الخبر وما وراء الخبر

سيرة رجل الأمن الأول: أبو حسن المداني

1٬002

بقلم / علي المحطوري

كُشف اللثام أخيرًا عن شخصية مهمّة في «حركة أنصار الله»، هي الأولى على الصعيد الأمني. إنه طه حسن إسماعيل المداني، المسؤول الأمني الأول لـ«أنصار الله»، ولاحقًا «اللجان الشعبية الأمنية» المنثبقة من ثورة 21 سبتمبر 2014، وقد تقلد منصب «عضو اللجنة الأمنية العليا» عقب الإعلان الدستوري في 7 فبراير 2015 عندما تسلمت، «اللجنة الثورية العليا» قيادة البلاد.

طه المداني، وكنيته الشهيرة «أبو حسن»، المولود عام 1979 ينتمي إلى أسرة عريقة. هو الرجل الذي عرفته المساجد والسجون ثائرًا بهتاف الصرخة الشهير «الموت لأمريكا»، كأبسط موقف حينذاك، عندما تحركت ثلة قليلة في مواجهة الهجمة الأميركية على المنطقة في عهد جورج بوش الابن.

حين ولادته، كان والده حسن بن إسماعيل يشغل منصب «عامل قضاء ميدي»، وهو رابع أقضية محافظة حجة وفق التقسيم الإداري في ذلك الحين. كذلك كان جده إسماعيل المداني من كبار موظفي الدولة في عهد الإمام يحيى حميد الدين، وشارك في معارك نجران في مواجهة جيش عبد العزيز آل سعود.

تلقى أبو حسن تعليمه الابتدائي في ميدي، وعقب ذلك انتقل مع والده وأسرته إلى مدينة صعدة حيث أكمل الابتدائية والإعدادية، وتوافرت له ظروف أفضل للاحتكاك بالنشاط الثقافي والبيئة العُلمائية المشهورة بها «محافظةُ السلام». كان تخرجه من الثانوية العامة من مدرسة جمال عبد الناصر في صنعاء، ثم التحق بجامعة صنعاء في كلية الشريعة والقانون حتى عام 2003.

مثّل وجوده في صعدة «فرصة العمر» كي يطلع عن كثب على حركة السيد حسين بدر الدين الحوثي، فانطلق مع ثلة من رفاقه بهتاف الصرخة في جامع الإمام الهادي في صعدة (3/2003)، فيما تزامن ذلك مع زيارة للرئيس السابق علي عبد الله صالح وكان في طريقه إلى السفر لأداء فريضة الحج. آنذاك نجا المداني من الاعتقال ليقع فيه لاحقًا عقب رفع الهتاف في الجامع الكبير في صنعاء إبّان أدائه امتحانات السنة الرابعة في جامعة صنعاء عام 2003.

عُرف أبو حسن بحسه الأمني، وفق قريبين منه، فيما أسهمت محنة السجن في تبلور شخصيته المجبولة من أساسها على طبع هادئ وأعصاب باردة، وهي خصال ذاتية لا بد من توافرها لكل رجل أمن يمر بظروف عادية، فكيف حين تكون الظروف استثنائية: حروب وثورة وكفاح مسلح في مواجهة غزو.

أثبت المداني نفسه أيضًا على الساحة العسكرية في أكثر من جبهة، ففي أواخر 2006، بعد انتهاء الحرب الثالثة، كان الخروج من السجن، حيث انطلق أبو حسن مباشرة إلى الميدان، ولحاجة «الثوار الأحرار» إلى جهاز أمني يستطلع لهم ويحميهم ويكون لهم ظهيرًا، جاء الرجل المناسب في الوقت المناسب، ليكون المداني خيرَ من تُلقى على عاتقه هذه المسؤولية.

ما بين الحربين الثالثة والرابعة مدة قصيرة لك تساعد على أن يتفرغ الثوار كلٌّ في مجاله، فظهر أبو حسن عام 2007 إبّان الحرب الرابعة رجلًا لا يُشق له غبار، وفيها جُرح ثلاث مرات كانت له بمنزلة أولى النياشين. هنا بدأ المداني تظهر شخصيته كقائد يجمع بين الأمن والعسكر.

عام 2008، إبّان الحرب الخامسة، تأكدت عسكريتُه إلى جانب موقعه الأمني حينما أدار المواجهة باقتدار في منطقة آل حميدان في مديرية سحار بصعدة، لتقع على يديه ورفاقه ما عرف آنذاك بمجزرة الدبابات. وحينما شنت السلطة الحرب السادسة (10/08/2009)، أوكلت إليه مهمة الدفاع عن منطقة الصعيد في صعدة، فأدار معركة منطقة المقاش المحاذية لصعدة بكفاءة حتى النصر في مواجهة الفرقة الأولى مدرع التابعة للفار علي محسن الأحمر ومجاميعه التي عرفت بالبشمرقة.

رغم وقائعه العسكرية، فإن الأخطار الأمنية كانت تستدعي رجلًا ذا نباهة. هكذا، ما إن تنتهي معركة عسكرية كبيرة أو صغيرة، إلا وتبدأ معاركه الخاصة به في تأمين كامل المناطق التي تستلزم انتشارًا أمنيًا لعدد كبير من الرجال، وهو إلى جانبهم يتفقدهم موصيًا إياهم بأن يكونوا على أخلاق عالية مع المجتمع، وأن يسهروا لتأمين حركة الناس دون مِنَّةٍ على أحد، أو انتظار الشكر، كما يقول المقربون منه.

من موقعه الأمنيّ، سهر طه المداني على تحديث وتطوير الجهاز الأمني لـ«أنصار الله»، وجعله منفصلًا عن «العسكري»، حتى استحق بجدارة أن يقدم خبرته الطويلة إلى «ثورة 21 سبتمبر» سنة 2014، لتنبثق منها «لجان أمنية شعبية» مثّلت قوة إسناد لأجهزة الدولة، الأمر الذي مكنه من بسط الأمن على أوسع نطاق، كما تحقق تحت إشرافه تفكيك مئات الخلايا المتصلة بتنظيم «القاعدة» والأخطبوط ــ الأحمر، ملحقًا بأجهزة الاستخبارات الأجنبية هزائم كبرى.

حينما اضطره الواجب إلى أن يتصدى للعدوان الأميركي ــ السعودي، بادر بنفسه إلى إسناد رفاقه حتى فاقهم صمودًا، وسبقهم إلى الشهادة في ساحات الدفاع الوطني (ثمّة تكتم متعمد على مكان وتاريخ ووقت استشهاده رغم كمّ الشائعات الكبير حول ذلك) محققًا بذلك منتهى ما يتمناه كثيرون على الصعيد الشخصي بعد رحلة كفاحية كانت عظيمة الأثر، بما ترك خلفه من إرث ثوري زاخر بعطاء. وقد وصفه السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بأنه كان «كثير المعونة، قليل المؤونة».

تبقى الإشارة إلى أنّ من المفارقات في سيرة المداني – وهو أحد رجالات الصف الأول ــ أنها صارت ذات اتصال عميق بتاريخ وطن وشعب، أنها صارت ذات اتصال عميق بتاريخ وطن وشعب، حتى إن مسقط رأسه مدينة ميدي الساحلية المطلة على البحر الأحمر هي اليوم إحدى أهم وأخطر المنافذ الشمالية الغربية للبلاد التي تكبد قوى الغزو والعدوان خسائر كبيرة دون أن تتمكن هذه من تحقيق أي تقدم يُذكر.