المتاجرة الدولية بآلام اليمنيين
ذمار نيوز / المسيرة نت | 15مارس | تقارير خاصة : علي أحمد
انعقد اجتماع اللجنة الرباعية الدولية لدول العدوان (السعودية، الإمارات، أمريكا ،وبريطانيا) زائدا سلطنة عمان لمناقشة ملف العدوان على اليمن في لندن، الاثنين 13 مارس، بتمثيل منخفض على مستوى سفراء الدول الخمس الممثلين في اليمن بعد أن كان مقررا انعقاده على مستوى وزراء خارجية تلك الدول وبمشاركة المبعوث الدولي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، وكان المقرر أن يكون التمثيل على مستوى وزراء الخاجية، وتخفيض مستوى التمثيل في اجتماع لندن، انعكس سلبا على نتائجه وربما أن لا نتائج محددة له كما يبدو حتى هذه اللحظة، بعد أن كان يؤمل منه تعزيز فرص إعادة إحياء مسار المفاوضات السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة والمتوقفة منذ نهاية سبتمبر الماضي، ومساعي ولد الشيخ أحمد للحصول على دعم تلك الدول لخارطة الطريق المقدمة من قبله بعد إجراء تعديلات ثانوية على بعض بنودها.
وجاء التمثيل المتدني ليعكس في الغالب وجود خلاف أو تفاوت فيما بين الدول الخمس تجاه المقترحات المطروحة لتعديل الخارطة، كما يكشف عن جهود سعودية كبيرة لاحتواء الضغوط الدولية المتسارعة لوقف العمليات العسكرية في الساحل الغربي لليمن، ويبدو أن ضغوط الرياض كانت وراء إجهاض الاجتماع على مستوى الوزراء وتأجيل اجتماعهم إلى وقت يتم تحديده لاحقا، وهو الأمر الذي يشير إلى الطموح السعودي بتحقيق مكاسب عسكرية مؤثرة على الأرض قبل العودة إلى المفاوضات.
من الواضح أن تحذيرات ستيفين أوبراين، وكيل الأمم المتحدة للشئون الإنسانية، وكذا تحذيرات المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة بشأن المستوى الخطير الذي وصل اليه الوضع الإنساني في اليمن، وما قد يتسبب فيه وصول العمليات القتالية الى الحديدة من كارثة إنسانية مؤكدة، قد يكون ضحيتها 19 مليون إنسان في المحافظات الشمالية لليمن، كانت سببا رئيسيا في تصاعد الضغط الدولي على السعودية مؤخرا.
كما أن تصريحات نائبة المندوب الأمريكي الأخيرة في مجلس الامن في ال 10 من مارس الجاري، ورسالة 53 عضوا في الكونغرس لوزير الخارجية، تطالبه فيها بإبقاء ميناء الحديدة مفتوحا وتتحدث عن عدم وجود حل عسكري للازمة، أوحت بتفهم أمريكي لخطورة الوضع الانساني، ويبدو أن محمد بن سلمان استشعر خطورة ذلك، ما دفعه للمسارعة لزيارة واشنطن.
لقاء بن سلمان مع الرئيس الأمريكي ترامب أمس الثلاثاء، لم يتحدث عن مصير العملية العسكرية في الحديدة صراحة، ولم يشر البيان إلى الموافقة الامريكية وإعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ العملية بل وحتى المشاركة الامريكية الفعالة فيها التي ستكون باهضة الثمن للغاية، ويظهر أن إبداء واشنطن نوعا من التفهم للمخاطر الإنسانية لإغلاق الميناء، رغم صدق مواقف بعض أعضاء الكونغرس، إلا أن تفهم إدارة ترامب له لا يخرج عن كونه نوعا من أنواع الابتزاز للسعودية لرفع الثمن المطلوب منها للقبول بالمخاطرة بحياة ملايين اليمنيين أكثر من كونه اهتماما أمريكيا بالوضع الإنساني في اليمن.
وبصورة لا تختلف كثيرا عن الابتزاز الأمريكي للسعودية، يمكن فهم اللهجة القوية وغير المسبوقة التي صدر بها بيان الخارجية الروسية في ال 13 من مارس الجاري بشأن الوضع في اليمن، فقد سارعت موسكو لاستغلال تصاعد مستوى التحذيرات الأممية في الأيام الأخيرة بشأن خطورة الوضع الإنساني في اليمن، إضافة إلى ارتكاب طيران التحالف لمجزرة دوار الخوخة قبل أيام، لتصعيد لهجتها الرافضة للعملية العسكرية المرتقبة في ميناء ومدينة الحديدة والتباكي على الوضع الإنساني.
سعت موسكو لاستخدام الملف اليمني من جديد كورقة مساومة في وجه السعودية وواشنطن للحصول على تنازلات في الملف السوري وبالذات مع حديث البيان الروسي عن إيلاء السعودية وحلفائها لاهتمام كبير للوضع الإنساني في سوريا مقابل تجاهل وتضليل في الوضع الإنساني في الملف اليمني، كما يظهر الابتزاز الروسي جليا في حديث البيان عن تنامي خطر القاعدة وداعش في جنوب اليمن، وكأن ما تطلبه موسكو له علاقة بالجماعات السورية الأصولية والتي تحظى بحماية واشنطن والرياض تحت مسمى المعارضة المعتدلة.
كما يكشف البيان الروسي عن إدراك موسكو بأن التجهيزات لشن العملية العسكرية الواسعة في الحديدة قد اكتملت تقريبا، ولم يعد هناك سوى اتخاذ القرار السياسي لإطلاقها، لذلك سارعت بإصدار البيان للحصول على مكاسب الوقت الضائع ليس أكثر، ولا أعتقد أن هناك تحولا جوهريا في الموقف الروسي، الذي لم يتغير أصلا طيلة سنتين فكيف سيتغير في ليلة وضحاها؟
إجمالا يمكن القول إنه رغم ما تظهره التحذيرات والتفاعلات الدولية المختلفة مع التطورات في اليمن، من تنامي القلق الدولي من الكارثة الإنسانية الأخطر على مستوى العالم ومآلاتها المأساوية خاصة في حال وصول المعارك إلى الميناء البحري الرئيسي لدخول البضائع والمساعدات الدولية إلى اليمن، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن حالة غير مسبوقة من الارتزاق والمتاجرة بأرواح ومعاناة ملايين اليمنيين من قبل القوى الدولية الرئيسية الفاعلة في الملف اليمني.