اليمن وفيتنام
بقلم / حميد رزق
بلغ عددُ الجنود الأَمريكيين المشاركين في الحرب على فيتنام 550 ألفًا، انضموا إلى نحو 800,000 من قوات جنوب فيتنام وما يقرُبُ من 69,000 جندي من أستراليا ونيوزيلندا، والفلبين، وكوريا الجنوبية وتايلاند. كُلُّ ذلك مقابل حوالي 300 ألف جُندي ومقاوِم فيتنامي.
قام الفيتناميون بثورة مسلحة لطرد المستعمر الفرنسي الذي غادر بلادَهم في العام 1954؛ وخوفًا من نيل فيتنام استقلالَها تدخَّلَ الأَمريكي وأرسل أحدَ عملائه المدعو (نغو دينه دييم) درّبته أجهزةُ المخابرات الأَمريكية، وفور وصوله تم تعيينُه وزيرًا لدى امبراطور فيتنام الجنوبية الذي كان آخر مخلفات الاستعمار الفرنسي، ولم يمر وقت طويل حتى دعمت أَمريكا عميلَها للقيام بانقلاب استولى من خلاله على السلطة، وبعد ذلك تزايد التدخل الأَمريكي في جنوب فيتنام بأشكالٍ مختلفة، إلى أن وصل إلى الوجود العسكري الوسع؛ بغرض قمع الثورة الشيوعية والحيلولة دون سقوط النظام الموالي لها.
طبعًا أَمريكا دخلت حربَ فيتنام على أساس أن المدة لن تطولَ عن ستة شهور لتحقق أَهْــدَافها فإذا بالستة شهور تتحوّلُ إلى ثمان سنوات تكبّدت خلالها أَمريكا خسائرَ فادحةً عسكريًا واقتصاديًا، وتعرّضت لأقسى هزيمة لا تزال هي أبرز ما دوّنه التأريخ في قاموس الهزائم العسكرية حتى الآن.
واستخدم الأَمريكيون سياسةَ التجويع لكسر إرادة الفيتناميين، وقاموا بقصف المصانع والمُؤسّسات ومصافي النفط وإحراق المزارع والحقول ورَشّ السموم على المنتجات الزراعية والحيوانية، ما أدى إلى خلق معاناة كبيرة وشديدة، لكن الفيتناميين أصروا على مواصَلة طريق التحرّر والخلاص حتى النهاية، وكان كُلّ فرد في المناطق التي دخلها الأَمريكيون متهمًا وهدفًا للقتل والانتقام ولم ينفع البعضُ رهانَهم على شعارات أَمريكا التي كانت تتحدث أنها جاءت لحماية الفيتناميين وتحريرهم من قبضة مَن يُطلَقُ عليهم الشيوعيون.
وبمقابل امتلاك الأَمريكان للقوّة التدميرية الهائلة والمتوحشة كان الشعبُ الفيتنامي يمتلك الإرادة الصلبة والتصميم الذي لا يلين، وقد ألقى بكل ثقله لإفشال الغزو الأَمريكي، وكانت الوسائلُ الطبيعيةُ والبدائية سلاحًا فعالًا بيد المواطنين في ذلك البلد الصغير، وفي مقابل الطائرات الحربية التي تحمِلُ أطنانًا من المتفجرات استخدم ثوارُ فيتنام وشعبها الانفاقَ والخنادق لتكونَ حُصُونًا منيعة ولتنفيذ الكمائن ومباغتة الجنود الأَمريكيين..
وكما سيسجّلُ التأريخُ “الولاعة” باعتبارها واحدةً من أبسط الأشياء التي أذَلَّ بها اليمنيون الغزوَ والعدوان، ففي كفاح الشعب الفيتنامي اشتهرت العصا البسيطة “الخيزران” التي كانت بيد المقاومين الفيتناميين سلاحًا مخيفًا ومرعبًا لعشرات آلاف من الجنود الأَمريكيين، كان يتمُّ العملُ على تحويل أعواد الخيزران إلى ما يشبهُ السهامِ الحادة، ويتم زرعها في الأحراش والغابات لتتحولَ إلى كمائن تصطادُ أقدام الغزاة وتصيبهم بجراح وأحيانًا تميتهم نتيجة قيام المقاومين الفيتناميين بوضع سمومٍ قاتلة في رؤوسِ الخيزران المدبَّب، طبعًا حينها سخر البعضُ من وسائل شعب فيتنام، كما يسخرون اليوم من الولاعة التي بيد المجاهدين اليمانيين، وكما يسخرون من الطائرات بلا طيار. وفي السابع والعشرين من يناير 1973 انسحب الأَمريكيون مرغمين مهزومين ونال شعبُ فيتنام الفقيرُ استقلالَه وأَصْبَـح أمثولةَ التأريخ.