متاهاتُ “المرتزِقة” في نهم!
بقلم / أحمد داوود
المَــرَّةُ الأولى الّتي تحدَّثَ فيها “مرتزِقةُ” العدوانِ عن الاقتراب من العاصمة صنعاء كانت أواخرَ ديسمبر 2015 وفي ذلك التأريخ قالوا إنهم على بُعد 20 كم من العاصمة.
الآن يتحدَّثون من جديد، وبنفس اللُّغة، عن أماني السيطرة على صنعاء والاقتراب من مطارها وأنه يفصلهم عنها مسافة 30 كيلو متراً، كما يقول متحدِّثُهم عبده مجلي.
هل الأمرُ، له علاقةٌ باستراتيجية “الحربِ النفسية” وكسْبِ المزيد من الولاء وانضمام صفوف القبائل إليهم، أم ماذا؟
ما يجب التأكيدُ عليه في هذه الجزئية أن مرتزِقةَ العدوان منذُ ذلك التأريخ باتوا في مستنقعٍ كبير اسمه “نهم” لم يتمكنوا من الفِكاك منه حتى اللحظة، وكلما حاولوا التقدمَ ازدادوا غَرَقاً في الوحل، وكأن جبالَ نهم وتضاريسَها الوعرة ومنحدراتها الزلقة تريدُ تأديبَهم إن فكّروا في البقاء فيها.
الخبراءُ الماهرون في إدارة الحروب هم الذين يختارون مكانَ وزمانَ المعركة ويتحكّمون في أَدَقِّ تفاصيلِها، وهو ما يجيدُه أبطالُ الجيش واللجان الشعبية بعكس أولئك المغمورين المنضوين في كَنَفِ ما يسمى “بالشرعية”، فمَن يكسَبُ المعركةَ هو القادرُ على استدراج الطرف الآخر إلى المكان الذي يختاره هو لإدارة الحرب والعكس، والملاحَظُ أن الجيش واللجان باستمرار يستدرجون المرتزقة إليهم، ثم يوجّهون لهم الصفعات تلو الصفعات حتى تمتلأ وديانُ وجبالُ نهم بجثث هؤلاء.
في فن الحروب، لا مجال للهرب من أيَّة معركة، لكن أولئك المرتزقة يفرُّون باستمرار، وفي المقابل أخلاقيات وقِيَمٌ مثلى لأبطال الجيش واللجان الشعبية، فهم لا يطلقون النارَ على هارب، ولا يضيقون الخناقَ على محاصَر ويتركون له بين الفينة والأُخْرَى ثغرةً للهرب؛ لأنك إن أحكمت الحصارَ على عدوك دون أن تتركَ له ثغرةً فقد يستأسدُ ويقاتل.
في الميدان أبطالُ الجيش واللجان كالنار في هُجُومهم وكالجبال في ثباتهم، لديهم مبادئُ وأهدافٌ ويتحَرّكون وفق خطط وبرامج منظمة ولهذا فشل العدو إلى الآن في تجاوزهم وهزيمتهم.
في الإعلام، نعم يتحدث المرتزقة عن السيطرة على جبل ما أَوْ تبَّة أَوْ مرتفع معين، لكن الواقعَ عكس ذلك تماماً، إذاً كيفَ لمرتزق البقاء في جبل يرفُضُه أَوْ تبَّة تتأذى منه؟!.
الجميع يدرك أن هؤلاء لا تنقصُهم قلةٌ في العَتاد أَوْ في الجُنُود المحاربين أَوْ عدم خبرة بتضاريس “نهم” وتفاصيلها، هم يعرفونها جيداً، ويساندُهم في ذلك الطيران الذي لا يتوقف برهةً عن قصف مواقع الجيش واللجان الشعبية وارتكاب المجازر بحق المدنيين، لكن ما ينقصُهم هو التنظيمُ والتخطيطُ الجيدُ وعدم الغرور، فالتأريخ يعلّمُنا أن الغزاة وأعوانهم رجعوا خائبين وهم يحاولون احتلالَ صنعاء أَوْ السيطرة عليها، حتى أولئك الذين تمكنوا من الدخول إليها واجهوا “الموتَ الأحمرَ” وتمنّوا أنهم لم يفكروا بالدخول إليها، واسألوا العثمانيين واسألوا المصريين فهم وحدَهم من اكتوى بنار اليمنيين، ونحنُ على يقين أن السعوديّين والإماراتيين سيحكون للأجيال القادمة عن متاهاتهم في محاولة السيطرة على صنعاء.
في الزامل الشعبي قال الشاعر من أول يوم: “صنعاء بعيدة.. الرياض أقرب”، والشاعر هُنا لم يسرد أوهاماً، وإنما يتحدَّثُ عن تجاربَ لآبائه وأجداده القدامى وكيف قاتلوا الغُزاة وهزموهم وعاشوا في مأمن عن كُلّ محتل.
وخلال هذا العدوان الهمجي، قالها الشدادي ذات يوم إنه سيصلُ إلى صنعاء، لكن “روح الشدادي” صعدت إلى السماء دون تحقيق هذا الحلم، أفلا يعي هؤلاء أن كبيرَهم لم يفلح في تحقيق حلمه؟، فلماذا الاستمرار في هذا الطيش والغباء؟
في البلاط الملكي لآل سعود، بات التذمر كبيراً للأسرة الحاكمة من عملائها اليمنيين (إصلاحيين ومتمصلحين)، وشوكة علي محسن الأحمر كسرت أكثر من مرة، وبات يتحاشى الوقوف أمام بن سلمان؛ لأنه يتلقى الإهانات والصفع، ومع ذلك يحاول الرجل تحقيق أي إنجاز يذكر لكن العاجز يصطدم بجبال وتضاريس نهم، ومقاتلين أشداء كأبطال الجيش واللجان الشعبية.
وعلى كُلٍّ.. إذا ازداد حديث هؤلاء وهلّلوا عن اقترابهم من صنعاء وتحقيق انتصارات في “نهم” فثق أنهم في مأزق، وأنهم في ساعاتهم الأخيرة.. والنصر سيتحقق لأبطال الجيش واللجان، ومن “نهم” سيبزغ الفجر الأبيض.