الخبر وما وراء الخبر

الجهادُ وثقافةُ الإعداد

212

بقلم / هنادي الصعيتري

يقولُ عَــزَّ مِنْ قائل: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}. صدق الله العظيم.
نأتي إلى شرحٍ مبسّط ومختصر للآية الكريمة من سورة الأنفال:
تبدأُ بصيغـة وفعـل الأمر (وأعدوا)، أي أنه أَصْبَـح لِزاماً علينا الاستجابة والسمعُ والطاعة لهذا التوجيه الإلهي الذي غفل عنه الناس فوصل حال الأُمَّـة إلى ما وصل إليه من الذلةِ والهوان والاستضعاف من قبل طواغيت الأرض وأئمة الكفرِ والفساد.
وبيّن فيها – جلَّ شأنه – الجهة التي نعد لها بقوله: (لهم) وجعله على هيئة ضمير مستتر تقديره هم وذلك لكثرة الفئات المعادية وتعددها؛ ولأنه بطبيعة أهل الباطل أن تختلف مسمياتهم والعناوين التي ينطلقون تحت مظلتها الساترة لقبيح باطن ما يعملون.
وقوله: {ما استطعتم} هنا مظهر من أبلغ مظاهر رحمة الله بعباده أن ترك لهم قضية الإعداد بحسب القدرة والاستطاعة ولم يلزم ويوجب ما لا يطيقُه الإنْسَانُ ويخرج عن تكليف نفسه، والحكمة من وراء ذلك هي إقامة الحُجّة على العباد حتى لا يأتوا يومها – يوم الحساب والمساءلة – بالمبرّرات والمعاذير الواهية؛ لأنه عليمٌ بطبائع من خلق أن منهم من يهربون من المسؤولية ويتنصلون عنها بالكثير من الأقاويل، فكان قوله: {ما استطعتم} بمثابة قطع مجال التعلل لدينا.
{من قوةٍ} عند قراءة الكثيرين لهذه العبارة تقفز مخيلتهم إلى قوة الحديد وقوة السلاح..!! وهذا يدلل على قصور في جانب الوعي الإيْمَاني واهتزاز مسار العلاقة بينك وبين الله، حيث أن المقصود هنا إعداد تكاملي يترتب على أولويات، والأولوية هنا للقوة “الإيْمَانية” غير الماديـة وغير المحسوسـة، لكن ثمارها ملموسـة في أرض الواقـع وتترجم بقوة الحديد الذي لم يجعل منه سبحانه وتعالى بأساً شديد إلا حينما يكون بيدِ أوليائه، ثم تأتي القوةُ المادية والتي لا بد منها لخوض صراع والدخول في مقارعة مع قوى الشر، فالمفهوم هنا هو قوة تتجزأ في كُلّ المجالات: نفسياً ويشترط أن تكون إيْمَانياً؛ لأنه ما كُلّ نفسي إيْمَاني، فهناك نفوسٌ يملؤها الشرُّ والخُبثُ الذي يدفعُها للقتل بشراسـة، وهذه نقطة هامة يجب التنبّه لها، ومادياً أي توفر العدد من القوى البشرية التي ستقف في الميدان والعتاد من سلاح ومال يمون به المقاتلون لتوفير حاجياتهم، وصحياً بالحفاظ على بنية قوية تتحمل وتقاوم، ثقافيـاً كون الجانب الثقافي يواجه حملة تشويه شعواء تهدف إلى ابعاد الأُمَّـة عن واجباتها الإيْمَانية وجعلها في تيه لا نهاية له، واعلاميـاً كون الإعلام جبهةً متفردةً بحد ذاتها تُشن فيها حروبٌ ضروسٌ؛ بغية التضليل والإرجاف والتعتيم على الحقائق والتزييف لها، وَالعديد من المجالات، ومهم معرفتها حتى لا تكون نظرتنا لمفهوم القوة في إطار الإعداد قاصرة ومحصورة وضيقة بحدٍّ محدود ومعيّن.
{ومن رباط الخيـل} في هذه العبارة إذا ما عكسنا شرح مفهومها على السلاح؛ كون الخيل كان دليلَ الاعداد في قديم الزمان، وأن مَن يملك خيلاً معقوداً عليه الرباط يعرفُ بأنه فارسٌ جسور، تعني أن لا نكتفي بشراء واقتناء السلاح كمظهر وشكليات نفتقد معه للخبرة والكفاءة في الاستخدام حينها يكون وجوده كعدمه.
ولأن كتاب الله هو بيناتٌ من الهدى وبصائر للناس، وكل آيةِ وحرفٍ فيه يقدم هداية للأمة فهو لا يأتي بأمرٍ ما دون أن يعلمنا بأهميته وبالحاجة إليه بيّن لنا بقوله: {ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} أن الغايةَ من وراء الاعداد هو ارهاب العدو وتخويفه، أَعْدَاء نعلمهم ولا نعلمهم.

أهــــدافُ الإعداد:
– اتقـاءُ ومنعُ الشـر قبل وقوعـه، الشـر بكل مساوئه وسلبياتـه.
– تحصيـنُ الساحـة بشكلٍ عام – ساحة الإيْمَان والنفس والوطن والعرض والشرف – فلا تُترك مفتوحةً للعدو ومهيأةً لدخوله ليعيث فيها الفساد.
– عاملٌ مهمٌّ من عوامل النصر الإلهي؛ لأنه معيارٌ عبّر عن جدية ومصداقية المؤمنين في إيْمَانهم وتحَـرّكهم بجهادهم وإخلاصهم فيه مما يجعلهم يحظون بمعية الله ورعايته وتأييده ولطفـه.
– {اذهب أنت وربك إنّا ههنا قاعدون}، الإعداد منطق إيْمَاني يخالف منطق بني إسْرَائيْل الذين ساد واقعهم الجمود والتخاذل والتقاعس، ويجسد قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا أَنصار الله} أَنصارٌ حقيقيون يرافق قولهم العمل الدؤوب، فمعنى أَنصار أي أحلاف وموالون يسود واقعهم الاستجابة والتسليم لله ولرسوله-صلوات الله عليه وآله- ولأعلام هُداته الهُداة إلى الحق وإلى سبيل الرشاد.
– لفت نظر العدو والتأكيد له بأنّا أمةٌ مجاهدة معدّه لزرع اليأس في نفسه بأننا لسنا كما يظن لقمةً سائغه سهلة الابتلاع والالتقام، وإن سوّلت له نفسه الدخول في حربٍ معنا سيدخلها ويخوضها بروحيـه انهزاميـه كما هو حالـه اليـوم في عدوانه الغاشم.
– اختصـار المعانة والاتعاب التي سيضطر الناس للقيام بها حال أي طارئ عدواني نحوهم حين يكونون على جهوزية تامة.

نتائـجُ الاعـداد:
– الفوزُ والفلاح برضوان الله وجنّته حين كنا مستجيبين لتوجيهاته وأوامره.
– الغلبة والتمكين والنصـرُ في الدنيـا.
– حسم نتائج المعركة قبل صدورها ووقوعها.
– تسلَمُ الأُمَّـة العواقب الوخيمة التي كانت لتكون لولا أنها مُعدّة.
– سيـادة الأمـن والأمـان في الواقع المجتمعي والجغرافي.
– حفظ الدم والمال والعرض والأرض.

عواقب الإخلال بهذا التوجيـه:
– التسبب في نيل سخط الله وغضبه واستحقاقه، في الدنيا خزيٌ وفي الآخرةِ عذابٌ إليم.
– تمكّن العدو من الواقع الحياتي والإيْمَاني بشكلٍ عام.
– تُسلب الأُمَّـة التوفيق والعون الإلهي نتيجة تخاذلها وتغافلها وتقصيرها فيما هو خيرٌ لها {ذلك خيرٌ لكم}.
– يكون الواقع واقعاً مختلّاً مزعزعاً يملؤه التدمير والقتل والإجْـرَام والافساد، ويفتقد للأمن والاستقرار الاجْتمَاعي الإنْسَاني العام.
– تيسير الطريق وتمهيده ليحكم العدو فيه.
– الاسهام في زيادة منسوب الطغيان والتجبّر والاستكبار في أرضِ الله التي جعل فيها ملايين من عباده المؤمنين الذين حمله
– الاسهام في زيادة منسوب الطغيان والتجبّر والاستكبار في أرضِ الله التي جعل فيها ملايين من عباده المؤمنين الذين حملهم مسؤوليات عديده أولُها: نصر دينه وإعلاء كلمته.
ومما لا شك فيه ولا ريب أن هذا الأمر الإلهي لا يقتصر وجوبه على الرجال فقط دون النساء؛ فهو خطابٌ يُعنى به جميع المؤمنين بكل فئاتهم وأعمارهم.
إذاً وبعد كُلّ هذا الحديـث أفلا نكون من المُعدّيـن بما استطعنـا..؟؟
أفـلا نطمح أن نكون ممن يظفرون بمحبة الله وعنايته ونصــره لنا..؟؟
أولا نرغـب بأن نكون ممن يمكنهم الله في أرضـه ليقيموا الصلاة ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكـر..؟؟
وهل هو لدينا هين سخط الله وجحيـم نارهِ المستعرة وبعد كُلّ ما قدمه لنا من تسهيل وترغيـب وإمداد..؟؟
فلنقيّـم جميعـاً واقعنا قبل أن يصل الحال ليكون العـدو هو المصحح والموقظ لنا من السبات بعد فوات الأوان في زمنٍ بات الرُّقاد فيه حالةً لا تشخيص لها مع ما نمر به اليوم على مدى ما يقارب العامين، والواقع يشهد ويجسد ويتوعّـد كلَّ مستكينٍ ذليلٍ لئيـمٍ ذميـم..
والعاقبـــــة للمتقيـــــن.