الخبر وما وراء الخبر

دعـوى الـشـرعـيـة بـيـن الـمـنـطـق الـقـانـونـي والـديـمـقـراطـي

250

بقلم / د. اسماعيل المحاقري

قد يرى البعضُ أن الجدَلَ حول اتكاء العدو على الشرعية لتبرير عدوانه وما ارتكبه من جرائم في حق شعبنا أَصْبَح جدلًا عقيمًا في ضوء جلاء الصورة لكل عاقل، وفي ضوء ما تكشف للناس من الأَهْدَاف الحقيقية للحرب ولكني ما زلت أرى أننا بحاجة إلى جهود كبيرة وخُصُوصًا من ذوي الاختصاص في القانون الدستوري والنظم السياسية إلى تعرية هذه الادعاءات وتفنيد ما يتم طرحه بخصوصها من أكاذيب.؛ لأن العدو بما يملكه من آلة إعلامية ضخمة وعبر أدواته في الداخل عمل على تصوير المبادرة الخليجية والطريقة التي تم بواسطتها وصول عبدربه وحكومته إلى السلطة عام2013م أنها بمثابة آليات عصرية تتفق مع الحقائق والأصول العلمية والثوابت الديمقراطية وبالتالي فإن الافتئات عليها هو نكوص عن قيم الديمقراطية وتخلٍ عن تحقيق الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التي تمثل الحلم المنشود لكل اليمنيين، كما أن العدو يعمل أَيْضًا وبوسائل مختلفة على شيطنة ثورة 21سبتمبر وتصوير ما حدث على أنه عمل انقلابي لا يمت لمبادئ الديمقراطية بأي صلة ويجعلون من عدم التأييد الدولي لها دليلا على تعارضها وتلك المبادئ، وكذلك عدم تأييد عدد من الأشخاص الذين ارتسمت أسماؤهم وصورهم في ذهنية المواطن البسيط والمزروع بأنهم هم الرموز المنافحة عن مشروع النظام الديمقراطي في اليمن وأنهم هم المنفتحون على الثقافة الغربية، القادرون على تحقيق النمط الغربي.
ومما يفاقم المشكلة أن عددًا من الأكاديميين المختصين في الشأن القانوني والدستوري من المؤيدين للعدوان يعملون على استغلَال وظيفتهم العلمية بتسويق تلك الأكاذيب وتصويرها للطلاب كحقائق علمية.
وفي ضوء ذلك أرى أَهميّة إعطاء الموضوع أَهميّة خَاصَّـة من خلال إيضاح الحقيقة للناس وتفنيد ادعاءات العدو وأكاذيبه بوجود علاقة بين النماذج والمبادئ الديمقراطية والدستورية وبين ذلك الأسلوب وتلك الآلية التي تم اتباعها لإيصال عبدربه منصور وحكومته للسلطة وأن كُلّ الخطوات التي اتُبعت ليس لها منطق قانوني أَوْ سياسي أَوْ ديمقراطي تقوم عليه إلا منطق القُــوَّة الذي تفرضه قوى الهيمنة في هذا العصر، وهو ما أسميته بمنطق (الصمولة والبعللة) وأستأذن القارئ أن أرجئ تفسير هذه العبارة إلى نهاية المقالة.
إن ما تعلمناه ونعلمه لطلابنا وما هو ثابت كحقائق علمية في كتب المفكرين وفي ذهنية المتابعين للشأن السياسي أن الشرعية هي إما شرعية دستورية وتعني أن يتم اختيار الحكام من قبل الشعب عبر انتخابات حرة وتنافسية ووفق الشروط والآليات التي يحددها الدستور.
وإما شرعية ثورية التي تعني أن الشعبَ باعتبار أنه السيد مصدر كُلّ السلطات وصاحبها، له أن يمارِسَ سلطته بطريقة غير مباشرة عبر الأشخاص الذين يختارهم عبر الآليات الدستورية لتمثيله، وله أن يمارسها بصورة مباشرة عبر الاستفتاء الشعبي في الحالات والشروط التي يحددها الدستور، وفي كُلّ الأحوال يجب أن يظل الارتباط والتفاعل الإيجابي بين ركني السلطة السياسية والمجتمع المدني في الدولة قائمًا، فلهذا الأخير الحق في مراقبة تصرفات من يمثلونه للتأكد من مدى خضوعهم للقواعد الدستورية والقانونية ومدى احترامهم لحقوق وحريات المواطنين ورعاية مصالحهم ومدى محافظتهم على سيادة الوطن ووحدته. وله أَيْضًا كحق أصلي أن يقوم بثورة على من يمثلونه عدما يتم المساس بتلك الثوابت والمحددات ويتم تعطيل الآليات الدستورية وتصبح الوسائل السلمية غير ذات جدوى في كبح جماح السلطة وتغولها وتعريضها لسيادة الوطن ووحدته للخطر وعندما يكمل مهمته في تصحيح المسار وفرض احترام الدستور يعود أدراجه ليمارس حياته اليومية.
لذلك فإن إنكارنا للشرعية الثورية معناه إنكار لجوهر العملية الديمقراطية ومصادرة لأَهْدَافها وتجريدها من أهم الضمانات الضرورية للمحافظة على استمرارها؛ إذ أنه بدون الاعتراف بالشرعية الثورية لن نجد أية وسيلة أُخْــرَى لحماية الديمقراطية عندما يتم الانقلاب عليها من قبل السلطة.
ومن المهم التذكير أن قيم الديمقراطية لا تقبل بوجود سلطة تعلو على سلطة الشعب داخلية كانت أَوْ خارجية بل أن التسليم بما يسمى الشرعية الدولية تحت أي وصف كان هو مصادرة لشرعية الشعب وسيادته ومصادرة بالتالي لقيم وأَهْدَاف الديمقراطية ومساس بأهم أركان الدولة.
وفي ضوء تلك الحقائق العلمية الثابتة التي لا تقبل الجدل أخاطب أولئك: على أي أساس من منطق أَوْ فكر سياسي أَوْ دستوري تدافعون عن شرعية هذا الرجل خُصُوصًا أمام طلابكم مع أنكم تعلمون أن من أوصله إلى السلطة هي قوى العدوان ذاتها التي تحاربنا اليوم عبر ما سمي بالمبادرة الخليجية وَفرضته خارج الأطر الدستورية مستعينة بعملائها ممن يشاركونها اليوم تدمير الوطن وعبر انتخابات المرشح الوحيد حسب ابتكارات المبادرة التي لا تمت لقيم الديمقراطية بأية صلة بل أنها تنافيها وتصادر أهم مبادئها (الحق في التنافس).
وحتى وإن سمينا ما حدث باستفتاء فهو أَيْضًا مخالف للآليات والشروط التي تحددها جميع الدساتير وتقصر أعمالها على حالات محددة لضمان عدم الالتفاف والتلاعب بإرَادَة الشعب، فتعالوا نتصور فيما لو أجزنا هذه الآلية كيف أنها ستصادر مبدا التعددية والتبادل السلمي للسلطة.
ومن ناحية ثانية: وعلى فرض القول بوجود شرعية لعبدربه قائمة على الشرعية التوافقية الحاكمة للمرحلة الانتقالية وعلى فرض القبول بها فقد انتفت عنه الصفة التوافقية بعد قيام ثورة 21سبتمبر التي قامت ضد الممارسات التي اتبعها هذا الرجل ومثلت خطورة على كيان الدولة والمساس بسيادة الوطن وتهديد أسس أمن واستقرار المجتمع اليمني والسلم الأهلي بصفة خَاصَّـة وكذلك بعد أن أعلن نفسه وحكومته خصما لأَكْبَر وأكثر القوى السياسية نفوذا ومحاولة تمرير مشاريع العدو وتنفيذ مُخَطّطاته في تقسيم اليمن وتفكيك مُؤسّساته السيادية ووضع خطة ممنهجة عبر أدواته لاستهداف الرموز الوطنية السياسية والعسكرية والفكرية.
ومن ناحية ثالثة: أليست الشرعية الدستورية تفترض التفافا شعبيا بالافتراض أَيْضًا أنها تمثل خيار غالبية.