التطبيق الصارم للقوانين، والمساواة التامة فيما بين المواطنين أمام تلك القوانين وفي حالات تطبيقها. وقد انعكس هذا الأمر أيضًا على الصعيد الخارجي وأكسب سنغافورة صدقية كبيرة على الساحة الدولية، وكان له دوره غير المباشر، ولكن المهم، بجانب عوامل أخرى بالطبع، سياسية واقتصادية وغير ذلك، في جذب الاستثمارات الأجنبية بغزارة إلى ذلك البلد منذ وقت مبكر للغاية، وفي قطاعات حيوية ومهمة، نتيجة الاطمئنان إلى وجود آليات فعالة ومنجزة لإنفاذ القانون بدون تراخ أو مماطلة.
مكافحة الفساد ومحاصرته
ويرتبط بسيادة القانون الدرس الرابع المستفاد من التجربة السنغافورية، وهو النجاح الكبير في مكافحة الفساد ومحاصرته وتقليصه إلى واحد من أقل المعدلات في ذاكرة المجتمعات الإنسانية في التاريخ الحديث والمعاصر، وهو نجاح اعتمد بشكل أساسي على الشفافية وخضوع الجميع للمحاسبة وإنفاذ القانون بدون أي تمييز، بحيث أصبحت سنغافورة نموذجًا على الصعيد العالمي في هذا المجال، وصارت منظمات دولية وإقليمية لها وزنها وقامتها على الصعيد الدولي تجعل تدريب الكوادر الحكومية من دول متلقية للمساعدات الدولية في مجال محاربة الفساد يتم في سنغافورة أو على يد خبراء من ذلك البلد في ضوء تميّز التجربة ودرجة تفوقها وانفرادها، بل وصارت دول عديدة في العالم، وليس فقط من الدول الأقل نموًا أو الأكثر فقرًا، بل دول لها مكانتها الدولية، لا تخجل من أن تطلب من سنغافورة الدعم في هذا المجال، سواء على المستوى التقني أو التدريبي أو غير ذلك.
الخاتمة
تبقى الدروس التي يمكن استخلاصها من أي تجربة والعمل على استيعابها والاستفادة منها هي العناصر الأكثر أهمية عند الحديث عن تجارب سبقت، أحيانًا بهدف معرفة أسباب النجاح والعمل على توفيرها، وأحيانًا أخرى بهدف تجنب الأخطاء، وذلك مع ضرورة الإدراك دائمًا بأن لكل تجربة خصوصية في ظروف نشأتها والعوامل المحيطة بتطوراتها والدوافع التي أثرت على مسارها ومسيرتها.
ولكنه ليس من المقبول أن ننتظر المساعدات من الامم المتحدة ومنظماتها الغير محايدة، و التي فشلت على كل الأصعدة فهنالك أكثر من مليارين بائس من مختلف أنحاء العالم فريسة للفقر، فذلك ليس إلا نتيجة لحرمانهم من حقهم الأساسي في التنمية..
وأما وجود الفقر وتأخر الحرك الاقتصادي والتنموي فهو أكبر عائقا لحقوق الإنسان، وإذا لم تحضر التنمية فمن الصعوبة أو المستحيل النظر لحقوق الإنسان..
يجب أن نناضل للحرية من خلال الاقتصاد ونسعى للاستقلال الاقتصادي وليس الاقتصاد هو العملة بدون إنتاج بل هو الائتمان بضمان الإنتاج، الأمر الذي – الحرمان من الإقتصاد – يهدد أي جهود سلام، ويجب أن تقوم جهود السلام علی أساس أن العلاقات السياسية والاجتماعية تقوم علی العلاقات الاقتصادية..وإنه فقط من خلال التنمية يمكن حماية حقوق الإنسان، ومن خلال حماية حق التنمية يمكن أن نجد حماية شاملة لحقوق الإنسان اليمني على ارضة وفي وطنة بلا إملاءات ولا ارتهان لأي قوى خارجية ….